يحاول هذا البحث عرض إشكالية التعامل مع الفكر الغربي محاولاً الإجابة عن هذا التساؤل: هل نتعامل أم لا نتعامل مع هذا الفكر؟ فقضية التعامل مع الفكر الغربي تمثل ركيزة من الركائز الأربع التي تقوم عليها فكرة الأسلمة. فالركيزة الأولى هي كيف نتعامل مع القرآن الكريم؟ والثانية كيف نتعامل مع السنة الشريفة؟ والثالثة كيف نتعامل مع التراث الإسلامي؟ وقد اختلف الدارسون بشأن التعامل مع الفكر الغربي فمنهم من رفض التعامل معه، ومنهم من يرى ضرورة ذلك التعامل؛ ولكل فريق أسباب وحجج عرض لها البحث . وخلص البحث إلى أنه ينبغي التعامل مع الفكر الغربي، وذلك بعد أن حاول إزالة شكوك الرافضين والحجج التي يسوقونها. حجج الرافضين للتعامل مع الفكر الغربي ولقد ساق الرافضون للتعامل مع الفكر الغربي عدداً من الحجج يمكن إيجازها في النقاط الآتية: 1- إن الفكر الغربي مصدره الإنسان الكافر؛ فما مصدره شر فهو شر وخطأ وضلال؛ ولا يصح أن يقال يمكن اختيار الجزئيات الصالحة في النظام الغربي؛ لأن الجزئيات مرتبطة بالكل ولا يمكن فصلها عن النظام المادي الإلحادي. 2- بعض الذين قاموا بدراسة الفكر الغربي لا يرون أن هناك فائدة ترتجى من هذه الدراسة، فالفكر الغربي وليد بيئة معينة لها مشكلاتها الخاصة بها والتي تختلف عن مشكلاتنا وقضايانا ولها مناهجها التي لا تصلح لدراسة مصادرنا وحل مشكلاتنا. 3- يقدم لنا الفكر الغربي على أنه حقائق علمية، ولكن عند تدقيق النظر نجده يحوي فلسفات وقيماً غير مصحوبة بأي تبرير مقبول، فهو فكر متحيز لموروثه. 4- لا فائدة عملية ترجى من دراسة الفكر الغربي، وإلا لتجلى ذلك في المجتمعات الغربية التي تعيش تفككاً أسرياً ومشكلات اجتماعية لا حصر لها! 5- يجب تفريغ الذهن من المعارف الغربي (أو أي معرفة غير إسلامية) حتى يتلقى الدارس حقائق الوحي نقية دون تشويش 6- إن بذل الجهد في هذه المناهج المتعددة والمعقدة والتي في تغير مستمر لا يترك للباحث وقتاً لدراسة القرآن والسنة والتراث (انظر إلى قائمة المناهج الأساسية التي قاربت الثلاثين). 7- من النتائج السيئة لدراسة الفكر الغربي افتتان دارسيه ببريق أفكاره الزائفة وزهدهم في تراثهم وثقافتهم، وكذلك شيوع المصطلحات العلمية الغربية في دراسات المسلمين على حساب المصطلحات الإسلامية. 8- ينبغي صرف الجهد في دراسة القرآن والسنة والتأمل والنظر فيهما والنظر في الوجود، أي التعامل مع مصادر المعرفة الأساسية (الوحي والوجود). وهذا يحمينا من التأثر بأفكار لا نأمن نتائج التعامل معها. 9- إن المتخصصين في العلوم الغربية يعانون ضحالة كبيرة في درايتهم بالعلوم الشرعية كما أنهم -في أغلبهم- مثال للانحراف، لأنهم انخرطوا في هذا العلوم فأصابتهم بأمراضها، وهم الآن ينقلون العدوى للشباب المغلوب على أمره. 10- المتخصصون في الفكر الغربي لا حصيلة ولا بضاعة لهم إلاّ الفكر الغربي؛ فإذا انعدمت قيمة سلعتهم، انعدمت قيمتهم هم أنفسهم. 11- يهتم الباحثون بالفلسفة الغربية لا لأنها تحوي الحقيقة، ولكن لأنها زينة العصر وسبب الحظوة، ولأنها تُعدُّ دليل الثقافة والعلم والمعرفة ودليل المعاصرة والمواكبة، وبها يكون الافتخار، وبها يكتسب الباحث جاذبية خاصة. 12- هؤلاء الدارسون لهم مصالح مادية، وأخرى تتصل بالنشر، أو الحصول على الألقاب والدرجات العلمية فهم يمالئون من بيدهم هذه الحظوظ. إن في هذه الحج حقاًّ يصعب إنكاره، ولكنها بالطبع لا تنطبق على كل دارسي العلوم والفلسفات الغربية. كما أن المصلحة والغرض قد يتصف بهما دارس العلوم الشرعية كذلك، وقد يهمل دارس العلوم الشرعية العلوم الغربية ويهمشها لعدم علمه بها. وإذا ما جعلت محوراً من محاور النقاش وهو ليس عالماً بها فإن ذلك يؤثر في مكانته العلمية. من حجج المؤيدين للتعامل مع الفكر الغربي يسوق القائلون بضرورة التعامل مع الفكر الغربي حججاً خلاصتها: 1- ينبغي أن ندرس الفكر الغربي حتى يمكن حماية الأقليات المسلمة في المجتمعات الغربية خاصة وحماية الأمة المسلمة عامة ممّا هو منحرف وضار في هذا الفكر. 2- لا يمكن الحكم على فكر بالصحة أو البطلان أو النفع أو الضرر دون فهمه. 3- واجب المسلم دعوة كل الناس وكل المجتمعات لدين الإسلام، وأن تكون هذا الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والحكمة تقتضي معرفة ثقافات تلك المجتمعات وأفكارها وأيديولوجياتها ونظم حياتها. 4- تقتضي العلاقة القائمة بين المسلمين والمجتمعات الغربية، سواء كانت علاقة تعاون أو تعايش أو مصلحة أو حرب أو إصلاح أو دعوة، معرفة نظم تلك المجتمعات الثقافية والفكرية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والاجتماعية. 5- إن الفلسفة والفكر الغربي يدرسان في جميع البلدان الإسلامية، إما مباشرة وإما بصورة غير مباشرة كأن يكون ذلك تحت عنوان "نقد الفلسفة" في الجامعات الإسلامية المحافظة. ومن ناحية أخرى فإن الجامعات في العالم الإسلامي تدرس العلوم الطبيعية والإنسانية والآداب والفنون الغربية، وهذه العلوم والفنون تقوم على أسس فلسفية وتحوي فلسفات لا يصرح بها عادة. 6- إننا نحتاج في بناء نهضتنا الحديثة لمعرفة تراثنا. والفلسفة الغربية -أعني الإغريقية- في تشكيل ذلك التراث، سواء كان ذلك من منطلق رفض الفلسفة أو قبولها. ففلاسفتنا، كالفارابي، وابن سينا وابن رشد تبنوا الفلسفة الإغريقية ودافعوا عنها، وعدُّوها قمة المعرفة، وحاولوا تطويرها ونشرها. وهناك من علمائنا من رفض الإلهيات (الميتافيزيقا) الإغريقية مثل الغزالي، ولكنه قبل منطق أرسطو وعدَّه ضرورياً ومهماً في مناهج المعرفة، وقبل جل ما توصل إليه أفلاطون (نظرية الجهاز النفسي ومحددات الفعل الإنساني) وأرسطو (نظرية الفضائل الخلقية) في الأخلاق[1]. ولقد تأثر علم أصول الفقه تأثراً واضحاً بالمنطق الأرسطي من حيث لغته ومصطلحاته ومناهجه. وهناك من العلماء من رفض المنطق، كابن تيمية الذي كتب في نقضه، وعده عير مفيد، وكان رفضه الأساس رفضاً لنظرية التعريف بالحد التي تعتمد على مبدأ الخصائص الذاتية للأشياء (essentialism). ومع قبول ابن تيمية جل نظرية القياس، إلاّ أنه ذهب إلى أنه ليس ضرورياً أنْ يكون من مقدمتين. وكذلك فقد قبل نظرية البرهان ونظرية اليقينيات، غير أنه خالف الفلاسفة وعّدَّ المشهورات -أي القضايا الأخلاقية الأساسية مثل القول بأن الظلم قبيح والعدل حسن- من اليقينيات[2]. ويمكن القول إن الفلسفة المعاصرة أثرت بدرجات متفاوتة في كتابات مفكري المسلمين المعاصرين. 7- إن للفلسفة صلة وثيقة بمشروع أسلمة المعرفة، وذلك لأن العلوم الغربية التي تدرس في جامعاتنا اليوم ذات أصول فلسفية معينة، فهي تقوم على نظرية في المعرفة ونظرية في الوجود (الأنتولوجيا) أو الميتافيزيقا ونظرية في القيم (أكسيولوجيا). وهذا في اعتقادي سبب كاف يجعل دراسة الفلسفة ضرورية. إن الذي يود أن يسهم إسهاماً حقيقياً في مشروع الأسلمة دون علم بالفلسفة وقضاياها ومناهجها كأنما يضرب في عماية. وقد تبيّنت ذلك جلياً في الكتابات التي اطلعت عليها عن الأسلمة وفي الندوات التي شاركت فهيا، فكثيراً ما يحدث غموض وخلطٌ 8- هناك إجماع بين المشتغلين بالأسلمة على أن مصادر المعرفة هي: الوحي، والكون، والتراث الإسلامي الذي يتفق مع الوحي والعقل ولا يعارضهما، والتراث الإنساني الذي يتفق معهما ولا يعارضهما. إننا لنعلم أن الغزالي مثلاً قد أبدع في ابتكاره لأفكار جديدة عن السببية كانت أكثر عمقاً من تلك التي قال بها الفيلسوف الإنجليزي دايفيد هيوم والتي لا تزال مثار جدل ونقاش حتى اليوم. وقد جاء الغزالي بأفكار عن تأسيس المعرفة اليقينية سبق بها ديكارت. ونعلم كذلك أن علماء الأصول قد ابتكروا منطقاً استقرائياً متطوراً ومعايير لاستنباط المعاني والدلالات من النصوص عميقة ودقيقة وشاملة، وذلك بفضل المجهود العقلي الجبار الذي بذلوه في هذا المجال المهم من مجالات الثقافة الإسلامية. ولولا توقف روح الابتكار والاجتهاد عند المسلمين لتوصلوا بالبحث العلمي والتحليل المنطقي إلى قواعد ونتائج علمية، لم يكن الفكر الغربي ليتوصل إليها إلا في العصر الحديث من بعدهم بقرون عديدة. فلماذا لا ندرس ما توصل إليه الفكر الغربي مثلاً في مجال المنطق الاستقرائي (النظرية الاحتمالية، والإحصاء، ومنطق القرارات والخيارات) ونستخدم ذلك المنطق في علم أصول الفقه والعلوم الإنسانية؟ بل لماذا لا نستفيد في مجال القيم من تحليلات بعض المفاهيم كمفهوم المنفعة الذي يقابله في الفكر الإسلامي مفهوم المصلحة، مع ما نسلم به من وجود فروق بين مفهومي المنفعة والمصلحة تحددها الأطر الفلسفية لكل منهما. ومن ناحية أخرى يمكن الاستفادة من المفاهيم والتحليلات والمناهج الموجودة في تراثنا التي لم تستثمر بعد، حتى نستطيع أن نسهم بها في مجال الفكر الإنساني المعاصر. وينبغي أن نستفيد من المناهج الغربية بشرط أن تكون هذه الاستفادة متسقة مع مبادئ الإسلام. وأما في الإجابة عن اعتراضات القائلين بعدم التعامل مع الفكر الغربي والاشتباك معها (engagement) وبيان كيفية التعامل المناسبة، فيكفي هنا أن نورد أقوال ابن حزم والغزالي وابن الهيثم. يقول الإمام الغزالي: "فابتدأت بطلب كتبهم وجمع مقالاتهم، وكان قد بلغني بعض كلماتهم المستحدثة التي ولدتها خواطر أهل العصر، لا على المنهاج المعهود من سلفهم، فجمعت تلك الكلمات ورتبتها ترتيباً محكماً مقارناً للتحقيق، واستوفيت الجواب عنها حتى أنكر بعض أهل الحق مني مبالغتي في تقرير حجتهم فقال: "هذا سعي لهم"، فإنهم كانوا يعجزون عن نصرة مذهبهم بمثل هذه الشبهات لولا تحقيقك لها وترتيبك إياها. وهذا الإنكار من وجه حق، فقد أنكر أحمد بن حنبل على الحارث المحاسبي -رحمهما الله- تصنيفه في الرد على المعتزلة. فقال الحارث "الرد على البدعة فرض"، فقال أحمد: نعم، ولكن حكيت شبهتهم أولاً ثم أجبت عنها، فبم تأمن أن يطالع الشبهة من يعلق ذلك بفهمه ولا يلتفت إلى الجواب ويفهم كنهه؟ وما ذكره أحمد حق، ولكن في شبهة لم تنتشر ولم تشتهر. فأما إذا انتشرت فالجواب عنها واجب، ولا يمكن الجواب عنها إلاّ بعد الحكاية. نعم، ينبغي أن لا يُتكلَّف لهم شبهةٌ لم يتكلفوها، ولم أتكلف أنا ذلك، بل كنت قد سمعت تلك الشبهة من واحد من أصحابي المختلفين إليّ، بعد أن كان قد التحق بهم وانتحل مذهبهم، وحكى أنهم يضحكون على تصانيف المصنفين في الرد عليهم أنهم لم يفهموا حجتهم بعد. ثم ذكر تلك الحجة وحكاها، فلم أرض أن يُظَنُّ فيَّ الغفلةُ عن أصل حجتهم فلذلك أوردتها، ولا أن يظن بي أني -وإن سمعتها- لم أفهمها، فلذلك قررتها. والمقصود أني قررت شبهتهم إلى أقصى الإمكان، وأظهرت فسادها بغاية البرهان"[3]. وعلى المنهج نفسه يسير ابن حزم فيؤكد أنه لا يمكن التعامل مع فكر الآخر بطريقة صحيحة وعادلة دون فهمه واستيعابه[4]. وثمة ملاحظات أخرى على حجج القائلين بعدم التعامل مع الفكر الغربي فهم يقولون: إن تفريغ الذهن والتخلي عن جميع أفكار النظم والنماذج الغربية والاعتماد فقط على القرآن والسنة أقل خطورة وأجدر بالثقة. ولكن هل من سبيل لتفريغ الذهن من تلك الأفكار؟ وهل من المصلحة فعل ذلك؟ إن الاسم والأكثر واقعية ليس إفراغ الذهن منها أو عدم تعلمها بتاتاً، إذ الإنسان مهما أفلح في عزل نفسه عن البيئة المحيطة، فإنه لا يمكن أن يعزل نفسه عن الشيطان ووساوسه، وفي الحديث أن" الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم". ومن ناحية أخرى، هل يمكن للمسلم أن يعزل نفسه عن التراث الذي تأثر بمؤثرات خارجية كثيرة؟ فالأوفق أن يقوم المسلم بدراسته، ولكن بعين فاحصة ناقدة[5]. فينبغي أن ننظر في كل خطاب (عدا خطاب الوحي القرآن والسنة) بعين فاحصة ناقدة، فنتهمه ونشك فيه، ونحاول في الوقت نفسه فهمه وإدراك معانيه ومراميه، مستعدين لقبول ما هو حق فيها. وربما تكون هناك أجزاء تصلح للنظامين، ولكن هذا الأجزاء قد تكون أكثر مغزىً في نظام دون آخر. وينبغي كذلك ألاَّ ينخدع الباحث بالتشابه بين النظامين، فقد يكون هذا التشابه ظاهريّاً فقط. ويمكن الاستفادة في عملية النقد والتقويم هذه استفادة كبرى مما كتبه علماء الغرب في نقد بعضهم بعضاً، فإن من مميزات الفكر الغربي أنه يمارس النقد الذاتي المستمر، ولكن هذا النقد على الرغم من فائدته قاصر لأنه لم يصل إلى إثبات أن الخلل الرئيس هو إهماله للوحي بوصفه مصدراً للمعرفة. وينبغي الحذر من صرف الجهد والوقت كله في تعلم الفكر الغربي وفهمه وتقويمه من الداخل، كما ينبغي أن لا يجذبنا بريق النظريات الجديدة فهي في تحول دائم وتغير مستمر. الهوامش [1] أبو حامد الغزالي: إحياء علوم الدين، القاهرة: مكتبة عبد الوكيل الدروبي، (بدون تاريخ)، ج3، ص52-78. [2] عبد الله حسن زروق: "نقد ابن تيمية للمنطق وانعكاساته على مناهج البحث عند المسلمين في الفكر المعاصر"، الباحث، العدد الرابع، (بيروت، 1992م)، ص65-98. وقصورٌ وخطأ سببه الأساسي عدم إدراك المفاهيم الفلسفية. [3] أبو حامد الغزالي: المنقذ من الضلال، حققه وقدم له جميل صليبا وكامل عياد، بيروت: دار الأندلس، ص118-119. [4] يقول ابن حزم - في معرض الدفاع عن المنطق - إن هناك قوماً حكموا على تلك الكتب (أي كتب المنطق) بأنها محتوية على الكفر ومناصرة الإلحاد دون أن يقفوا على معانيها وأن يطالعوها بالقراءة، هذا وهم يتلون قوله عز وجل وهم المقصودون به: (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا) (الإسراء: 26)، ابن حزم: التقريب لحد المنطق والمدخل إليه، تحقيق إحسان عباس، منشورات مكتبة دارالحياة، ص9). وقال السيرافي أحد نقاد المنطق في مناظرته الشهيرة مع متى بن يونس: "حدثني عن المنطق ما تعني به إن فهمنا مرادك فيه كان كلامنا معك في صوابه ورد خطئه على سنن مرضي وعلى طريقة معروفة"، السيوطي: صونا لمنطق والكلام، بيروت: دار الكتب العلمية، ص119، وانظر كذلك: عبد الله حسن زروق: "نقد ابن تيمية للمنطق"، مرجع سابق، ص69. [5] يقول ابن الهيثم: "فطالب الحق ليس هو النظار في كتب المتقدمين المسترسل مع طبعه في حسن الظن بهم، بل طالب الحق هو المتهم لظنه فيهم، المتوقف فيما يعلمه عنهم، المتبع الحجة والبرهان لا أقول القائل - الذي هو إنسان - المخصوص في جبلته بضروب الخلل والنقصان. والواجب على الناظر إذا كان غرضه معرفة الحقائق أن يجعل نفسه خصماً لكل ما ينظر فيه، ويجيل فكره في متنه وجميع حواشيه، ويخصمه من جميع جهاته ونواحيه، ويتهم نفسه أيضاً عند خصامه فلا يتحامل عليه ولا يتسامح فيه. فإنه إن سلك هذه الطريقة، انكشفت له الحقائق وظهر ما عساه وقع في كلام من تقدمه من التقصير والشبهة". (الحسن بن الهيثم: الشكوك على بطليموس، تحقيق عبد الحميد صبره ونبيل الشهابي، الاقهرة: دار الكتاب، 1971م، ص2-4). وانظر أيضاً عبد الله حسن زروق: الإسلام والعلم التجريبي، الخرطوم: المركز العالمي لأبحاث الإيمان، ط1، 1992، ص27). وقال ابن الهيثم أيضاً: "حسن الظن بالعلماء في طبائع جميع الناس. فالناظر في كتب العلماء إذا استرسل مع طبعه وجعل غرضه فهم ما ذكروه وغاية ما أوردوه، حصلت الحقائق عنده هي المعاني التي قصدوا لها والغايات التي أشاروا إليها، وما عصم الله العلماء من الزلل ولا حمى علمهم من التقصير والخلل ولو كان ذلك كذلك لما اختلف العلماء في شئ من العلوم ولا تفرقت آراؤهم في شئ من حقائق الوجود". (الحسن بن الهيثم: الشكوك على بطليموس، مرجع سابق، ص4).