مقتل رجل أعمال إسرائيلي في مصر.. معلومات جديدة وتعليق كندي    النفط يتراجع مع ارتفاع المخزونات الأميركية وتوقعات العرض الحذرة    أفضل أصدقائي هم من العرب" :عالم الزلازل الهولندي يفاجئ متابعيه بتغريدة    توخيل: غدروا بالبايرن.. والحكم الكارثي اعتذر    النموذج الصيني    غير صالح للاستهلاك الآدمي : زيوت طعام معاد استخدامها في مصر.. والداخلية توضح    تكريم مدير الجمارك السابق بالقضارف – صورة    أليس غريباً أن تجتمع كل هذه الكيانات في عاصمة أجنبية بعيداً عن مركز الوجع؟!    مكي المغربي: أفهم يا إبن الجزيرة العاق!    الطالباب.. رباك سلام...القرية دفعت ثمن حادثة لم تكن طرفاً فيها..!    بأشد عبارات الإدانة !    موريانيا خطوة مهمة في الطريق إلى المونديال،،    ضمن معسكره الاعدادي بالاسماعيلية..المريخ يكسب البلدية وفايد ودياً    السودان.. مجلسا السيادة والوزراء يجيزان قانون جهاز المخابرات العامة المعدل    ثنائية البديل خوسيلو تحرق بايرن ميونيخ وتعبر بريال مدريد لنهائي الأبطال    ريال مدريد يعبر لنهائي الابطال على حساب بايرن بثنائية رهيبة    ضياء الدين بلال يكتب: نصيحة.. لحميدتي (التاجر)00!    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل مصري حضره المئات.. شباب مصريون يرددون أغنية الفنان السوداني الراحل خوجلي عثمان والجمهور السوداني يشيد: (كلنا نتفق انكم غنيتوها بطريقة حلوة)    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    شاهد بالفيديو.. القيادية في الحرية والتغيير حنان حسن: (حصلت لي حاجات سمحة..أولاد قابلوني في أحد شوارع القاهرة وصوروني من وراء.. وانا قلت ليهم تعالوا صوروني من قدام عشان تحسوا بالانجاز)    شاهد بالصورة.. شاعر سوداني شاب يضع نفسه في "سيلفي" مع المذيعة الحسناء ريان الظاهر باستخدام "الفوتشوب" ويعرض نفسه لسخرية الجمهور    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    إسرائيل: عملياتنا في رفح لا تخالف معاهدة السلام مع مصر    الجنيه يخسر 18% في أسبوع ويخنق حياة السودانيين المأزومة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    الولايات المتحدة تختبر الذكاء الاصطناعي في مقابلات اللاجئين    الخليفي يهاجم صحفيا بسبب إنريكي    أمير الكويت يعزى رئيس مجلس السياده فى وفاة نجله    كرتنا السودانية بين الأمس واليوم)    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    رسميا.. حماس توافق على مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تسونامي سقوط أنظمة الإستبداد في آسيا وأفريقيا(8-8)

مصر, تونس,العراق , ليبيا و السودان(8 – 8) :
سقوط المعسكر الإشتراكي الناصري .. أم مقدمات للديموقراطية والتحرر في آسيا وأفريقيا ..
أحمد ضحية – ميريلاند
مقدمة :
لا يمكننا – في ظني الخاص- الحديث عن :"ثورة السودان المرتقبة" , دون التعرض لمصدر إلهام أساسي للثورات السودانية, كالمصدر الذي مثلته ثورة علي عبد اللطيف ورفاقه , الموسومة ب: اللواء الأبيض أو ثورة 1924,أي بعد ثورة سعد زغلول في مصرعام 1919بخمسة سنوات فقط!. وهنا في سيرة مصر ,لابد من الإشارة إلى شعار وحدة وادي النيل, في سياق الحديث العام عن ثورة اللواء الأبيض , إستنادا لرؤية دكتور محمد سعيد القدال في كتابه : "تاريخ السودان الحديث".
فمثلما توقفت دكتورة يوشيكو كوريتا أمام دلالة اللون الأبيض, وما تمثله بالنسبة لهذه الحركة ,التي أتخذته شعارا لها, بما يمثله من إلتباس وتعقيد, لا يقل عن إلتباس وتعقيد شعار"وحدة وادي النيل" ,كما نجد أن هناك دراسة أخرى مفيدة في هذا السياق نفسه هي دراسة دكتور الباقر العفيف:"متاهة قوم سود في ثقافة بيضاء",والتي إهتمت في أحد جوانبها ,بالبحث في النظام الدلالي العربي ,حيث ركز العفيف على دلالتي أبيض وأسود, لفهم - في التحليل النهائي - طريقة عمل العقل السوداني بمعنى (مجموعة تيارات الفكر والثقافة الأساسية وروافدها) .
فثورة اللواء الأبيض بهذا المعنى, هي محاولة للتخلص من أزمة الهوية الوطنية من ,كما هي الجذر لثورة أكتوبر 1964وأبريل 1985 . وهو ما كانت قد أشارت إليه الباحثة اليابانية يوشيكو كوريتا في كتابها :"علي عبد اللطيف وثورة 1924- بحث في مصادر الثورة السودانية- مركز الدراسات السودانية ,القاهرة,1997".
أشارت كوريتا في هذا الكتاب إلى ثلاثة قضايا : 1- مفهوم الوطنية عند علي عبد اللطيف.2- دور العناصر الزنجية المنبتة قبلياً ,في المجتمع السوداني بين عشرينات وأربعينات القرن العشرين .3- حياة علي عبد اللطيف نفسه.
ويشير هنا دكتور محمد سعيد القدال في تقديمه لكتاب يوشيكو كوريتا إلى أنه :" يجب أن نبدأ من إدراك تناقض الحركة الوطنية,وليس فقط بتمجيدها, إذا أردنا التفكير بجدية, في مسألة الوطنية".
تشير كوريتا والقدال أن عناصر حركة اللواء الأبيض , بأنهم أو: ينحدرون من العناصر الزنجية.. الذين تحرروا من الرق، والذين تعود جذورهم إلى قبائل جنوب السودان وجبال النوبة، ولكنهم استقروا في مجتمع شمال السودان ,بعد أن فقدوا جذورهم القبلية الأصلية ,من طول إغترابهم في الشمال، فلا روابط قبلية ولا تقاليد ولا مهن يركنون إليها، عندما أحس البريطانيون أن جرثومة القومية السودانية ,موجودة بين تلك العناصر، بينما الإنتماء القبلي بين أهل الشمال يصطدم بشكل مباشر, مع المشاعر القومية، ويقف حجر عثرة, أمام إنصهار أهل السودان في بوتقة الأمة. على هذه الخلفية إتخذ الإنجليزالكثير من الإجراءات ,التي عقدت مشكل الهوية في السودان,فيما بعد.
يحاول القدال أيضا لفت الإنتباه :إلى ما أثار إهتمام الباحثة اليابانية يوشيكو كوريتا ,بعلي عبد اللطيف ورفاقه. مشيرا إلى ممارسات الإحتلال البريطاني , الذي كان يعاقب بالجلد كل من "يكتب في شهادة ميلاده أنه "سوداني" ,ومع ذلك لعبت تلك العناصر ذات الأصل الزنجي, دوراً قيادياً وبطولياً في أحداث 1924م، مثل علي عبد اللطيف وعبد الفضيل الماظ وزين العابدين عبد التام".
تقصت كوريتا إذن دور هؤلاء "المنبتين" في المجتمع السوداني ,وصولا إلى ظهور الكتلة السوداء ,فى أربعينيات القرن العشرين، وتواصل جهدها إلى إنفجار مشكلة السودان في الجنوب ,بشكلها الدرامي المأساوي.
تكمن أهمية بحث يوشيكو كوريتا في ثورة 1924 في كونها" أخرجت القضية (قضية الزنوج السودانيين,هؤلاء الذين يعج بهم الهامش)من هامشيتها الإجتماعية , الى مركز الصراع الاجتماعي. وكما يشير القدال أنه ليس بالإمكان, أن ينصهر السودان ليصبح أمة، ما لم يتلاش الحاجز ,الذي يطل من فوق أبراجه العالية, أهل الشمال على العناصر الزنجية بإعتبارهم عبيداً، بينما العبودية عبر التاريخ في مفهومها :"وضع اقتصادي اجتماعي وليست صفة عرقية ملازمة للعناصر الزنجية".هذا الفهم الإجتماعي المتخلف هو ما دعا أحد قادة الإسلام السياسي في الخرطوم يقول ما معناه :أنه من الشرف للغرابية أن يغتصبها جعلي – هذا ليس إغتصاب.. عندما أتهمت الحركات المسلحة في دارفور , جيش شمال السودان بإغتصاب النساء , فمرجعية الرجل هنا : ما ملكت إيمانكم ,التي تضرب بجذورها في الوجدان الثقافي العربي, و التي إنبنت على السلب والنهب والغزو,كسلوكيات إجتماعية سابقة للإسلام)
تحدثت الباحثة يوشيكو كوريتا إذن ,عن بروز تيارين بين دعاة الوطنية السودانية الأول : بقيادة الزعماء الدينيين وزعماء القبائل، وهم الذين قوى البريطانيون من شوكتهم، فملكوا الأرض وارتبطوا بمشاريع القطن، وقالوا بتفويض السودانيين للبريطانيين للتحدث باسم السودان.
وقادت جمعية اللواء الأبيض التيار الثاني. ومن أجل فهم هذا التيار، ترى الباحثة ضرورة تحليل العلاقة بين جمعيتي الاتحاد السوداني واللواء الأبيض. وناقشت في السياق, الأسباب التي أدت الى انقسام جمعية الاتحاد السوداني، وبروز جمعية اللواء الأبيض، وإختلاف وجهة نظر الجمعيتين بشأن وحدة وادي النيل. وخرجت من تناولها عن ما كان سائداً حول ذلك الخلاف.
ثم تناولت مفهوم الوطنية عند علي عبد اللطيف. ولأنه من أصل غير شمالي، فقد كان حريصاً على أن تكون الأمة السودانية موحدة تضم أهل الشمال والجنوب. وترى أن هذا الفهم يطرح سؤالاً حول قبول علي عبد اللطيف في جمعية الاتحاد السوداني, التي يقودها عبيد حاج الأمين كممثل لتيار عروبة السودان وتوحيده مع مصر.
وقبيل استقلال السودان وجد التعبير السياسي لتلك العناصر آخر مظهر له في جمعية الوحدة السودانية (1942)، ثم خلفتها الكتلة السوداء (1948) وتحولت تلك العناصر بعد ذلك لتصبح جزءاً من الطبقة الوسطى في المدن.
ومنذ بداية الخمسينات من القرن العشرين، انتهى دورهم كقوة مؤثرة سياسياً، وتحوَّل الصراع الى صراع بين الشمال والجنوب. وتواصل بروز هذه الكتلة السوداء ,خلال الانيانيا , وغيرها من القوى الجنوبية وصولا إلى الجيش الشعبي لتحرير السودان.. كما برز أيضا هذا التواصل خلال الحركات الدارفورية : سوني,اللهيب الأحمر ونهضة دارفور, وصولا للحركات الدارفورية الراهنة.. مثلما تواصل مع حركات جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق,إلخ..
ثورة اللواء الأبيض إذن تمثل وعيا جنينيا بالهوية الوطنية والقومية السودانية , التي تطلعت إلى ما فشلت فيه المهدية, كثورة دينية تتسم بضيق الأفق بسبب دعاويها , فبعد إنتصارات الثورة المهدية تحول الجهادية السود, الذين كان قد إسترقهم الأتراك والمصريون, وكونوا منهم قوة عسكرية , إنضم هؤلاء الى الصفوف المقاتلة للثورة المهدية , ولعبوا دوراً حاسماً في حروبها الداخلية والخارجية. لكن مع ذلك ظلت علاقة المهدية بالقبائل الزنجية غائمة ,وتأرجحت بين ما سماه دكتور محمد سعيد القدال : «الإنتماء والإغتراب». (في دراسته عن علاقة الدولة المهدية بجنوب السودان في كتاب «الانتماء والاغتراب»).
نلاحظ هنا أن تناقض المهدية, تمت إعادة إنتاجه في العلاقات الداخلية للحركة الإسلامية ,في موقف الشماليين داخلها من الدارفوريين ,الذين لعبوا دورا حاسما في حربها ضد الجنوب ,والتمكين لأركان المشروع الحضاري, ومع ذلك ظلت علاقة الشماليين داخل التنظيم وفي أجهزة الدولة, علاقة مرضية يشوبها الكثير من الإستعلاء والتهميش والصلف ,ما ترتب عليه بالنتيجة المفاصلة الشهيرة إثر قرارات 4 رمضان. ونهوض عدد من الحركات المسلحة في دارفور, بداية بحركة داؤود يحى بولاد ,مرورا بحركة عبد الواحد , فخليل إبراهيم .
ونلاحظ هنا أن تجربتي بولاد وخليل , إنتقلت من خانة الحركة الإسلامية,إلى خانة الحركات المسلحة, إنتقال علي عبد اللطيف من الإتحاد السوداني ,وهي تجارب تتقاطع بدورها مع تجربة الزعيم قرنق ,فهؤلاء جميعهم يشتركون في أفريقيتهم السوداء .
ثورتي: أكتوبر 1964- أبريل1985:
ثورة أكتوبر لا تختلف كثيرا عن ثورة أبريل, في الأسباب والمآلات أوالمصائر , فالأولى منذ نشوبها حتى الآن ,ظلت مصدر خلاف كبير في تقييمها , بسبب الإنجازات الإقتصادية للفريق عبود ,وهي إنجازات ينطبق مثلها على حكم النميري , في الوقت الذي تفتقر الحكومات التي ترتبت على ثورة أبريل لأي نوع من الإنجازات,بل ساهم خطلها في تعقيد أزمات السودان..
وكلتا الثورتين: أكتوبر وأبريل كانتا"حركتين سياسييتين ضد نظامي 17 نوفمبر 1964العسكري الإستبدادي الذي حكمه إبراهيم عبود,و ونظام 25 مايو 1969 العسكري الغاشم الذي حكمه نميري, الفرق بين أكتوبر وأبريل أنه في أكتوبر سلم الفريق إبراهيم عبود سلطاته لجبهة الهيئات.. لكن في أبريل خلع الشعب الرئيس نميري, الذي كان مسافرا .ولو كان موجودا لطارد نميري الشعب زنقة زنقة,كما سيفعل البشير لاحقا, فأمثال نميري والبشير, الذين إما تربوا على أيدي عبد الناصر,أو تأثروا بتجربته لا يتنحون! .. وكلتا الثورتين رفعتا شعارات : الإضراب السياسي-العصيان المدني-الإنتفاضة الشعبية الشاملة.
نتج عن ثورة أكتوبر إذن ,قيام حكومة قومية برئاسة سر الختم الخليفة ,قوامها الاحزاب السياسية والنقابات والهيئات, التي أشعلت الثورة ,التي ترتب على نجاحها (ثورة اكتوبر)قيام إنتخابات عامة في البلاد بعد أشهر قليلة,أفضت هذه الإنتخابات إلى فوز القوى الطائفية(الإتحادي والأمة) بشكل رئيسى, ودخل الشيوعيون والأخوان المسلمين البرلمان.
وهو الأمر نفسه الذي حدث بعد أن سلم المجلس الإنتقالي لسوار الذهب,السلطة للأحزاب ,بعد نجاح ثورة أبريل 1985, إذ ترتب على إنتخابات 1986 فوز القوى الطائفية مرة أخرى, إلى جانب الجبهة الإسلامية القومية , وإنحسار نفوذ اليسار بصورة مريعة!. وهكذا بدأ واضحا للمرة الثانية ,أن شعارات أبريل الثورية التي تدعو للتغيير, ستلحق أمات طه , وأمات طه هن شعارات أكتوبر المجيدة.
فالطائفية وقوى الإسلام السياسي ,في كلتا الثورتين(أكتوبر وأبريل) تمكنت من إجهاض روح الثورة , إذ لم تتمكن لا حكومة أكتوبر أو أبريل ,من حل مشكلة الجنوب .فالتمرد الذي كانت ضراوته قد خفت بعد مؤتمر المائدة المستديرة إبان أكتوبر ,عاد من جديد أشد ضراوة ,حيث لم تستطيع القوي السياسية ,التي استمرت بلجنة الاثني عشر ,أن تضع نهاية سعيدة لمشكلة الجنوب ,رغم تطورها للجنة تضم كل الاحزاب, فاللجنة القومية للدستور,التي وضعت مشروع دستور 1968 إلى أن جاء انقلاب 25 مايو1969,وقلب نميري الطاولة على رؤوس الجميع بدء باليسار مرورا بالطائفية وقوى الإسلام السياسي, وهكذا تم وضع حد ,للتطور السياسي والدستوري السلمى ,مرة أخرى ,فدخلت البلاد من جديد فى دوامات أشد تعقيدا من العنف والعنف المضاد,الذي لم يهدأ إلا قليلا غثر إتفاق أديس أبابا 1972, لتفجره قوى الإسلام السياسي والنميري في 1983,مرة أخرى ,وهكذا أصبح السودان يدور في حلقة مفرغة من ديموقراطية إلى إنقلاب, أو ما أسماه المفكر السياسي الراحل الخاتم عدلان ب"الحلقة الجهنمية" أو "الشريرة" .
إذن التمرد الذي وعدت قوى أبريل بالتوصل معه لحل جذري ,فشلت في الإيفاء بوعدها. بل أجهضت(بعض قوى أبريل) في إطار التنافس كل المبادرات البناءة , وأتهمت قوى كوكادام ,التي تمثلت روح أبريل في مؤتمرها ,أتهمتهم الطائفية بالعمالة للغرب, فقط لأن إعلان كوكادام قدم رؤية بناءة ضد التمييز والإستعلاء والتهميش ما يتعارض مع العقل الإستبدادي المتخلف للقوى السياسية القديمة !
ولم تكتفي طائفية أبريل بالفشل في حل مشكلة الجنوب, بل فتحت حربا جديدة في دارفور,مولها حزب الأمة وليبيا. ما فتح البلاد على حروب عديدة, كل منها تلد حربا أشد ضراوة من سابقتها .
فشل ثورتي أكتوبر وأبريل في حل مشكلة الجنوب- في تقديري- يعود للمشكلة الأساسية, التي مثلت مصدرا لثورة 1924 ,إذ لم تتحقق أية خطوات ملموسة تجاه الوحدة الوطنية أو الهوية الوطنية, كمدخلين لا غنى عنهما ,في بناء الدولة التي حلمت بها بعض قوى أكتوبر , كخطوة صحيحة ,في إتجاه بناء الدولة السودانية الوطنية القومية .
بمعنى الدولة التي تتبنى شعارات الثورات الحقيقية كالإخاء والمواطنة والحرية والديموقراطية والمساوة والعدالة الإجتماعية والتنمية ,كشعارات نقيضة للإستعلاء والتهميش,إذ لم يكن ممكنا ,تحقيق مثل هذه الشعارات لتصبح واقعا ملموسا ,بسبب التوجهات الطائفية العروبية الإسلاموية الصرفة ,على حساب أفارقة السودان ومسيحييه وكجورييه,وعدم إحترام هذه القوى لواقع التعدد والتنوع.
في تقديري الخاص أن غياب هذه المفاهيم عن القوى الطائفية والإسلاموية أدى لفشل الوصول إلى حل لمشكلة الجنوب ,كمشكلة تمثل تعبيرا صارخا عن أزمة الهوية الثقافية والحضارية للسودان,بالتالي سقط مشروع أكتوبر قبل أن تسقط حكومة أكتوبر نفسها بإنقلاب مايو 1969.ومثله سقطت شعارات ومشروع ثورة أبريل للأسباب نفسها, إلى جانب العوامل الأخرى كالإقتصاد والفساد,إلخ..
ثم جاءت الجبهة الإسلامية بإنقلاب عسكري في 30 يونيو 1989 ,على أنقاض الديموقراطية الطائفية, لتبلغ بأحلام وأوهام وأشواق الطائفية وقوى اليمين الأخرى والقوى العروبية الإسلاموية عموما وما تتمثله من مفاهيم إستبدادية وديكتاتورية متخلفة: من إستعلاء وتهميش وفساد,وعدم إحترام لمفهوم الديموقراطية وقيمة المواطنة.. فأفرجت بذلك عن كل ما هو كامن في الطائفية, وبلغت به أقصى حدوده, فكل ما كان ثاويا في وعي هذه القوى– أو لا وعيها الثقافي- ولم تصرح به أفرجت عنه – نيابة عنها-الجبهة الإسلامية ,فوصلت بأزمات السودان إلى منتهاها , حيث يبدو الآن طريق العودة إلى نقطة البداية صعبا ,مالم تقم ثورة حقيقية , تتمثل قيم التغيير التي تنطوي عليها الثورات الحقيقية.
نعود إلى الأسئلة التي طرحناها في الحلقة الأولى من هذه السلسلة, التي أشرفت حلقاتها على الختام ففكرة هذه السلسلة, ترتكز بصورة أساسية على فرضية أن الإنقلابات التي تلت الحقبة الناصرية, لم تتمكن من تغيير نظم الدول - التي أرسيت دعائمها بإستلهام الناصرية - التي عنت بها هذه السلسلة ممثلة في (تونس,مصر,ليبيا,العراق,والسودان) , بل كانت تلك الإنقلابات بمثابة إعادة الإنتاج لتجربة "الضباط الأحرار" والحقبة الناصرية !..
وأن الإنهيارات التي تحدث الآن في هذه الدول المشار إليها ,والتي أرتبطت بصورة مباشرة أو غير مباشرة بسطوة الناصرية ,بمثابة الكنس لما تبقى من آثار الناصرية ؟ بمعنى مشابه للإنهيارات التي تخطت حدود الإتحاد السوفيتي, إلى شرق أوروبا,مسقطة لا المعسكر الشرقي فحسب بل هدت حتى جدار بريلين على رؤوس مشيديه, معلنة ميلاد نظم سياسية جديدة! في العالم..
لكن ,ربما يحدث العكس بأن تعترضها ردة إلى الماضي(كما رأينا في الإنقلابات على أكتوبر وأبريل),التي ذرت رياح الديموقراطية والتحرر وأحلام التغيير,بتسويق الطائفية وقوى الإسلام السياسي, للديموقراطية في هياكل النظم القديمة ! مع الإعتناء بتغييرات شكلية ,لا تتمثل جوهر فكرة التغيير والديموقراطية, اللتان تجتاحان المنطقة الآن!..
إنتهى.
أحمد ضحية – ميريلاند
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.