في أوائل شهر مارس الماضي، نشرت صحيفة الغاريان البريطانية تقريراً عن تنامي ظاهرة اليمين المتطرف والميليشيات المصاحبة له، مشيرة إلى أن «الولاياتالمتحدة تشهد تنامياً يمينياً متزايداً معادياً لإدارة الرئيس باراك أوباما». وقد أشارت إحدى الجماعات المعنية بالحقوق المدنية، إلى أن المجموعات القومية الأميركية قد عادت إلى الحياة في السنة الماضية، إذ ارتفع عددها بنسبة 250% ليتجاوز 500 منظمة، لها صلات عميقة بالتيار السياسي اليميني الأميركي. والمؤكد أن أحد أسباب تنامي هذا التيار، يكمن في تغير العوامل الديمغرافية داخل الولاياتالمتحدة الأميركية، وارتفاع الدين العام والمتاعب الاقتصادية، واعتماد إدارة أوباما مجموعة من المبادرات، نعتت من قبل خصومه السياسيين بأنها «اشتراكية». ولعل التساؤل؛ هل بات مشهد تلك الجماعات والميليشيات خطراً بالفعل على الحالة الفيدرالية الأميركية؟ في توقيت مواكب لانتخاب الرئيس باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، حذر مركز قانون الفقر الجنوبي «ساوثرن بوفيرتي لوو سنتر»، من زيادة المنظمات ذات الأفكار الوطنية المتطرفة في الولاياتالمتحدة بشكل كبير خلال الأعوام الأخيرة، خاصة أن وصول أول رئيس أسود إلى البيت الأبيض، من شأنه أن يهدد الأمن الداخلي الأميركي. وقال المركز في تقريره السنوي السابع عشر بعنوان «ثورة اليمين»، «إن أفكار ومعتقدات المنظمات ذات التوجهات الوطنية المتطرفة التي تمارس نشاطها حالياً في الولاياتالمتحدة، تتباين ما بين الإيمان بالتفرقة العنصرية، وكراهية اليهود والعرب والمسلمين والمتحدرين من أصول أميركية لاتينية، والأجانب بصفة عامة». وأوضح التقرير أن جماعات اليمين المتطرف تشمل ثلاثة فروع، هي جماعات الكراهية، والجماعات المتطرفة بالمولد، والمنظمات الوطنية، وتعتبر العناصر الأكثر تقلباً في المشهد السياسي الأميركي. وتشمل قائمة «مجموعات الكراهية» التي تضمنها التقرير: النازيين الجدد، والاتحاديين الجدد والعنصريين حليقي الرؤوس وال«كو كلوكس كلان»، والانفصاليين السود، ومجموعات الكراهية التي تطارد المثليين أو المهاجرين، وبعض الجماعات المتخصصة في إنتاج موسيقى عنصرية أو دعائية تنكر ما يسمى «المحرقة» اليهودية. والشاهد أن جماعة «؟كو كلوكس كلان؟» ؟تعد المثال الواضح لهذه المنظمات غير الشرعية، وتعتبر من أعنف؟ ؟الحركات العنصرية التي تشكلت في العالم أجمع؟، ؟فهذه الجماعة التي نشأت في الولاياتالمتحدة بعد الحرب الأهلية الأميركية علي يد ستة من الضباط السابقين في جيش الجنوب، كانت مهمتها في الأساس معارضة حركة تحرير العبيد التي بدأت عقب الحرب. ؟وبنت؟ ؟الجماعة مبادئها علي تفوق الرجل الأبيض، حيث ترى أن الأميركي هو من يجمع فقط بين العناصر الثلاثة الشهيرة؟: ؟أبيض ؟أنجلوساكسوني؟ ؟بروتستانتي،؟ ؟وكل من دون ذلك يجب أن يغادر البلاد أو يموت؟، وهو ما أدى بالجماعة في ما بعد لارتكاب أعمال عنف وتخريب وقتل واضطهاد؟ ؟ضد السود والكاثوليك؟ ؟واليهود، في كافة أنحاء الولاياتالمتحدة؟.؟ هل تلك الحركات هي مقدمات لدعوات انفصالية يتفكك على أثرها الاتحاد الفيدرالي الذي جمع أميركا بين دفتيه حتى الآن؟ الواقع يشير إلى ذلك بالفعل، لاسيما في ضوء دعوات الانفصال التي تصاعدت في السنوات الأخيرة في عدد من الولايات الأميركية، مهددة ومنذرة بالانفصال عن واشنطن والتخلي عن الاتحاد الفيدرالي، ومطالبة بإعلان جمهوريات مستقلة.. كيف ولماذا؟ مؤخراً أبدت نحو عشر ولايات أميركية رغبتها في الانفصال بصورة رسمية، ومنها ولايات مهمة للغاية مثل تكساس وفيرمونت وهاواي وألاسكا. ففي فيرمونت على سبيل المثال، نجد البروفيسور في علم الاقتصاد «توماس نايلور» زعيم حركة «من أجل جمهورية فيرمونت الثانية»، يذهب إلى القول «إن الدولة الفيدرالية فقدت سلطتها المعنوية، وحكومتنا تخضع لأوامر وول ستريت»، في إشارة إلى سطوة القوى المالية الرأسمالية المتوحشة في نيويورك على مصائر وأقدار بقية الأميركيين البسطاء في مختلف الولايات الأميركية، الذين لا ناقة لهم ولا جمل في ما يجري على ضفاف الهدسون. تتبقى هناك، الميليشيات الأميركية المسلحة التي علا صراخها ضد الحكومة الفيدرالية الأميركية. وفي هذا الصدد ليس غريباً أن نجد في الأشهر الأخيرة إعلانات في صحف أميركية كبرى ومحلية أيضاً، تردد عبارات «يجب ألا نسمح للحكومة بإدارة شؤوننا وحياتنا، يجب أن نعود إلى أيام الثورة الأميركية الأولى، نحن ثوريون أميركيون»، ثم يردف الإعلان بالطريقة الأميركية النمطية.. «تعالوا مع أسلحتكم وأصدقائكم». ومن أمثلة تلك الميلشيات ث مجموعة في ولاية أريزونا نشرت إعلاناً لها بصراحة تامة، يقول بضرورة انفصال الولايات عن أميركا الأم وإعلانها دولة مستقلة، وقائد هذه الميلشيا الذي يسمي نفسه «الكابتن الثوري»، يدعو إلى إعلان ثورة جديدة كالتي أعلنها الأميركان الأوائل ضد الاستعمار البريطاني. هل الأمر قاصر على لويزيانا؟ واقع الحال يشير إلى انتشار هذا النسق من الجماعات المسلحة الأميركية في العديد من الولايات، وكل جماعة تحترم نفوذ الأخرى في نطاقها الجغرافي، وحتى إذا كان لا يوجد بينها اليوم تنسيق لوجستي، فإن الجوهر الخطير هو رفض الاتحاد الفيدرالي القائم، سواء على أسس دينية عقدية أو سياسية نسبية أو عنصرية عرقية... هل بات على أميركا مواجهة قانون نشوء وارتقاء القوى العظمى ومن ثم أفولها؟ المصدر: البيان 4/10/2010