في إطار حالة الاستقطاب التي تشهدها مصر حول مفهوم الدولة المدنية، حرصت على أن أتتبع هذا المصطلح في الأدبيات الفكرية العالمية، وقد وجدت أن مصطلح وتعبير "الدولة المدنية" Civil State غير موجود في منظومة العلوم السياسية، أو في أي من النظم الدستورية. وقد راجعت في ذلك مجموعة من أساتذة العلوم السياسية والدستورية والمشتغلين بهما فأفادوني بنفس ما توصلت إليه من نتيجة. وبالبحث في المراجع وقواعد المعلومات الآتية: دائرة المعارف البريطانية Encyclopedia Britannica معجم مفردات مكتبة ليكتريك للقانون Lectric Law Library's Lexicon الموقع الدولي للقانون الدستوري International Constitution Law قاموس ومكنز ميريام وبستر Merriam-Webster Dictionary and Thesaurus القاموس/ متصفح المرادفات Dictionary/Thesaurus Browser وكانت نتيجة البحث والمراجعة أني لم أجد في أي من قواعد المعلومات أو المراجع أو المواقع المذكورة أعلاه أي ذكر أو تعريف لما يسمى ب"الدولة المدنية" (Civil State). ولقد اختار المجتمع العلماني المصري ودعاة "الدولة العلمانية" مصطلح "الدولة المدنية" كوسيلة للتخفي خلفه؛ اعتقادا منهم بعدم قدرة المواطن المصري أو الناخب على الفهم الصحيح لدعواهم ب"العلمانية". وهناك كثير من كتابات العلمانيين تثبت هذه الفرضية، أي المراوغة والتخفي وراء لفظ "الدولة المدنية"، ومثال ذلك ما ذكرته ليلى سويف في مقالها بالشروق بتاريخ 21 مايو 2011 من أنه "لو اختار العلمانيون المصريون – أو دعاة الدولة المدنية كما يفضلون أن يسموا أنفسهم – أن يثقوا في الناخب المصري بدلاً من محاولة الالتفاف على إرادته لكان أمامنا فرصة..."، ثم ما أشار إليه جابر عصفور فيما كتبه بالأهرام في 23 مايو "ولا تثريب علينا إذا استخدمنا مصطلح (الدولة المدنية) حتى على سبيل ترجمة الاصطلاح الأجنبي Secular State الذي سبقنا الأتراك إلى ترجمته (الدولة العلمانية أي الدولة الدنيوية)". ومن ناحية أخرى، فإنه بالنسبة لكلمة أو مصطلح "Civil"، والذي يترجم بالعربية إلى "مدني"، وجدت أن الكلمة لها العديد من المعاني، منها: متمدن، مهذب، لطيف، مجامل، وبالنسبة للسياق السياسي وتنظيم الدولة الذي نتحدث عنه فإن التعريف الأساسي لها هو: "of ordinary citizen or ordinary community life as distinguished from the Military and the ecclesiastical" ويتضح من المعنى أن الدال "Civil" أو "مدني" هو ما يتعلق بشأن الشخص والمواطن العادي، أو حياة المجتمع المختلف في ذلك أو المتمايز عن السلكين الكهنوتي والعسكري. والمعجم الوارد به التعريف هو: The American Dictionary of the English Language – New College Edition; William Morris, editor. كما وجدت تعريفا في مرجع معتبر آخر، أن المدني هو: of or pertaining to civil or everyday life: distinguished from ecclesiastical, Naval, Military نفس المعنى تقريباً والمهم هو أن المدني يتمايز عن الكهنوتي والعسكري بفروعه. والعجم الوارد به هذا التعريف هو: Webster's Dictionary of the English Language derived from Funk & Wagnalls Comprehensive International Dictionary of the English Language المصطلح "مدني" كما هو شائع ومجمع عليه ومستقر في الشارع العربي، والمصري على وجه الخصوص، يستعمل في مقابلة "عسكري"، وعسكري فقط، أما محاولة ربطه بأي مفاهيم أو دلالات دينية فإنه يدخل الكثير من اللبس والغموض، إن استخدام المتغربين للمصطلح يحمل وراءه معنى ومفهوماً ثقافياً غربياً كاثوليكياً حول رجال الكهنوت أو السلك الكهنوتي ورجال الدين الكاثوليك، ويستحضر ثنائية "المدني" و"الديني" إلى جوار "العسكري" المعروف والمتفق عليه في استعمالاتنا ولغتنا في هذا السياق. وفي بلد يدين الغالبية العددية العظمى فيه (في حدود ال 90%) بالإسلام، وهو الدين الذي لا يعرف سلكاً كهنوتياً أو رجال الدين، فإنه من الظلم للفكر الإسلامي أن يُدخل ويقحم عليه هذا المصطلح الملتبس، وما يحمله في طياته من مفاهيم عقدية – غريبة على الإسلام، بل محرمة فيه – بالإضافة إلى استحضار مفهوم غريب إلى الفكر الإسلامي، وهو مفهوم "الدولة الدينية"، وهو ما لا يعترف به الإسلام ولم يعرفه أصلاً، لا فقهاً ولا تاريخاً ولا حضارة. وللأسف فإن البعض- أو بالأحرى قلة متغربة ذات صوت عالٍ يعطيها الإعلام أكبر كثيرا من حجمها - تبتدع بالاستدعاء من ثقافات وتجارب غربية ماضية؛ قضية زائفة وخطرا وهميًّا تحت اسم "الدولة الدينية"، ولمجابهة هذا الخطر الوهمي تستدعي حلا وهميا وزائفاً أيضا اسمه الدولة "المدنية"، ولا يخفى علينا ما في هذا من تضييع للوقت، وشغل الناس عن القضايا الحقيقية للثورة والمجتمع وبناء الدولة الجديدة.