راشد عبد الرحيم: النوير مرة أخري    والي البحر الأحمر يلتقى بالسفير القطرى    أخيرا.. مبابي في ريال مدريد رسميا    نائب البرهان يتوجه إلى روسيا    إيصال 20طنا من الأدوية المنقذة للحياة عبر الإسقاط الجوي للفاشر    القوة المشتركة تكشف تفاصيل معركة "حامي الوطيس"    القاعدة الروسية وتحركات التقارب السوداني مع موسكو.. لماذا الآن؟    وفد جنوب السودان بقيادة توت قلواك يزور مواني بشاير1و2للبترول    مبابي إلى مدريد.. تفاصيل العقد والمكالمة الحاسمة    صدمة.. فاوتشي اعترف "إجراءات كورونا اختراع"    الحكومة المصرية تقدم استقالتها.. والسيسى يكلف مدبولى بتشكيل الجديدة    محمد الطيب كبّور يكتب: العوارة والعمالة والندالة بي قروش !!    بعدما حاول حظره وهو رئيس.. ترامب ينضم إلى "تيك توك" وينشر أول فيديوهاته    لماذا يجب إعادة تشغيل الهاتف بشكل دوري؟    نجوم حي العرب بطلا لدورة تكريم الإدارة الأهلية بالضعين    اكوبام ينصب مهرجان من الأهداف في شباك الأهلي في دوري النخبة بحلفا    الملكي فاز بدعاء الوالدين ودريموند لم يكن يستحق الخسارة،،    شاهد بالصورة والفيديو.. طفلة سودانية تبكي بحرقة إذا سمعت كلمة "دعامة" وتفرح وتشعر بالطمأنينة عند سماعها هتاف الجيش (أمن يا جن) وتطالب أهلها بترديده دائماً    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط دهشة المتابعين.. الحسناء "جورجينا" صديقة اللاعب كريستيانو رونالدو تطلب التصوير مع شاب سوداني بالسعودية ومتابعون: (والله عبرت يا ولدنا)    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط دهشة المتابعين.. الحسناء "جورجينا" صديقة اللاعب كريستيانو رونالدو تطلب التصوير مع شاب سوداني بالسعودية ومتابعون: (والله عبرت يا ولدنا)    بنك السودان المركزي يعمم منشورا لضبط حركة الصادر والوارد    شاهد بالفيديو.. خلال حفل بالسعودية.. الفنانة إنصاف مدني : (البنت الما عندها قروش دي ما تعرس نهائي وبدون قروش دايرين بيها شنو والما عرست شم العود قرب)    عودة قطاع شبيه الموصلات في الولايات المتحدة    بيلينجهام لمورينيو: ماما معجبة جداً بك منذ سنوات وتريد أن تلتقط بعض الصور معك    ريال مدريد الإسباني بطل أوروبا    القبض على بلوغر مصرية بتهمة بث فيديوهات خادشة للحياء    القبض على بلوغر مصرية بتهمة بث فيديوهات خادشة للحياء    داخل غرفتها.. شاهد أول صورة ل بطلة إعلان دقوا الشماسي من شهر العسل    بدء الضخ التجريبي لمحطة مياه المنارة    بعد الإدانة التاريخية لترامب.. نجمة الأفلام الإباحية لم تنبس ببنت شفة    "إلى دبي".. تقرير يكشف "تهريب أطنان من الذهب الأفريقي" وردّ إماراتي    مسؤول سوداني يكشف معلومات بشأن القاعدة الروسية في البحر الأحمر    محمد صبحي: مهموم بالفن واستعد لعمل مسرحي جديد    دفعة مالية سعودية ضخمة لشركة ذكاء اصطناعي صينية.. ومصدر يكشف السبب    السعودية تتجه لجمع نحو 13 مليار دولار من بيع جديد لأسهم في أرامكو    خطاب مرتقب لبايدن بشأن الشرق الأوسط    سنار.. إبادة كريمات وحبوب زيادة الوزن وشباك صيد الأسماك وكميات من الصمغ العربي    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    دراسة "مرعبة".. طفل من كل 8 في العالم ضحية "مواد إباحية"    الأجهزة الأمنية تكثف جهودها لكشف ملابسات العثور على جثة سوداني في الطريق الصحراوي ب قنا    ماذا بعد سدادها 8 ملايين جنيه" .. شيرين عبد الوهاب    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    شركة الكهرباء تهدد مركز أمراض وغسيل الكلى في بورتسودان بقطع التيار الكهربائي بسبب تراكم الديون    من هو الأعمى؟!    اليوم العالمي للشاي.. فوائد صحية وتراث ثقافي    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نظرات نقدية في أُسُس الأيديولوجية اللبرالية الغربية 2

قلنا: إن الدعوة إلى الحرية هي الأمر الذي لا يكاد يُجمِع دعاة اللبرالية الغربيون على أمر سواه؛ وذلك لأنهم يكادون يختلفون بعد ذلك في كل شيء له علاقة بهذه الحرية. عندما يقول أحدٌ: إن الأصل في الإنسان أنه حر، فماذا يعني بذلك؟
الحريات التي يتحدث الناس عنها ثلاثة أنواع: حرية الاعتقاد، وحرية التعبير، وحرية العمل:
أما حرية الاعتقاد: فهي حاصلة لكل إنسان بحكم الفطرة فلا داعي للدعوة إليها؛ أعني أن كل إنسان يستطيع أن يعتقد ما شاء ولا أحد غير الله - تعالى - يمكن أن يطَّلع اطلاعاً مباشراً على معتقده أو يمكن أن يجبره على اعتقاد ما لا يريد اعتقاده. فعندما يتحدث بعضهم عن معاقبة المرتد ويرى أنها اعتداء على حرية الفرد يخطئ في التصور أو في التعبير؛ لأن العقوبة ليست على المعتقَد - إذ ما أكثر المنافقين الذين يظهرون ما لا يضمرون - وإنما هي على التعبير عن المعتقَد الدال على الردة. لكن حتى حرية الاعتقاد هذه محدودة بمدى علم الإنسان، ولمَّا كان علم الإنسان محدوداً كانت حرية اعتقاده بالضرورة محدودة لأن المرء لا يستطيع أن يعتقد ما لا علم له به.
وأما حرية التعبير وحرية العمل: فلا شك أنهما محدودتان، فالإنسان لا يستطيع أن يقول أو يفعل كل ما يريد. إن الله - تعالى - هو وحدَه الفعَّال لما يريد أما الإنسان فإنه يريد ما لا يكون ويكون ما لا يريد. وكل الناس متفقون على أن حرية الإنسان محدودة بعوامل كثيرة، منها: تركيبه الجسماني؛ فهو لا يستطيع - مثلاً - أن يجري أو يمشي إلا في حدود، وهو يمرض ويموت، وهو في ما بين ذلك مقيد بقوانين وضعها الله في الكون تحد من حريته وتقيدها. ونظرية العقد الاجتماعي نفسها تعترف بأن الإنسان إنما انتقل من الحياة الفردية إلى الجماعية لأنه وجد أن هنالك أشياء كثيرة يحتاج إليها في حياته لكنه لا يستطيع أن يحققها إلا بمعاونة غيره.
فالحديث عن الحرية هو إذن حديث عما يستطيع الإنسان اعتقاده أو قوله أو فعله؛ فهل نستطيع أن نقول: إن من مصلحة كلِّ فرد أن يعتقد أو يقول أو يفعل كل ما يريد؟ يقول بعض اللبراليين أن نعم! وحجتهم في ذلك أن الإنسان الفرد هو وحدَه الذي يعرف مصلحته، فلا ينبغي لغيره أن يفرض عليه اختياراً لا يريده. ولكن: أصحيح أن كل إنسان يعرف كل ما ينفعه أو يضره؟ إن حال الإنسان يكذِّب هذا الزعم؛ إذ لو كان الإنسان عارفاً بكل ما ينفعه ويضره لكان مفطوراً على هذه المعرفة، ولظلت معرفةً مصاحبةً له طول حياته. لكن الذي نراه في الواقع أن رأي الإنسان في كثير مما ينفعه أو يضره يظل يتغير بتغير ما يكتسب من علوم ويخوض من تجارب. ما أكثر ما يفعل الإنسان في يومه فعلاً ثم يندم عليه في غده؛ ولذلك قال الله - تعالى -: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].
وإذا لم يكن من مصلحة الفرد أن يقول أو يفعل كلَّ ما يستطيع قوله أو فعله، فهل من مصلحة المجتمع أن يتيح لأفراده مثل هذه الحرية؟ وإذا أراد أن يضع عليها قيوداً فبأي حق وعلى أي أساس يضعها؟
في عام 1895م كتب المفكر البريطاني جون استيورت مل (1806 - 1873م) كتيباً عن الحرية حاول أن يجيب فيه عن مثل هذه الأسئلة. تقول المراجع: إن الحجج التي ذكرها في هذا الكتيب لدعم الحرية ما تزال هي أكثر الحجج التي يلجأ إليها اللبراليون للدفاع عن حرية التعبير والمناقشة[1]. ولن نستطيع بالطبع أن نبسط الكلام في تقويمنا لآراء (مل) في مقال قصير كهذا؛ ولذلك سنكتفي بتعليقات جزئية نرجو أن تكون مفيدة.
يبني مل دفاعه عن حرية المناقشة على غاية صحيحة هي الدفاع عن الحقيقة. فيقول: إن الحقيقة إما أن تكون مع الأغلبية في المجتمع أو تكون مع الأقلية، أو يكون مع هؤلاء جزء منها ومع أولئل جزء آخر، ويرى أن فتح باب حرية المناقشة وعدم كبت المعارِض، فيه انتصار للحقيقة في كل هذه الحالات الثلاث. أما في الحالة الأولى: فإنه من مصلحة الأغلبية أن تتيح المجال لمخالفيها لكي تستمر في الدفاع عن الحقيقة التي آمنت بها؛ وإلا فستنسى الأسباب التي دعتها للتمسك بها، ولا خير في اعتقاد لا يعرف الإنسان أدلته.
وأما في الحالة الثانية التي يكون فيها الحق مع الأقلية: فإنه من مصلحة الأغلبية نفسها أن تتيح لها حرية التعبير عن رأيها والدفاع عنه لأن هذا من مصلحة الأغلبية نفسها؛ إذ إنه هو الطريق الوحيد الذي يمكِّنها من معرفة الحقيقة.
وأما في الحالة الثالثة: فالحجة واضحة لأن كلَّ طرف سيستفيد من الآخر فيعرف الحقَّ الذي غاب عنه. لكنَّ (مل) يبني دفاعه عن حرية التعبير أو المناقشة على دعوى أخرى لم يوافقه عليها كثير من المفكرين الغربيين؛ وإن كانت ما تزال مؤثرة في الفكر الغربي. هذه الدعوى هي: أن الإنسان لا يمكن أن يكون على يقين من صحة أي اعتقاد يعتقده. لكن معارضيه من أمثال صاحب المقال المذكور آنفاً يذكرون أمثلة مثل الحقائق الرياضية والحقائق الحسية المشاهدة في الرد عليه.
يعترف (مل) بأن الحرية لا يمكن أن تكون مُطْلقة، وأنه ما من جماعة بشرية وإلا ووضعت قيوداً على حرية التعبير. أما هو فيرى أن القيد الوحيد الذي يجب وضعه على الحرية هو قيد الضرر؛ أي أن كل تعبير يؤدي إلى ضرر فيجب منعه. ومفهوم التعبير يشمل عند الغربيين كل أنواع الفنون: من رسم ونحت وشعر وأغانٍ وموسيقى وغير ذلك. لكنَّ ناقدي (مل) وجَّهوا إلى رأيه - ونوجِّه معهم - سؤالين: هل يكفي الضرر وحدَه قيداً؟ وما الضرر الذي يُعَد قيداً؟ نقول: إن الأضرار أنواع منها أضرار حسية يجمع الناس كلُّهم على كونها ضرراً، لكن حتى هذه قد لا يعرف الواحد من الناس ضررها بل قد لا يعرف حتى المجتمع هذا الضرر إلا بعد أن يتبين، وهو قد لا يتبين إلا بعد حين. وأما الأضرار الأخرى فإنها تعتمد على المعيار الذي يقيس به الناس النفع والضرر، والمعايير تابعة للمعتقدات أو ما يسمى الآن بالأيديولوجيات. ففي الإسلام - مثلاً - أنواع من التعابير تمنع لكونها تدعو إلى الباطل أو الفجور أو لكونها تلهي الناس عن ذكر الله فتكون ضارة بهم في أخراهم {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [لقمان: 6].
ذكر كاتب المقال الذي أشرنا إليه من قبل أن الحكومة البريطانية كونت في عام 1977م لجنة لتنظر في نشر صور الجنس والعنف في وسائل الإعلام المختلفة، وأن هذه اللجنة انتهت إلى أنها لم تجد دليلاً على وجود أي ضرر في التعبير عن الفحش (الذي يسمونه بورنوجرفي)، كما أنها لم تجد دليلاً على عدم الضرر. لكنها اعتمدت معياراً آخر لم يذكره (مل) هو استفزار مشاعر الناس فوجدت دليلاً على أن هذا النوع من التعبير هو - فعلاً - مثير لاشمئزار كثير من الناس ومع أنها لم توص بمنعه إلا أنها أوصت بتقييده؛ بحيث إن الكتب والمجلات التي فيها مثل هذا الفحش لا تعرَض في أماكن عامة كسائر الكتب والمجلات؛ وإنما تُعرَض في أماكن خاصة. مما لا شك فيه أن قراراً كهذا مبنيٌّ على معتقدات أصحاب اللجنة وقيمهم الخلقية؛ فمن التقليد الأعمى والبليد أن يظن إنسان أنه ما دام لبرالياً فيجب أن يرى ما رأوا حتى لو كانت قيمه الخُلُقية ومعتقداته مختلفة عن قيم أصحاب تلك اللجنة ومعتقداتها. قارن ذاك الذي انتهت إليه اللجنة البريطانية بقول الله - تعالى -: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} [النساء: 148].
إن قبول أيَّ قيد على حرية التعبير يدل على أن التعبير ليس غاية في نفسه وإنما هو وسيلة؛ إذا أدى إلى خير وحق فهو خير، وإذا إلى أدى إلى ضرر وشر وباطل فهو شر. والقيد على حرية التعبير كما يعترف (مل) نفسه ليس دائماً قيداً قانونياً؛ بحيث إن مخالف التعبير الفلاني يعاقب؛ وإنما يمكن أن يكون قيداً اجتماعياً والقيود الاجتماعية تخطئ وتصيب. ولذلك نجد في الإسلام دعوة قوية للناس إلى استعمال التعبير لنصرة الحق وإزهاق الباطل بالقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولأن التعبير إنما هو وسيلة جاء الأمر للناس بأن يقول أحدهم خيراً أو ليصمت.
نخلص من كل ما ذكرنا إلى أنه ليس هنالك شيء اسمه الحرية المطلقة - سواء في التعبير أو في غيره - وأن التعبير يجب أن تكون عليه قيود تبيح ما كان منه في صالح الناس وتمنع ما كان منه في ضررهم، وأن هذه القيود لا يلزم أن تكون كلها قيوداً يعاقب القانون على مخالفتها؛ وإنما هي في أكثرها قيود اجتماعية يقوم بها بعض الناس نيابة عن الآخرين، وكلما كثر عدد هؤلاء وكانوا على الحق والخير كان ذلك في مصلحة المجتمع. ونخلص مما ذكرنا إلى الحقيقة الكبرى التي تقول: إنه لا بد للناس من هدى إلهي يهديهم إلى ما ينفعهم ويحذرهم مما يضرهم.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.