الكتاب كما يقول مؤلفه في مقدمته به عدد من "الأفكار الصادمة" لأول وهلة ، وأنه يكشف النقاب عن عدد من التقاليد الاجتماعية التي سادت في بلادنا قرونًا فيما يخص المرأة، وأضفى البعض عليها قدسية لا تقل عن قدسية النصوص الشرعية. هذا الفهم الذي ينطلق من أرضية إسلامية وخلفية فقهية تجديدية ، واجتهاد في فهم النصوص الشرعية وتخليصها مما لصق بها من آراء الفقهاء يعاني من المتشددين تجاه المرأة والذين يظلمونها ظلمًا شديدًا باسم الفقه الإسلامي ، وأيضًا من المتحللين الذين يريدون فصم صلة المرأة المسلمة بدينها فهو يحارب على جبهتين ويحتاج إلى مناقشة هادئة من أجل الوصول إلى تصور عملي يضمن للمرأة المسلمة الحفاظ على هويتها وعقيدتها كما يتيح لها الحياة السعيدة والمشاركة في المجتمع. اسم الكتبا: المرأة المسلمة وقضايا العصر المؤلف: الدكتور / محمد هيثم الخياط الناشر / سفير الدولية للنشر الطبعة الأولى 2007م 1428ه تعريف بالكاتب : أ.د. محمد هيثم الخياط . كبير مستشاري المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية ، أستاذ الطب السابق بكلية الطب بجامعة دمشق وجامعة بروكسل وعضو مجمع اللغة العربية بدمشقوالقاهرة والأردن ، وعدد من المجامع العلمية ، درس العلوم الشرعية على يد مشايخ دمشق وعضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ومجلس أمناء المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية. مقدمة عندما تفضل الأخ العزيز والصديق الكبير الدكتور محمد هيثم الخياط وطلب مني قراءة مخطوطة لمسودة الكتاب الذي قرأته مؤخرًا عندما صدر مطبوعًا كان ذلك منه تواضعًا وتلمسًا للمشورة ممن يظن بهم خيرًا ، هكذا كان الأمر ، وقد فوجئت بأنه في مقدمة كتابه يذكر ذلك بأدبه الجم رغم علمه الغزير وفضله الواسع وأنه طلب الملاحظات من عدد كبير من الأخوة والأخوات ، وأن ملاحظات هؤلاء دفعته إلى توسيع الكتاب ونشره ، لقد كان أصل الكتاب محاضرتين ألقاهما الدكتور ، الأولى في بروكسل بمقر الاتحاد الأوربي عام 2003 بعنوان " المرأة في الإسلام ودورها في التنمية البشرية" في ندوة الحوار بين الحضارات : تحسين أوضاع المرأة بالإنكليزية. والثانية : بالعربية في القاهرة بالندوة التشاورية حول "الجنس والصحة في الإطار الاجتماعي والثقافي لإقليم شرق المتوسط" بعنوان "الإسلام والجندر". وعندما قرأت الكتاب مطبوعًا شعرت بأن الأخ العزيز كان يريد أن يستأنس بآراء متعددة وأن يستفيد بملاحظاتهم لأن الكتاب كما يقول هو في مقدمته به عدد من "الأفكار الصادمة" لأول وهلة وأنه يكشف النقاب عن عدد التقاليد الاجتماعية التي سادت في بلادنا قرونًا فيما يخص المرأة وأضفى البعض عليها قدسية لا تقل عن قدسية النصوص الشرعية ، ومازال الكاتب يطلب من يخالفه في آراءه الصادمة أن يردّ عليه بحجج من الأصلين الكتاب والسنة الصحيحة وسيكون كما قال "شاكرًا أو أواّبًا إن شاء الله إلى الصواب ، إذا جاءني أحد بحجة من أحد الأصلين تدحض حجتي ، فكل ابن آدم خّطاء ، وما التوفيق إلا بالله ، وما الصواب إلا من عنده ، وما الخطأ إلا مني ومن الشيطان ، واستغفر الله وأتوب إليه" المقدمة.. يسبح الكاتب ضد التيار السائد في الثقافة الإسلامية ويذكرني بأساتذتي الذين عرفت فيهم الدفاع عن حقوق المرأة المسلمة مثل أستاذنا المرحوم الشيخ محمد الغزالي وأخينا المرحوم محمد عبد الحليم أبو شقة صاحب موسوعة "تحرير المرأة في عصر الرسالة" والتي قضى عمره تقريبًا في جمعها لإنصاف المرأة المسلمة ، وقد أعاد الكاتب إلى الكثير من آرائهما. هذا الفهم الذي ينطلق من أرضية إسلامية وخلفية فقهية تجديدية ، واجتهاد في فهم النصوص الشرعية وتخليصها مما لصق بها من آراء الفقهاء يعاني من المتشددين تجاه المرأة والذين يظلمونها ظلمًا شديدًا باسم الفقه الإسلامي ، وأيضًا من المتحللين الذين يريدون فصم صلة المرأة المسلمة بدينها فهو يحارب على جبهتين ويحتاج إلى مناقشة هادئة من أجل الوصول إلى تصور عملي يضمن للمرأة المسلمة الحفاظ على هويتها وعقيدتها كما يتيح لها الحياة السعيدة والمشاركة في المجتمع. منطلقات أساسية ينطلق الكاتب من عدة منطلقات أساسية : أولاً : المرجعية التي يجب الرجوع إليها والحجة التي يمكن الاستناد إليها وعند الاختلاف يكون الرجوع إليها هي : القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة حيث "لا قول مع قول الله وقول الرسول" كما نقل عن الإمام ابن القيم. ثانيا : ضرورة فهم معاني النصوص الشرعية وفق قواعد اللغة العربية ومعاني الكلمات كما كان يفهمها العرب وقت نزول القرآن. ثالثًا : الخطاب القرآني هو للرجال والنساء معًا إلا ما اختص به الإناث حيث لا تعرف اللغة العربية خطابًا للذكور وحدهم وينقل عن الإمام الخطّابي في معالم السنن "إن الخطاب إذا ورد بلفظ الذكور كان خطابًا للنساء إلا مواضع الخصوص التي قامت أدلة التخصيص فيها". ونقل تأكيد ذلك عن الأئمة : ابن القيم وابن حجر العسقلاني وابن حزم. ويشير إلى مسألة طريفة قد يستغربها القارئ وهي إن لفظ "رجل" إنما ترد في الكتاب والسنة بمعنى "الإنسان" أي الذكر والأنثى ، ولا تعني الذكر إلا إذا وجدت قرينة تدل على ذلك ، كأن تأتي لفظة "النساء" مع لفظة "الرجال". ويستدل على ذلك بقول الله تعالى : " مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ" وقوله : " ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ ورَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ". وعند التفرقة يستدل بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم " ألحقوا الفرائض بأصحابها فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر" ويخرج من ذلك بنتائج منها : إن الخطاب القرآني للمؤمنين " وأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ " ، و"شَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ" إنما ينطبق على الذكور والإناث ، فالمرأة داخلة في الخطاب. وكما أن الخطاب القرآني " وقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ ورَسُولُهُ والْمُؤْمِنُونَ " كذلك وقوله "اعْمَلُوا صَالِحاً" هو كل عمل في مصلحة المجتمع. وأكد ذلك المعنى قوله تعالى : " والْمُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ" رابعًا : أهمية التوفيق بين النصوص التي ظاهرها التضارب بقدر الإمكان ، ورد المتشابه إلى المحكم مع فهم السياق الذي جاء فيه النص الملتبس في الفهم. خامسًا : المساواة التي أقرها الإسلام للمرأة جاءت في أصل الخِلْقة ، كما في المسئولية منذ الخطيئة الأولى بالأكل من الشجرة ، فالمرأة (حواء) ليست مسئولة وحدها بل المسئولية مشتركة ، والمساواة في المسئولية الإنسانية كما يقول الله : " مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إلاَّ مِثْلَهَا ومَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ". ومسئولية الالتزام بطاعة الله : " ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ ورَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ" وسوّى بينهما في الجزاء والثواب ، كما سوّى بينهما في المسئولية السياسية عن صلاح المجتمع ، ويذهب إلى عدم التفرقة بين الولاية العامة والولايات الخاصة ويستدل على ذلك بقصة ملكة سبأ التي قصها القرآن. وغني عن الذكر المساواة في حق التملك والاستقلال المالي والاقتصادي بل للمرأة الحق في الأخذ من مال زوجها حتى للصدقة بدون إسراف ولم يعط هذا الحق للرجل . كما سوى بينهما في الأحقية بالإرث في تفصيل يجعل الرجل أكثر من المرآة في أربع حالات وهي ترث مثل الرجل في أضعاف هذه الحالات وترث المرآة أكثر من الرجل في عشر حالات بينما هناك حالات ترث فيها المرآة ولا يرث نظيرها من الرجال وسوى الإسلام بينهما في حق ممارسة العمل المهني وفي الأجر على هذا العمل وسوى بينهما في حق طلب العلم بل فرضه عليهم . كما سوى بينهما في الحفاظ على السمعة والمكانة الاجتماعية كما في المسئولية القانونية والجنائية كما في الشهادة ويوضح اللبس في الفهم بالفرق بين الشهادة عند القاضي وبين طرق الإثبات في الديون المالية كما أن الإثبات يقوم به إثنان رجل وإمرأة أما الأخرى "المرأة" فهي مذكرة ومستشارة وليست شاهدة بل تمتاز المرآة بأن الرجل إذا احتاج إلى من يذكره وينبهه بطلت شهادته بينما يجوز ذلك المرآة . كما سوى الإسلام بين الرجل والمرآة في قرار الزواج والاختيار الحر والمسئولية عن البيت فضلا عن التسوية بينهما في حضور العبادات والاحتفالات ومجامع الخير. سادسا : يشرح الكاتب معنى المساواة العادلة التي أرساها الإسلام بين الذكر والأنثى ويزيل الالتباس عن الفهم الخاطئ لآيات مثل " فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ" وقوله " الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ" فالقوامة هي العناية والمسئولية ويلفت الانتباه إلى أن الله لم يقل الأزواج قوامون على زوجاتهم . وأن الفضل في الآية مشترك فهناك أمور فضلت بها النساء كما أن هناك أمورا فضل بها الرجال ويوضح معنى الدرجة التي جاءت في الآية الكريمة "وللرجال عليهن درجة". الأوضاع السيئة للمرأة يشرح الكاتب لماذا وكيف حدث الانحراف في نظرة المجتمعات الإسلامية إلى المرآة وتأثرها بالثقافات التي حملتها الأفواج التي دخلت في دين الله بعد الفتوحات وكيف وجدت مفاهيم غريبة عن الإسلام ومنافية للأسس السابقة من الفقهاء من يصوغها في قالب إسلامي وبذلك أصبحت جزءا من الفقه. جاءت تلك الآراء الوافدة من تراث أهل الكتاب ومن الثقافة الزرادشتية . ويشرح الكاتب الأوضاع السيئة للمرآة في المجتمعات الإسلامية وكذلك في الغرب وبلاد العالم المختلفة في الفقر والأمية والأوضاع الصحية والمجال السياسي والاقتصادي ويستطرد في شرح المظالم التي تتعرض لها المرآة بسبب النزاعات الدولية والأهلية . ونتيجة لهذه المظالم نشأت الحركة النسوية في الغرب ويشرح الكاتب تطور هذه الحركة منذ شعار تحرير المرآة ثم الحركة النسوية التي تذهب إلى المنظور الطبقي ثم أولئك الذين لا يرون فروقا بيولوجية بين الذكر والأنثى انتهاء بثقافة الجندر تصاعدا من الأنثوية التقليدية إلى الأنثوية الليبرالية انتهاء إلى الانثوية الجندرية بإلغاء كل الفروق بين الرجل والمرآة سواء كانت بيولوجية في أصل الخلق أو وظيفية حسب الأدوار المجتمعية وفند الكاتب البحوث التي توهم المنادون بالجندر أنها تروج لمفهومهم الجديد . بعض موضوعات الكتاب يتناول الكاتب موقف الإسلام من الجندر ويشرح كيف ان الإسلام يميز بين دوائر ثلاث ويشرح كل دائرة وهي : 1) دائرة البيولوجيا. 2) دائرة المجتمع والعمل. 3) دائرة الأسرة. ويصدم الكاتب البعض بشرحه لمفهوم الحجاب وعدم انطباقه على مسألة "اللباس" وخصوصية الحجاب بنساء النبي صلى الله عليه وسلم بينما اللباس جاء لستر جسد المرآة كلها عدا وجهها وكفيها ولا يمنعها من الخروج أو العمل . ويذهب الكاتب إلى أن لباس المرآة المحتشم ضرورة كي يحقق المساواة بينها وبين الرجل فلا تدخل العناصر الأنثوية والمعالم الجسدية والمفاتن والجاذبية والإغراء في المنافسة العادلة بما يلغي التكافؤ والمساواة . يستطرد الكاتب في نهاية الكتاب إلى وضعين استثنائيين في أوضاع الأسرة المسلمة ويشرح لماذا هي استثناءات : الأول: الزواج بأكثر من واحدة : تعدد الزوجات الثاني : الطلاق . ويشرح لماذا يذهب إلى أن الوضع الطبيعي هو الاكتفاء بزوجة واحدة للزوج الواحد وأن الاستثناء هو التعدد . كما يبين خطوات الإصلاح قبل الانتهاء بالانفصال ويذهب إلى اختيارات فقهية تضيق وقوع الطلاق . خاتمة هذا كتاب يحتاج الجميع إلى قراءته ذكورا وإناثا وهو إضافة جيدة للمكتبة الإسلامية في وقت تحتاج فيه الحركة الإسلامية والمجتمعات الإسلامية إلى تحرير المفاهيم حول القضايا المتعلقة بالمرآة وبلا شك سيثير أصداء واسعة في الساحة الإسلامية. المصدر: صحيفة المصريون