حينما ينتكس العقل وتضطرب مسلماته تصبح التساؤلات التي يوردها والإشكاليات التي يثيرها منتكسة أيضا. وإذا أخذنا مثالا على ذلك بما أثاره المشركون من تساؤل مكرور حول الحكمة من بشرية الرسل عليهم الصلاة والسلام. قال الله تعالى: ( وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا)(الفرقان:7) والجواب على هذا السؤال المطروح واضح بيّن، يهتدي إليه مَن يعيد صيغة التساؤل ويضعها في إطار صحيح وقالب آخر، فلو أنهم –أعني المشركين- سألوا أنفسهم لماذا يريدون للرسول الذي يبلغهم كلمات الله ويربيهم بها، أن يكون من جنس غير جنسهم؟ وعلى شاكلة غير شاكلتهم؟ لأدركوا الحكمة الإلهية في اصطفاء البشر رسلا إلى الناس. والفكر الإسلامي المعاصر تواجهه تساؤلات، لم يعجز أن يجيب عنها، بل أفرط في الوقوف عندها وأطال الجواب عليها، وأحسب أن هذه التساؤلات إذا وضعت في إطارها الصحيح لما أخذت منّا كل الجهد، ولكان جوابنا عليها واضحا وحاسما، ولكننا رضينا بأن يطرح علينا السؤال بشكله الذي يحمل مضامينه العقلية التي أنتجته، ونجيب عليه بعد أن سلمنا بمشروعيته ووضعه الذي يرسخ لمفاهيم في غاية الخطورة. فكثيرا ما نسأل مثلا عن موقفنا من التراث وما الذي يجب علينا أن نأخذه منه؟ ونجيب على هذا السؤال ونحن في حال غفلة عن القضية الأساس التي نقاد إليها، وهي الحيادية تجاه تراث الأمة، وكأنه ماض لا يهمنا في قليل أو كثير، نتعامل معه كما نتعامل مع أي تراث أدبي أو فكري لأمة من الأمم الأخرى، وليس باعتباره مرجعا نستمد منه وننتفع به ونبني على أساسه. ومن التساؤلات التي شغلنا بها وما زلنا ندندن حولها: ما هو موقفنا نحن المسلمين من الآخر؟ هل هو موقف مواجهة وعداء ورفض وإقصاء أم موقف مسالمة وحوار وتعاون مشترك؟ والجواب على هذا السؤال لا يعز على أحد عرف الإسلام واتصل بتجربته التاريخية التي تفاعلت مع حضارات الدنيا، وحفظت حقوق الأقليات الدينية التي استظلت بظله، وتركت آثارا باقية تدل على عبقرية المسلم وكسبه الحضاري. والسؤال الأساس الذي كان ينبغي علينا أن نسأله لأنفسنا وللآخر الذي يحاصرنا بأجندته وإشكالاته هو: ما موقف هذا الآخر من الإسلام؟ لماذا تشن الغارات على المسلمين وتنتهك أعراضهم ومقدساتهم ويسفك دمهم بغير حساب، ويساء إليهم وإلى عقائدهم في كل محفل، ويصورهم الإعلام العالمي بأنهم قوم بربر متوحشون يقفون بطبيعتهم عقبة كأداء على طريق العيش المشترك والقيم الإنسانية الجامعة؟ وأنهم بسبب دينهم خطر داهم يتهدد الوجود البشري على هذا الكوكب؟ إن جواب الآخر على هذه التساؤلات المشروعة هو الذي يحل العقدة التي لم تفلح الأيام في حلها. إن الذي نحتاجه حتى يكون جوابنا على الإشكالات الفكرية والتساؤلات التي نواجه بها، صحيح أن ننطلق من مسلماتنا التي تحدد رؤيتنا للأمور، لا من مسلمات غيرنا التي نطالب دائما أن نبحث عن صيغة تمكننا من استيعابها والتعايش معها، فنحن مطالبون على سبيل المثال أن نتقبل قيم الحداثة الغربية التي تنادي في أدبياتها بتمكين المرأة ومساواتها بالرجل، وهذه الحالة المفروضة علينا وعلى العالم لا يجوز أن نحل إشكالها بإعادة إنتاج الأسئلة القديمة التي فرغنا من الجواب عليها، ما هو موقف الإسلام من المرأة؟ وكيف أنصف الإسلام المرأة؟ وما حكم تولي المرأة لمنصب الرئاسة؟ لأن هذه القضايا تطرح اليوم في غير أجوائها الطبيعية، وتخدم بوجه أو بآخر أهداف لا تمت إلى ديننا بصلة، وأذكر أنه لما قامت أمينة عبد الودود بإمامة رجال في الصلاة ثار بعض علماء المسلمين واحتجوا على بطلان إمامتها بالنصوص وكلام أهل العلم، بينما القضية لم تكن في أصلها قضية فقهية تحتاج إلى جواب من علماء الشريعة ولكنها قضية خروق للدين وخروج على تعاليمه باسم الحداثة ومقتضياتها، فهل ترانا ننتبه لمثل هذه الحيل؟! {rt}