هل ينقل "الميثاق الوطني" قوى السودان من الخصومة إلى الاتفاق؟    د. ياسر يوسف إبراهيم يكتب: امنحوا الحرب فرصة في السودان    الأمن، وقانون جهاز المخابرات العامة    كلام مريم ما مفاجئ لناس متابعين الحاصل داخل حزب الأمة وفي قحت وتقدم وغيرهم    مرة اخري لأبناء البطانة بالمليشيا: أرفعوا ايديكم    موسى محمد أحمد يؤكد موقفهم الداعم للقوات المسلحة واحتفالات في الفاشر    تأخير مباراة صقور الجديان وجنوب السودان    الكابتن الهادي آدم في تصريحات مثيرة...هذه أبرز الصعوبات التي ستواجه الأحمر في تمهيدي الأبطال    شاهد بالفيديو.. وسط دموع الحاضرين.. رجل سوداني يحكي تفاصيل وفاة زوجته داخل "أسانسير" بالقاهرة (متزوجها 24 سنة وما رأيت منها إلا كل خير وكنت أغلط عليها وتعتذر لي)    شاهد بالصورة.. حسناء الفن السوداني "مونيكا" تشعل مواقع التواصل الاجتماعي بأزياء قصيرة ومثيرة من إحدى شوارع القاهرة والجمهور يطلق عليها لقب (كيم كارداشيان) السودان    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    من سلة غذاء إلى أرض محروقة.. خطر المجاعة يهدد السودانيين    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    تفشي حمى الضنك بالخرطوم بحري    بالصور.. معتز برشم يتوج بلقب تحدي الجاذبية للوثب العالي    المخدرات.. من الفراعنة حتى محمد صلاح!    لولوة الخاطر.. قطرية تكشف زيف شعارات الغرب حول حقوق المرأة    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    مدير شرطة ولاية القضارف يجتمع بالضباط الوافدين من الولايات المتاثرة بالحرب    محمد سامي ومي عمر وأمير كرارة وميرفت أمين في عزاء والدة كريم عبد العزيز    مسؤول بالغرفة التجارية يطالب رجال الأعمال بالتوقف عن طلب الدولار    لماذا لم يتدخل الVAR لحسم الهدف الجدلي لبايرن ميونخ؟    مصر تكشف أعداد مصابي غزة الذين استقبلتهم منذ 7 أكتوبر    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    مقتل رجل أعمال إسرائيلي في مصر.. معلومات جديدة وتعليق كندي    النفط يتراجع مع ارتفاع المخزونات الأميركية وتوقعات العرض الحذرة    توخيل: غدروا بالبايرن.. والحكم الكارثي اعتذر    النموذج الصيني    غير صالح للاستهلاك الآدمي : زيوت طعام معاد استخدامها في مصر.. والداخلية توضح    مكي المغربي: أفهم يا إبن الجزيرة العاق!    موريانيا خطوة مهمة في الطريق إلى المونديال،،    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    الجنيه يخسر 18% في أسبوع ويخنق حياة السودانيين المأزومة    إسرائيل: عملياتنا في رفح لا تخالف معاهدة السلام مع مصر    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    الولايات المتحدة تختبر الذكاء الاصطناعي في مقابلات اللاجئين    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ندوة «الشرق القطرية» حول إتفاق أبيي ومستقبل إتفاق السلام في السودان

جريدة "الشرق القطرية" بالدوحة وضمن مبادراتها الحوارية المتواصلة نظمت ندوة دعت إليها الفرقاء فأجابوا، وكانت تلك بادرة مبشرة حيث جلس أبناء المنطقة من قبيلتي المسيرية والدينكا (طرفي الازمة) على طاولة واحدة مستلهمين من روح الوفاق السارية في قطر أفقا جديدة للحوار، وكانت نقطة الإتفاق الأولى هي أن النزاع في الإقليم سياسي بإمتياز، وأن القبيلتين تتعايشان في سلام جنبا إلى جنب، وإن بقيت نقطة الخلاف حول "من أحرق أبيي"؟!
في بداية الندوة رحب الأستاذ جابر الحرمي نائب رئيس التحرير بالحضور وفي مقدمتهم سعادة السيد إبراهيم فقيري سفير جمهورية السودان بالدوحة وسعادة السيد محمد الحسن الوزير المفوض بالسفارة السودانية والمهندس عبد المنعم أبوتفة رئيس الجالية السودانية بالدوحة، والحضور من أبناء السودان في الدوحة. وقال إن تنظيم ندوة الشرق اليوم والتي نخصصها للسودان الشقيق يجييء إسهاما من صحيفة الشرق في إثراء الحوار بين أبناء السودان، حول سبل تحقيق الاستقرار السياسي والأمني في هذا الجزء من الوطن العربي، العزيز علينا جميعا، خاصة وأن السودان سيظل البلد العربي، الذي له مكانته التاريخية والجغرافية والاستراتيجية الكبيرة ويصبح استقراره من أولوياتنا جميعا كأبناء وطن عربي واحد.
وأضاف ان أبيي تمثل الحدود الجنوبية الغربية لولاية جنوب كردفان وهي منطقة غنية وتعتبر جسر التواصل بين الشمال والجنوب وتسكنها قبيلتا المسيرية والدينكا. ورغم تدهور العلاقات بين القبيلتين إلا أننا نأمل لهما العيش معا في سلام ليزدهر لنا السودان كما كان دائما.
ورحب بالمشاركين في الحوار وهم الأستاذ سليمان عبد الرسول ممثل أبناء المسيرية بالمهجر وأحد أبناء أبيي والمتابع لكل ماكتب عن القضية، والأستاذ دود ملوال من أبناء الجنوب. وعبر الهاتف من الخرطوم الأستاذ عبد الرسول النور عضو مفوضية تحديد حدود أبيي وحاكم كردفان السابق.
حقائق جغرافية تاريخية
في البداية سلط سليمان عبد الرسول الضوء على جغرافية ومنطقة أبيي وأسباب الخلاف حول المنطقة موضحا أن أبيي هي المنطقة التي يحدها جنوبا شمال بحر الغزال وشرقا أعالى النيل وهي تمثل الحدود الجنوبية الغربية لولاية جنوب كردفان وهي منطقة سافنا غنية ويتخللها بحر العرب والرقبة الزرقاء وغيرها من الأنهر الموسمية، وتعتبر جسرا للتواصل بين الشمال والجنوب. وهذه المنطقة تقع إداريا داخل حدود مجلس ريفي المسيرية حسب أمر تأسيسه في العام 1951م ووفق حدود السودان في العام 1956م ويرجع دخول المسيرية اليها للعام 1765م، حيث قال: وجد المسيرية في المنطقة الداجو والشات، أما دينكا نقوك فقد وصلوا لنفس المنطقة في القرن التاسع عشر.
وحول منطقة أبيي التي ضمت عام 1905م قال: يقع مثلث أبيي الذي ضم لكردفان عام 1905م بقرار إداري من الحاكم العام البريطاني في الجزء الجنوبي لمجلس ريفي المسيرية جنوب بحر العرب بمسافة تبعد عنه 42 ميلا، وفقا لما جاء في خريطة كابتن لويد ومصلحة المساحة السودانية لعام 1904م، ويمتد من الحدود الشمالية لبحر الغزال الى خط العرض11:50 شمالا وهو عبارة عن مثلث صغير لا تتجاوز مساحته10.000 كيلو متر مربع، وكانت تقطنه قبائل دينكا نقوك التي تتألف من تسعة عموديات. وهم أهل قرى مستقرون في المنطقة بشكل دائم ولكن في موسم الجفاف نجد قبيلة المسيرية يرعون فيها بمواشيهم.
أما مدينة أبيي فتقع شمال بحر العرب ضمن مجلس ريفي المسيرية حسب حدود 1904م وهي المدينة التي تم فيها تنصيب ناظر عموم المسيرية الناظر بابو نمر علي الجلة عام 1942م، وقد أنشئت المدينة عام 1937م.
وحول سكان مدينة أبيي أوضح عبد الرسول أنهم من المسيرية منذ إنشائها إلى العام 1905م، حيث تم إبرام ميثاق إخاء بين زعيم المسيرية الناظر نمر علي الجله والسلطان كوال أروب والذي عبر بموجبه دينكا نقوك بحر العرب شمالا ليستقروا في قرية أبيي الناشئة عندئذ، ووفقا لإحصاء عام 1956م فقد بلغ عدد المسيرية الحمر في أبيي102000 نسمة، بينما بلغ عدد دينكا نقوك38500 نسمة إلا أن عدد الدينكا بدأ بالتناقص المستمر حتى قبل نشوب النزاع الحالي وهذا يعزى غالبا إلى الاتجاهات الجديدة في التطور التي وجدت طريقها إلى دينكا نقوك وتسببت في عدم الرضا عن أسلوب الحياة التقليدية القاسية، فالأجيال الجديدة تميل إلى البحث عن فرص عمل وخدمات أفضل في أماكن أخرى.
وحول أسباب ضمها لكردفان قال إن من الأسباب التي دفعت بسلطات الإحتلال لضم المثلث الى كردفان هو رغبة سكانه الذين وجدوا من جيرانهم المسيرية حسن الجوار والمعاملة الطيبة، والسبب الآخر هو بعد هذه المنطقة من بحر الغزال وصعوبة إدارتها من هناك بسبب وعورة الطرق والإتصال، فالمنطقة تقع في نطاق السافنا الغنية ذات الغابات الكثيفة مما يجعل إدارتها من بحر الغزال أمرا في غاية الصعوبة، لهذه الأسباب وغيرها فضل البريطانيون ضمها لكردفان بعد أخذ موافقة المواطنين فيها والذين فضلوا الإنضمام الى كردفان على بقية مديريات الجنوب الأخرى التي عرضت عليهم.
وصول الدينكا
أضاف: وصل دينكا نقوك هذه المنطقة في نهاية القرن التاسع عشر كما ذكر هندرسون في مذكراته والتي قال فيها يرجع دخول المسيرية لهذه المنطقة للعام 1765م حيث وجد المسيرية في المنطقة الداجو والشات، أما دينكا نقوك فقد وصلوا لنفس المنطقة في القرن التاسع عشر واستقر السلطان أروب بيونق سلطان دينكا نقوك في المكان الذي يسمى باسمه وهو جنوب بحر العرب والذي يعرف ب(أناقديل) ولم يتحرك شمالا وانتظر حتى تم إعلان ضمه لكردفان وليس لبحر الغزال في العام 1905م.
وفي العام ذاته وقع الناظر علي الجله والسلطان كوال أروب ميثاقا أخويا الأمر الذي مكن دينكا نقوك من عبور بحر العرب شمالا والإستقرار في مدينة أبيي الحالية وبدأ نزوح العموديات التسعة لدينكا نقوك شمال بحر العرب في العام 1905م وكان أولهم في العبور عمودية بنقو وإستقرت في مدينة أبيي الحالية لمدة عام لجس النبض والإطمئنان على حسن المعايشة مع العرب وحينما أطمأنوا الى ذلك إنضم إليهم الناظر بعمودياته كلها والتي كانت جنوب البحر، وهي أنيل وتور جوك وديل ومانجوار ومارينق وشاك. أما أشوينق فقد تم فصلها لتصبح عمودية في العام 1972م وهي داخل منطقة أبيي الحالية ونسبة لتمدد الدينكا داخل أراضي المسيرية وبموافقة المسيرية فقد شغلوا مناطق الرقبة الزرقاء وهي شمال بحر العرب.
تدهور العلاقات
وإستطرد سليمان عبد الرسول أنه في العام 1964 م هاجم المتمردون مدينة أبيي والتي هي معظم مواطنيها من المسيرية فقتلوا الرجال واعتدوا على أعراض النساء وبجهد من الناظرين بابو نمر ودينق مجوك تم احتواء الموقف.
وفي 18/2/1965م حدث الهجوم الأكبر على منطقة المسيرية من الماروية غربا إلى العرديب شرقا في مساحة تتجاوز الثمانين كيلو مترا مربعا وتم ذلك في آن واحد، وأدى ذلك الهجوم الى مقتل المئات من أبناء المسيرية في دفاعهم عن النفس والمال والعرض.
وترتب على ذلك رد فعل من قبائل المسيرية بأن قاموا بهجوم على الدينكا مما إضطر دينكا نقوك للرجوع جنوب بحر العرب.
في العام 1966م إنعقد مؤتمر صلح في أبيي حضره معظم قيادات القبائل السودانية وتم التوقيع في ذلك المؤتمر على إتفاق صلح ومعايشه بين قبيلتي المسيرية ودينكا نقوك ليعود كل منهما لموقع سكنه السابق. فالمنطقة التي عاش فيها دينكا نقوك قبل وقوع أحداث عام 1965م هي التي شكلت محورا للجنة خبراء مفوضية ترسيم حدود أبيي للانطلاق منها وإعتبارها مرتكزا وحدودا لمناطق الدينكا، في الوقت الذي لم تكن فيه آنذاك أي حدود تفصل بين الدينكا والمسيرية لا قبليا ولا إداريا وإنما خلقت هذه الحدود خلقا بواسطة لجنة الخبراء.
وحول أسباب هجرة دينكا نقوك ينقل عبد الرسول ماذكره دي كينسون بأن دينكا نقوك تم تفريقهم وطردهم خارج وطنهم من قبل نوير لاو، ومنذ القرن التاسع عشر إستعملوا الأرض حول أبيي كموطن لهم. فقد كان وصول دينكا نوك لهذه المنطقة نتيجة لإستضافة ناظر المسيرية علي الجله لناظر دينكا نقوك أروب بيونق والذي إستجار به لما لاقاه من حرب وعدم إستقرار بينه وبين قبائل النوير التي نازعته في شمال بحيرة نو شمال بحر الغزال.
تقرير الخبراء
وحول تقرير خبراء مفوضية ترسيم حدود أبيي قال سليمان أن الخبراء إستقوا معلوماتهم بشأن الحدود من شباب في الحركة الشعبية ليس لهم خبرة ولا معرفة تاريخية بحدود الأرض وعلاقات القبائل ولم يأخذوا معلوماتهم من زعماء القبائل المجاورة والذين لهم دراية ومعرفة بالحدود والعلائق بين القبائل أمثال شيخ ريحان والذي كان يساكن الناظر الروب بيونق جنوب البحر والناظر لاتجوك من التوج والناظر عبدالباقي أكول أيي من بحر الغزال وفي الجانب الشرقي نجد قبائل النوير في أعالى النيل ومن بينهم الناظر بيل ناظر الليك والناظر مشار ترل ناظر بل إن عجز الخبراء، وإعترافهم بعدم معرفة حدود منطقة أبيي حسب خريطة 1905م إنما هو أمر مقصود.
وقال إن صدور ما سمي بتقرير لجنة الخبراء التابعة لمفوضية ترسيم حدود منطقة أبيي، وبعد أن أقرت وأعلنت فشلها في أداء المهام الموكلة إليها والتي تبرعت من عندها بتقسيم منطقة دار المسيرية وتقديم خارطة جديدة للحدود الجغرافية لمنطقة أبيي والتي صادرت بموجبها أهم قرى ومدن المسيرية وضمت جزءا كبيرا من أراضيها والتي لم يطالب دينكا نقوك أنفسهم بها، وبذلك تكون قد أصدرت حكما معيبا وباطلا شكلا ومضمونا حيث أنها قضت في أمور خارج حدود تكليفها وصلاحيتها، مؤسسة بقرارها هذا لإشعال فتنه بين المسيرية ودينكا نقوك.
وقال لقد رسم الخبراء خريطة جديدة للمنطقة ليس لها علاقة بالمنطقة موضع النزاع والتي تم تكليفهم بتحديد مساحتها لكي يجرى فيها الاستفتاء. فالمنطقة التي كانت موضع النزاع تقع جنوب بحر العرب وتبعد عنه بمسافة 42 ميلا وفق القرار الذي ضم بموجبه الى كردفان عام 1905م، فكان الخلاف يدور حول مساحة المثلث، فالحركة تقول بان المثلث يقع جنوب بحر العرب مباشرة وحكومة السودان تقول بان المثلث يقع جنوب البحر ويبعد عنه مسافة 42 ميلا، وبسبب هذا الخلاف حول مساحة المثلث شكلت مفوضية لترسيمه وهي تتكون من خمسة عشر عضوا خمسة خبراء اجانب وخمسة ممثلين من الشمال وخمسة من الجنوب وحددت مهمتها بتحديد مساحة المثلث المعني، فالمنطقة المتنازع عليها كلها تقع جنوب بحر العرب ولكن الخبراء تجاوزوا تلك المنطقة وانتقلوا الى المنطقة التي تقع شمال البحر والتي لم تكن موضع نقاش ولم يطالب بها الجنوبيون انفسهم، واذا ما نظرنا الى الخارطة التي رسمها الخبراء نجد مدى تجاوزهم للاختصاص الذي منح لهم. فالخريطة التي رسمها الخبراء للمنطقة ليس لها اي علاقة بالمنطقة التي يدور حولها الخلاف، في الواقع هي صورة طبق الأصل للخريطة التي قدمتها لهم الحركة الشعبية لا يوجد أي فرق بين الخريطتين.
ملابسات تاريخية
وفي كلمته قال دود ملوال ممثل أبناء الجنوب أن مشكلة ابيي ليس كما ذكر تبدأ من سنة 1905 ، فكل انسان مطلع على تاريخ السودان يعرف ان السودان قبائله الاصلية منذ التاريخ هي قبائل افريقية فالادعاء بأن نزوح اهل الدينكا الى منطقة ابيي أو ما يسمى بجنوب كردفان غير صحيح لسبب بسيط وهو اننا لو اخذنا الممالك السودانية الافريقية الاولى كانت تبدأ من اقصى شمال السودان الى اقصي حدود السودان، ولو قلنا الهجرة العربية أو كما يقول الناس ان الدينكا هاجروا لمنطقة أبيي من عاليه فذلك غير صحيح فتاريخ الدينكا يبدأ مما فوق منطقة الجزيرة وسط السودان، وقال اننا لا نريد الدخول في مداخلات التاريخ يعرفها سواء بوثائق معروفة وموجودة خلال الاستعمار الانجليزي او ما قبل التركي المصري موجودة في جميع المكاتب وجميع المستندات تاريخية،
واضاف لنركز على ما يدور حاليا في أبيي من نواح سياسية وقبلية. أهمها النواحي القبلية، فمشكلة التعايش بين الدينكا اهل شمال بحر الغزال مع القبائل التي تسمى القبائل العربية غير صحيح كما تقال، لانه اصلا اذا اردنا تعريف قبائل السودان فهناك اثنتان فقط قبائل افريقية أصلية وقبائل عربية افريقية، بالمصطلح الصحيح لان ما حصل بعد هجرة العرب الى السودان تم تزاوج وتصاهر بين بعض العرب والافارقة افرزت الجيل الموجود حاليا المسمى أبناء شمال السودان العرب.
واشار الى ما ذكره السيد سليمان بالخرائط ان منطقة أبيي فعلا تاريخيا كان يحكمها سلاطين متسامحون جدا مع بعض، ما كان لهم في المناوشات إلا حل بين مشايخ القبائل ويكاد يكون بينهم بدون تدخل خارجي.
وقال إن ما حصل فيما بعد استقلال السودان ورسم خريطة السودان الحالىة والمديريات كان مفهوما ضمنيا ان منطقة بحر كير وليس بحر العرب كما يسمى حاليا هي اقصى منطقة ممكنة للجنوبيين أهل دينكا شمال بحر الغزال كوجود اقصى لهم شمالا.
التدخلات الحكومية
وأكد ملوال أن منطقة أبيي تقع شمال بحر العرب لذلك ولنواح لوجستية وادارية تم التشاور بين السلاطين لكي يحاول ان يرى اقرب محافظة يستطيعون الانضمام لها ادرايا وليس قبليا، لتسهيل امور اهل المنطقة فاتفقوا على ان ادارتهم تكون تابعة لولاية كردفان، ذلك ليس لان الدينكا كانوا راغبين في ان يكونوا تابعين لشمال السودان وانما لان المنطقة اقرب لهم اداريا من محافظة بحر الغزال، وما حدث بعد انضمام منطقة ابيي الى كردفان انه بدأت مناوشات او تدخلات للتفريق بين قبيلة المسيرية والدينكا، والتاريخ يشهد بذلك من خلال مناوشات الحكومة والجيش السوداني لضرب مناطق الدينكا، والسبب في تعزيز مكانة قبيلة المسيرية واضح هو وجود عدد كبير من ابناء المسيرية في الجيش القومي السوداني، تلقائيا كل ما تحدث مناوشات بين قبيلة الدينكا والمسيرية يقوم الجيش السوداني او الحكومات السودانية بمساندة قبيلة المسيرية على الدينكا، ووقع هجوم منظم على قبائل الدينكا لنقل اقاربهم واخذ ابنائهم ونسائهم لدرجة اوصلت الامم المتحدة الى ان تشكل هيئة لاسترجاع ما تم الاستيلاء عليه من قبائل الدينكا.
في القريب العاجل كانت هناك زيارات من الحكومات المتعاقبة للمنطقة وفعلا وجدوا ان نمط المعيشة السليمة المتفق عليها بين السلاطين كانت الاولى ان تستمر من اي تدخل حكومي للحكومات السودانية المتعاقبة منذ استقلال السودان، جاء تحيز الحكومات المركزية المتعاقبة على جانب المسيرية اعطى العالم العربي الفكرة ان المعتدين على قبائل العرب الافارقة هم أبناء الجنوب، وذلك ليس صحيحا لانه لا توجد قبيلة في الجنوب ذهبت للشمال او للقبائل المجاورة وحاربتهم في بيوتهم، ما يحصل كان العكس، تلك هي الحقيقة.
وقال بوصولنا الى الاتفاقية الاولى بعد ثورة 1955 من ابناء الجنوب التي انتهت باتفاقية اديس ابابا، فان منطقة ابيي اعطيت وضعا خاصا لان الوضع القبلي كان معقدا فقرروا منحها حكما منفصلا عن حكومة الخرطوم او ما ينادى بالحكومة الاقليمية في جنوب السودان.
تسييس القبائل
واكد ان منطقة أبيي مشكلتها بسيطة جدا وهي تسييس القبائل التي كانت تعيش في سلام ووئام ولو كانت هناك مناوشات كانت تحل داخليا بين السلاطين، وكانت دائما تنتهي بموافقة الجانبين وحل هذه المشكلة وان المشاكل التي كانت دائما تتكرر هي في منطقة المراعي وهي منطقة تسمى منطقة بلا سكان، وان كانت منطقة رعوية في مواسم معينة تأتي قبائل المسيرية لان منطقتهم لا توجد بها مراع او مياه تكفيهم، وأهل الدينكا كانوا يقولون ان هؤلاء جيراننا وانهم عابري سبيل، ولوجود كمية كبيرة من ابناء المسيرية في الجيش السوداني اوتوماتيكيا جاء تسليح القبائل بطريقة غير مباشرة، بمعنى ان الهجوم الذي كان على فرس او ابل اصبح منظما على دبابات ومدرعات مسلحة تهاجم القرى الجنوبية.
اتفاقية نيفاشا
ويرى دود ان اتفاقية نيفاشا وبروتكول أبيي قد أكدا ان منطقة ابيي هي منطقة متنازع عليها بين قبيلتين ويترك حل هذه المشكلة لابناء المنطقة بطرق توافقية سلمية اخذين في الاعتبار ان المنطقة دينكاوية 100%وان المنازعة يفترض ان تكون على منطقة رعوية، ولكن تدخل الاطراف الساسة في الموضوع عقد الموضوع لدرجة انه وقع اتفاق بين الجيشين ان يكونا جيشا نموذجيا يراعي حقوق كل قبيلة في المنطقة لوقف الاعتداءات التي كانت تحصل بين القبيلتين.
ويضيف ان الشيء المؤسف انه لم يقف الامر عند ان القبيلتين هما طرفا النزاع، حيث حصل استقطاب وتوظيف لباقي القبائل الشمالية لمساندة قبيلة المسيرية، لتثبيت الوجود العربي في منطقة أبيي وكانت هناك كلمات لها أبعاد سياسية وقبلية كبيرة جدا، لا يوجد احد يقبل ان جاره الذي اكرمه يأتي ويقول انا سيدك، هو اصلا لم يأت نازحا بل كرعاة يخرجون للمناطق الرعوية للتخييم بها وبعد موسم معين يعودون لمنطقتهم الاصلية وهذه طبيعة الدينكا وقبيلة المسيرية بالمنطقة.
الادعاءات التي تقال اليوم من قبل ابناء المسيرية الموجودين في الحكومة المركزية بأن الدينكا هم المعتدون غير صحيح لسبب بسيط هو أهل الدينكا الموجودون في منطقة أبيي ليسوا مسلحين وليسوا مدعمين من جيش شعبي بالمنطقة، الجيش الشعبي ملتزم ببروتكول أبيي الذى يرسم حدود المنطقة الخضراء بين الجيشين.
اتهامات مشتركة
وأشار دود الى أن ما كان يحدث أن أعضاء القوات النظامية كانوا يغيرون الزي العسكري بزي مدني ماعدا الاسلحة لدرجة انه كانت هناك مصادمات بين جيش الحركة وما يسمى ميليشيات القبائل المسيرية ووجدت بطاقات حكومية رسمية تثبت انتماءهم لألوية في الجيش السوداني وتوجد وثائق بذلك، ما يعبر عن انحياز حكومة الخرطوم لقبيلة المسيرية، هذا هو الواقع التاريخي.
أما البروتوكول الحالي أو الحل المقترح في معظم الصحافة والاذاعات في الدول العربية تصورها منطقة غنية بالنفط لذا صارت مشاكل سببها وجود ثروات النفط بالمنطقة، ثروات النفط السوداني ليست لمنطقة واحدة وما يقال حول أن الجنوبيين يريدون منطقة أبيي بسبب البترول كان ممكن أن يقولوا يا أهل الشمال ارجعوا ونعطيكم نسبتكم، نحن نعتبر الثروة السودانية للسودان وللسودانيين أجمع، وكل سوداني له الحق في ثروات السودان، للاسف حتى لو استخرج هذا البترول المنتفع الاول والاخير سيكون نخبة معينة تحكم السودان منذ الاستقلال ومع ذلك الشعب السوداني عنده بترول وعنده مياه ومازال يشحت بترولا من خارج السودان، الحقائق التاريخية مدونة في كل مراجع العالم.
وفي تعليقه على كلمة السيد دود قال السيد سليمان ان تاريخ القبائل السودانية مرتبط بتاريخ افريقيا مستعينا بمجلد أصدرته منظمة اليونسكو يتحدث عن القبائل الافريقية عموما، ومن ضمنها قبائل الدينكا ومن أين هاجروا، وكذلك تحدث عن نهر الكير، وقال إن هذا المسمى غير صحيح وإن الخرائط كلها تذكر هذا النهر ببحر العرب، وهي حقائق تاريخية، وتحدث عن هجوم قبائل المسيرية في الستينيات وهذا غير صحيح وأضاف نحن لم نهاجم اطلاقا قبائل الدينكا ولم يحصل بيننا وبين الدينكا ملوال أي مشكلة ولا حتى مع الدينكا نقوك لم تحصل مشكلة، المشكلة سنة1964 و1965 عندما حصل هجوم من قوات لمحاربة التمرد ولا نريد التحدث عنها بالتفصيل، لكن إذا رجعنا للمؤتمر الذي عقد في1965م و1966م الذي تناول هذا الموضوع وهناك وثائق موجودة حول الجهة التي قامت بهذا الهجوم، نريد ألا نتحدث عن مرارات الماضي نريد أن نتجاوزها وهذا له تأثيرات سلبية على الوضع الحالي.
وقال إن السيد دود ذكر وجود عدد كبير من أبناء المسيرية في الجيش ولذلك الحكومة كانت معهم وهذا غير صحيح المسيرية موجودون في الجيش لأنه واجب وطني شأنهم شأن أي سوداني آخر كما يوجد جنوبيون موجودون في الجيش، الجيش السوداني جيش قومي وكل سكان السودان فيه.
بروتوكول أبيي
أما السيد عبد الرسول النور عضو مفوضية تحديد حدود أبيي وحاكم كردفان السابق فقد اشار في مداخلة من الخرطوم عبر الهاتف الى أن بروتوكول أبيي الموقع بين حكومة السودان والحركة الشعبية حول أبيي المنطقة التي لها تاريخ واضح يرجع لقرار اتخذه حاكم السودان عام 1905 ، ولكن الذي عقد القضية وآخر تنفيذ البروتوكول هو تقرير الخبراء، الخبراء الذين استعانت بهم هيئة الايجاد للمساعدة في ترسيم حدود منطقة أبيي والتفويض الواضح الذي منح لهم، حيث تجاوزوا هذا التفويض وقالوا إنهم لم يجدوا حدودا قبل سنة 1905م وهذا غير صحيح وأنه بدلا من فض النزاع الذي هو أساس جغرافي لتعريف الحدود بين شمال بحر الغزال وجنوب كردفان اتجه الخبراء للبحث عن مراع لقبائل الدينكا والمسيرية في منطقة كان القريقان يتعايشان فيها بأمن وسلام.
الخطأ الثاني أن الخبراء بدلا من أن يقدموا تقريرهم عبر المفوضية لم يستشيروا المفوضية لهذا كان من الصعب جدا تنفيذ البروتوكول وتقديم أي حل لأن الحل يقوم على الحدود الجغرافية بالمنطقة المتنازع حولها، وفي الآونة الاخيرة الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان ان يضعوا المجتمع الدولي أمام الامر الواقع لهذا عينوا حاكما للمنطقة جاء على ظهر دبابة ليحكم المنطقة، هذا الفعل أدى الى تدهور الاوضاع وقاد الى الاشتباكات الاخيرة التي احرقت المنطقة احراقا تاما وطرد أهلها جميعهم، هذا الحال البائس الذي أحرق الارض والزرع وشتت المواطنين الذين جاءوا في عودة طوعية ليعمروا الارض والمواطنين الذين كانوا يعيشون في أمان حتى أيام الحرب هؤلاء تشتتوا وتفرقوا وفقدوا أرواحهم وممتلكاتهم ودماءهم، لهذا جاء الاتفاق الجديد. كان من المفروض أن يكون الخبراء جزء من الحل لكنهم صاروا المشكلة في حد ذاتها ولايمكن أن يطبق على الارض، لهذا جاءت فكرة التحكيم الدولي أمام محكمة دولية ومحكمين دوليين ليناقشوا اين تقع الحدود بين كردفان وبحر الغزال في 1905 لتكون بذلك أبيي التي ينطبق عليها البروتوكول وعرفت معالمها شمالا وجنوبا وبالتالى يمكن أن يطبق بقية البروتوكول.
التحكيم الدولي والنازحين
وأضاف أن آلاف النازحين ومعظمهم من الدينكا الآن يعيشون بلا مأوى وبلا مأكل، نريد أن يعالجوا هذه المشكلة الانسانية، أن يحل الأمن والسلام وهذا لا يتم الا باتفاق بين المسيرية والدينكا ليعيدهم الى منطقة كانت تحكمها التقاليد والنظم والاعراف القروية واعادة الحياة الى سيرتها الاولى بعد أن خسروا من الحرب كل شيء حتى الثقة.
ثم هنالك برامج التنمية في هذه المنطقة الغنية التي يوجد بها أفقر الناس، لابد من بنية أساسية إلى طرق ومحطات مياه ومشاريع زراعية انشغلوا عنها بقضاياهم، وبعد أن تكتمل كل هذه الصورة يمكن أن يتم التحكيم وفق أسس واضحة ولا لبس فيها ومن ثم تعود هذه المنطقة الجسر الذي يجمع الشمال والجنوب.
وأشار الى انه يوجد متعصبون في كل المناطق ولكنهم يأملون ألا يلدغوا من جحر المنظمات الدولية وخبراء التحكيم وغيرهم لا يلدغوا من جحرهم مرة ثانية، لقد شهدت المنطقة سجالا عنيفا بين رعاة المسيرية وقوات الجيش الشعبي لتحرير السودان في ديسمبر الماضي وفي يناير الماضي بعد أن تعقدت الامور وراحت المعيشة الامنة في بحر الغزال وضاقت المعيشة أمام الرحل من المسيرية حيث انهم لم يستطيعوا أن يصلوا الى موارد المياه وبعد جهد كبير عقدنا الصلح وكانت الرعاة تذهب وتعود سالمة والآن المسيرية والدينكا في شمال بحر الغزال هي سمن على عسل ونأمل بالدعم الشعبي وبالتفاهم اعادة الثقة لهذه الجسور التي بناها آباؤنا وأجدادنا حتى نلتفت الى التنمية والخدمات لتلحق بغيرها من المناطق الاخرى التي قطعت شوطا طيبا في التنمية والحضارة والتعليم.
وفيما يتعلق بوجهة نظره حول امكانية نجاح التحكيم الدولي في حل النزاع في هذه القضية قال السيد عبد الرسول إن التحكيم الدولي له محاذير، وأضاف نحن نعلم أن كثيرا من مؤسسات الغرب منحازة للحركة الشعبية لسبب أو لاخر، ولكننا نعتبر التحكيم خطوة الى الامام حيث كانت الحركة الشعبية تصر على ترديد تقرير الخبراء الذي قسم المديرية الى قسمين قسم ينتمي للجنوب وقسم ينتمي للشمال ورسم الخط الفاصل بينهما بالمسطرة لعله استعدادا لبناء خط بارليف جديد يفصل بين شطري قبائل المديرية.
التحكيم لابد أن يهتم بأن يكون موضوع النزاع موضوعا واضحا جغرافيا فقط وفق التعريف الذي جاء بالبروتوكول، نريد أن نحدد مناطق الدينكا نقوك التسعة التي كانت في بحر الغزال وتم ضمها الى كردفان بقرار إداري في مارس1905 نريد من التحكيم أن يحدد أين تقع هذه المنطقة الجغرافية والنقاط التي تحددها تحديدا كاملا.
نحن نأمل أن يكون التحكيم افضل من تحكيم الخبراء وندعو الى أن يكون التحكيم قائما على أسس واضحة حتى نقبل نتيجة التحكيم.
لماذا التحكيم الدولي؟
وتقدم الاستاذ عبد المنعم أبو تفة رئيس الجالية السودانية بقطر في بداية حديثه بالشكر الجزيل لصحيفة الشرق لإهتمامها بقضية (أبيي)، واتاحتها فرصة للتعبير الشعبي لقبيلتي المسيرية والدينكا لإبداء آرائهم والتداول في هذا الموضوع، كما تقدم بالشكر الى دولة قطر لإهتمامها بقضايا السودان المهمة.
وأعرب أبو تفة عن أسفه لاحالة النزاع الى التحكيم الدولي، وقال "ان الاراء تختلف والكثيرون يرون أن التحكيم حل افضل، ولكن بعد اتفاق نيفاشا كان لابد من أن نتحرك الى الامام لبناء الثقة بين جميع الاطراف السودانية ونحقق التوافق".
وأكد أبو تفة أن احالة المشكلة الى التحكيم الدولي يكشف عن عدم ثقة، وأن إحالة النزاع الى لجنة خبراء يفاقم المشكلة أكثر من حلها.
وطرح تساؤلا مهما حول أسباب إحالة الامر الى التحكيم الدولي وعدم حل المشكلة داخليا في هذا الوقت بالذات لتأكيد جديتنا في احلال سلام شامل ووفاق.
وقال انه من الضروري ارجاع الأمر الى طرفي النزاع، المسيرية والدينكا لما لهما من خبرة طويلة في التعايش ويجمعهما تاريخ مشترك.
أما فيما يخص النزاع الكبير لتحديد حدود المنطقة، قال أبو تفة: انه في تقديره كان لابد أن يسلم الأمر الى طرفي النزاع وتلتزم الحكومة بما يتوصل اليه الطرفان من حل، وأكد في ذات السياق على قدرتهما على حل المشكلة.
وأعرب عن أسفه ايضا لتفاقم الاوضاع حتى وصلت مرحلة حرق المدينة، وعرض فكرة حل المشكلة عن طريق قانونيين سودانيين محايدين اذا احتاج الأمر الى تدخل أو رأي قانوني، وقال :" في السودان لدينا قانونيون ضليعون جدا ومحايدون وغير مسيسين ولديهم سمعة حسنة ويمكن أن يكونوا متقاعدين او موجودين بالخارج في المؤسسات الدولية كهيئة تحكيم سودانية تعالج الأزمة بدلا عن التحكيم الدولي".
علاقات حميمة
وأعرب سعادة السيد محمد الحسن إبراهيم، الوزير المفوض عن شكره لصحيفة الشرق ومن قبلها الشكر لدولة قطر لإهتمامها بالشأن السوداني وأكد على أن آخر اتفاق قد لقي اهتماما وترحيبا ومناداة من قطر حتى يعم الاستقرار وهذا ينم عن حكمة القيادة القطرية.
وتقدم بالشكر أيضا للمتحدثين من القبيلتين لاشارتهما للتاريخ المشترك لتاريخ العلاقة ولإشارتهما أيضا الى العلاقات الحميمة بين أبناء المسيرية والدينكا الموجودين بالمنطقة، كما أكد على وجود مصاهرات وعلاقات اجتماعية متميزة بين أهالى تلك المنطقة.
وذكر الوزير المفوض انه على مر التاريخ كانت هناك نزاعات بين القبيلتين ولم يتم التفاقم هذه المرة بسبب الإعلام.
وأعرب عن أسفه لحرق مدينة أبيي في النزاع الاخير، وتحدث عبر خلفيته التاريخية مؤيدا وجود محاذير على التحكيم الدولي لكنه أكد في ذات الوقت على ان تجذر وتعمق المشكلة يستوجب تدخلا دوليا وخارجيا.
وذكر الوزير المفوض أن النزاع ليس بين اهالى المنطقة وانما هو على تبعية المنطقة، موضحا أن نص الاتفاق يشير الى اللجوء الى هيئة تحكيم مهنية متخصصة وليست محكمة العدل الدولية في لاهاي التي تختلف في شكلها وطريقة اختيار قضاتها عن هيئة التحكيم المتخصصة التي يتفق عليها الطرفان.
وأشار الى وجود قضاة سودانيين يعملون بهذه المحكمة من الشمال والجنوب من بينهم دينق الور من الجنوب ومولانا دفع الله الرضي ودفع الله الحاج يوسف وعدد من القضاة المشهود لهم بالنزاهة والكفاءة.
الارض المحروقة
وشكر الزميل محمد المكي، جهود صحيفة الشرق في اقامة مثل هذه الندوة، كما تقدم بالشكر الى دولة قطر لاتاحتها هذا المناخ لمناقشة قضايا السودان.
ووصف الإتفاق الاخير بأنه دليل على أن سياسة الارض المحروقة والمواجهات قد فشلت، وأكد أن كل الاتفاقات التي تمت جاءت بعد مواجهات مريرة، ودروس قاسية بلورت في نهاية الأمر رؤية أنه لا سبيل للسودانيين سوى الحوار والتفاهم والتعايش.
ووصف الإتفاق الأخير بأنه مفاجأة للعالم من السودانيين، حيث ان الاتفاق تم في ظروف أزمة كبيرة مما يؤكد أيضا أن الشعب السوداني قادر على صناعة الفجر الجديد مهما كثرت المشاكل والمآسي.
وأعرب عن دهشته للجوء الى المحكمة الدولية لحل هذا النزاع، باعتبارها تفصل في المشاكل الحدودية بين الدول وليس بين ابناء الدولة الواحدة، ومن جانب آخر نظر المكي الى الأمر باعتباره تعبيرا عن حاجة الطرفين الى التوصل الى حل لإنهاء الازمة بأي شكل من الاشكال.
وأكد أن توصل السودانيين الى اتفاق في خلال 6 أشهر يمثل تحديا كبيرا جدا امام السودانيين كافة وتحدي امام اتفاقية السلام ايضا، وفي حال عدم التوصل الى اتفاق سيكون الحل هو رفع الموضوع الى المحكمة الدولية.
وحمل الشعب السوداني مسؤولية التوصل الى اتفاق وبناء نظام يتراضى عليه الجميع، وأكد أن الحكومة بصدد اقرار نظام جديد وعمل محاولات جادة لبناء وطن جديد.
وذكر حسن علي نمر أحد أعيان منطقة أبيي أن جده كان أحد الحاضرين والشاهدين على اتفاقية 1905، وقال ان وجود ممثلين لطرفي النزاع في هذه الندوة يؤكد على حرص الطرفين على عدم خرق اتفاقية السلام.
وأكد حرص أهل المنطقة بأن لا تكون أبيي هي القشة التي تقصم ظهر البعير ولا تكون السبب لنقض الاتفاقية.
وكأحد أعيان المسيرية أكد نمر تاريخ التعايش الطويل بين القبيلتين على مر التاريخ، ووصفه بالمثل الذي يحتذى به.
وقال إن مشكلة أبيي عقدها السياسيون ولو تركوا أبناء القبيلتين ليديروا العلاقات فيما بينهم لما ظهر أي نوع من التفاقم في المشكلة ولتعايشوا بدون أزمات كما فعلوا طيلة 600 عام، وأضاف: في تقديري ومن خلال تعايشي لهذه المشكلة أرى أن السبب الوحيد في استمرار هذه المشكلة هم السياسيون، والحركة الشعبية على وجه الخصوص.
وقال إن أبناء المسيرية كانوا في جبهة قتال وفي الأخرى قوات الحركة الشعبية النظامية ترتدي زي الجيش السوداني ومجهزة بتجهيزات قتالية عالية.
وأكد على العلاقات المتينة التاريخية بين القبيلتين بذكر السيد بابو نمر ناظر عموم المسيرية الذي كان قد تزوج من قبائل الدينكا منذ عام 1942، ونفى نفيا قاطعا من أن تكون هناك اي محاولات من المسيرية على مر التاريخ لاستغلال واسترقاق الدينكا.
وأكد في ختام حديثه على ان مقدرة أبناء القبيلتين على تجاوز هذه الأزمة، وقدرتهم ايضا على التعايش والتفاهم، في حال خروج الحكومة كطرف ثالث يزيد اشتعال القضية، وأكد انه لا ضرورة حيايتة لوضع حدود بين أبناء البيت الواحد وأن القبيلتين تتحركان شمالا وجنوبا وفق مقتضيات الرعي والزراعة ووفق اختلاف المواسم دون قيود.
وعلق سليمان عبد الرسول مؤكدا تأييد اهالى المنطقة للاتفاق وان كانت لدى أبناء المسيرية مخاوف من التحكيم الذي يشكل سابقة خطيرة في المنطقة ويفتح الباب امام أي ولاية اخرى لطلب محكمة دولية كلما واجهتها مشكلة.
وأكد أن قبيلة المسيرية بريئة من الاتهام بمهاجمة قبائل الدينكا ووجود أبنائها في الجيش واجب وطني وانه عاشت كشعب واحد وأبناء منطقة واحدة يغلفها التواصل الثقافي والاجتماعي، قائلا ان تسييس القضية هو السبب الأساسي للأزمة في أبيي.
وعلق دود ملوال مؤيدا ما قاله سليمان عبد الرسول من أن الازمة سياسية وأن هناك تواصلا بين القبائل، وأن السؤال الذي يجب أن نسأله هو من الذي أمر بحرق أبيي ؟
متهما الجيش السوداني بالوقوف وراء الجريمة، وقال ان التحكيم الدولي عادة مايكون بين دولتين وهذا يعطي انطباعا بحتمية وجود حدود بين الجنوب والشمال وبحتمية حدوث الانفصال مما يؤكد أن التعايش بين القبيلتين هو النموذج الذي يجب أن يسود ليس فقط بين الدينكا والمسيرية بل بين أي اقليمين في السودان.
وقال إن رؤية السودان الجديد تنطلق من السلام والديمقراطية في حكم السودان وتوزيع ثروات السودان لمنفعة كل السودانيين وليس فقط لمن هم في الحكم وتحقيق تنمية متساوية في الشمال والجنوب والشرق والغرب، وأن هذه هي رؤية الراحل جون قرنق للسودان الجديد.
المصدر: صحيفة الأحداث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.