ليس من فكاك لجنوب السودان عن السودان اذا أراد الطرفان الاستقرار والمنافع المتبادلة. لكن طالما أن أحد الطرفين لا يريد ذلك، فلن تجدى المشاعر الجياشة والنوايا الطيبة ومجرد الكلمات والتعابير في خلق علاقة إستراتيجية بين البلدين ولمصلحة الشعبين صاحبي التأريخ المشترك والمصير الإقليمي المترابط لكن ما الذي يجعل دولة الجنوب تستمر في دعمها للحركات المسلحة المتمردة على الخرطوم سواء الحركة الشعبية قطاع الشمال أو حركات دارفور المتحالفة معها عسكرياً فيما يعرف بالجبهة الثورية؟ وما الذي يجعل حكومة الجنوب تسعى الى زرع مسار العلاقة بينها والخرطوم بحقول من الألغام في وقت تتمزق فيه أوصال بلدها بالتمرد والتشرد والمجاعات والقتال التي حصدت مجتمعة أرواح الآلاف من مواطنيها؟ بل تقدم كل ما يمكن أن يؤدي إلى خسارتها للعلاقة مع الخرطوم في وقت تحتاج فيه للتعاون مع السودان لتجاوز خلافاتها الداخلية وتوفير مدخلاتها التجارية والسماح بإيواء مئات الآلاف من مواطنيها الذين لجأوا إلى السودان حيث وجه الرئيس البشير بمعاملتهم معاملة مواطنين سودانيين فلم تشدد تجاههم إجراءات الدخول والإقامة والعمل والتنقل ولم يمنعوا من التملك بمعنى آخر طبقت الحريات الأربع التي كان متفقاً ان تطبق بين مواطني الدولتين ضمن حزمة اتفاقية التعاون ذات الاتفاقيات الفرعية الثماني التي شملت جوانب التجارة والجوانب الأمنية والحدود والقضايا العالقة ولم تنفذ بعد؟ بدأت علاقة إسرائيل بحركة التمرد في جنوب السودان منذ العام 1955م، وقد برزت علاقة جنوب السودان وإسرائيل عقب انفصال الجنوب في يوليو 2011م، فأصبحت علاقتها معها على المكشوف، ولم يعد مسئولو الاستخابارت الإسرائيلية يترددون في الحديث عن أدق تفاصيل صلاتهم بجنوب السودان في الماضي وتصريحات عدد من مسئوليها بوضوح الى وجود قرار بإقامة علاقة دبلوماسية مع تل أبيب تتويجاً لسنوات طويلة من العلاقات السرية عملت خلالها إسرائيل باعتراف مسئوليها على دعم الحركات المتمردة في الجنوب، وما هي أهداف إسرائيل في السودان التي تريد أن تخدمها انطلاقا من جنوب السودان؟ ان ما تسعى إليه إسرائيل والولايات المتحدة ومن قبلهما بريطنيا هو تقسيم السودان الى خمس دويلات مستقلة في ذلك التباين الاثني والتعدد القبلي والثقافي لتكون الدويلات الجديدة موالية لها في إطار التفافها على المحيط العربي الذي يخنقها من كل الجهات ولحرمان فلسطين ومصر من أي إسناد سوداني في حال وقوع أي حرب ضد إسرائيل. حاشية لن ترعوي حكومة الجنوب ما لم تسفر نتائج سياساتها عن فشل كبير في البحث عن مصالح شعبها والحفاظ عليها وما قامت به الحكومة السودانية من إجراءات بمعاملة المواطنين الجنوبيين كأجانب وهم اصلاً كذلك دستوراً وقانوناً، يجب ان يفهم انه نتيجة لسياسات حكومتهم، وأنها هي المعنية بذلك وليست العلاقة الإستراتيجية بين الشعبين التي قدم فيها السودان من حسن النوايا و(السبت) ما لم يدرك(أحده بعد). نقلاً عن صحيفة الرأي العام 20/3/2016م