بعد أكثر من ثلاثة عشر عاماً مضت على اندلاع التمرد في دارفور، وبعد أن بلغت مشكلة دارفور أقصى مدى لها وطوفت الآفاق، فبلغت في أضابير مجلس الأمن عدداً من القرارات في أقل من عقد واحد من الزمان، ما لم تبلغه القضية الفلسطينية في ستة عقود، وبعد أن فعل التدويل فعلته وبلغ الترويج مداه لكل صنوف ومبررات التدخل الدولي في الدول، من تهم انتهاك لحقوق الإنسان وادعاءات بارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، أو حتى جريمة التطهير العرقي، أخذت تتضاءل القضية في مسرح الأضواء العالمية، وتصاعدت قضايا إقليمية أخرى، ثم جاءت اتفاقيات السلام في أبشي وأبوجا والدوحة لتحسم جل قضايا دارفور بالنقاش ولم يتبق غير إحداث التنمية وحسم موضوع الإقليم الواحد من عدمه والذي أقرت اتفاقية الدوحة بالاستفتاء، إضافة إلى بعض حظوظ النفس في صراع اقتسام السلطة، فإن المشكلة أخذت تؤول إلى نهاياتها، لا سيما بعد أن فشلت كل محاولات التصعيد سواء بالتدويل الذي لن يتصاعد أو بالتصعيد العسكري الذي كانت له ذروتان، الأولى محاولة غزو أم درمان الفاشلة، والثانية معركة أم درمان الثانية التي فشلت في قوز دنقو، لذا فإن أولوية الحركات الرافضة للحوار والممانعة في السلام لابد وأن تكون في البحث عن وسيلة تحافظ فيها على جذوة النار التي خبت موقدة إياها تحت الرماد، فبعد مائدة الحوار الوطني الدسمة من حيث الموضوعات المطروحة، وبعد أن لاحت بشائر التسوية السياسية مع قطاع الشمال، فقد أصبح سوق مشكلة دارفور في بوار على الصعيد العسكري، والذي يتغلغل في المجتمع الدارفوري المنهك من آثار الحرب والدمار، يدرك أن الحرب قد أخذت تتلاشى من قاموس المواطن العادي، بل والكثير من القوى الاجتماعية التي كانت تشكل في بعض المراحل حاضنات مجتمعية للتمرد. أسفرت الحرب عن جيل كامل من الصبية الذين تربوا في أجوائها المتوترة، أو قضوا جل أعمارهم في معسكرات النزوح، أما الذين تأثروا بثقافة الحرب أو الاستقطاب القبلي المسلح جراء عشرات النزاعات القبلية التي كادت أن تمزق نسيج المجتمع فهم كثر. ونحن على هذا الحال وقعت أحداث العنف الدامية التي يتداخل فيها السياسي مع القبلي وهو تطور خطير. حاشية : ليس من اليسير تجاهل التطور الدرامي الذي أدى إلى عنف مؤسف في غرب دارفور التي كانت من أوائل الولايات التي تعافت تماماً من العنف القبلي والتمرد ووقع أبناؤها سواء في أبوجا أو الدوحة على اتفاقيات سلام، وفي تقديري أن هناك تغيرات ذات صلة بطبيعة النشاط التجاري الذي يعتمد على جل سكان المنطقة الحدودية بين البلدين، والذي ضيقت عليه مراجعات منع تهريب السلع المدعومة، ثم شق آخر سياسي هدام يسعى إلى الاصطياد في المياه العكرة، والخطير في الأمر هو مساسه بالوجود المجتمعي والتعايش القبلي، لذا يجب أن تتكامل الحلول سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية حتى لا تعود دارفور إلى المربع الأول في العام 2003م. اللهم إني قد بلغت فأشهد. نقلاً عن صحيفة الرأي العام 14/1/2015م