"غريم حميدتي".. هل يؤثر انحياز زعيم المحاميد للجيش على مسار حرب السودان؟    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    معمل (استاك) يبدأ عمله بولاية الخرطوم بمستشفيات ام درمان    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الثلاثاء    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الثلاثاء    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    نهب أكثر من 45 الف جوال سماد بمشروع الجزيرة    ابتسامات البرهان والمبعوث الروسي .. ما القصة؟    انتدابات الهلال لون رمادي    المريخ يواصل تدريباته وتجدد إصابة كردمان    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    القلق سيد الموقف..قطر تكشف موقفها تجاه السودان    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    تجارة المعاداة للسامية    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سقوط (إمام) و إنتحار (حزب)!!
نشر في السودان اليوم يوم 27 - 06 - 2014


بسم الله الرحمن الرحيم
سقوط (إمام) و إنتحار (حزب)!!
( لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتال.) المتنبي
تلعب المواقف او ردات الفعل تجاه قضية ما او حادث ما، دورا حاسما، إما لجهة صناعة القادة أو منحهم درجة معتبرة من القبول والإشعاع الكاريزمي، أو يمكنها أن تسقط قادة او تسحب من تحت أرجلهم كل هالات الإحترام، التي منحت لهم في أوقات سابقة او مواقف أخري، وتجعلهم يسبحون في فراغ الإهمال والنسيان! بمعني أنه وبقدر قدرات الشخص وملكاته و مواهبه في قيادة الآخرين، تشكل المواقف الجريئة والإنحياز للمبادئ الكبري وحقوق الجماهير، منعطفات حاسمة، في الإرتفاع بتلك القيادات الي مصاف الأيقونات الوطنية، مع منحها صك القيادة المستحق. أي لأ قيادة من دون مواقف. وما الأسماء العظيمة التي خلدتها سجلات التاريخ، كرموز او شخصيات صاحبة أثر عظيم، إلا إنعكاس لمواقف مبدئية او إسهامات ثرة، أضافت لمسيرة البشرية الكثير. ولذلك تمثل المواقف الجادة الصلبة، روح القيادة، او شهادة المرور التي تمنحها الجماهير لقياداتها، كجزء مكمل ومتمم لمهاراتها وقدراتها الذاتية. بتعبير آخر المواهب من ناحية والمواقف الثابتة من ناحية أخري، هما الجناحان اللذان يحلقان بالقادة الحقيقيين الذين يغيرون وجه التاريخ. وتاليا إختلال هذا التوازن لأي سبب من الأسباب، يصيب القيادة في مقتل، ويحدث ضرر كبير علي الجمهور! سواء بفقدانه الثقة في القيادة والقيادات، أو بسبب وقوعه في حضن قيادات عاطلة من الموهبة وعديمة الفائدة، بحجة عدم وجود البديل!
السيد الصادق المهدي، منذ ولوجه ساحات العمل السياسي باكرا في الستينيات، حاول أن يفرض نفسه كقائد سياسي يمتلك كل مقومات القيادة! ورغما عن صغر سنه وقلة تجربته السياسية وإنعدام خبرته القيادية، عمل علي فرض هذا الواقع علي حزب الأمة، متخطيا قامات وشخصيات أكثر منه خبرة ومعرفة وأهلية! وهو يستند في ذلك علي إرث المهدي. وهو إرث تم توظيفه وإستغلاله لأقصي درجة، خلال رحلته السياسية المكللة بالفشل القيادي والإحتكار العائلي لحزب الأمة! والإرث المهدوي لأ يُعامل هنا، كمرحلة تاريخية لعبت دورا محددا في تاريخ الوطن، لها إيجابياتها وسلبياتها وتأثرت بالظروف المحيطة كأي تجربة إنسانية أخري، أي خليط ما بين الذاتي والموضوعي. وبدراستها وتحليلها بموضوعية يمكن أخذ العبر والدروس منها. ولكن الإرث المهدوي يقوم هنا بوظيفة محددة، تتمثل في حق القيادة المطلق، والممتنع علي التنازع والتنافس! إضافة الي التفوق الطبيعي علي الآخر، غير المنتمي لبيت المهدي. أي تمت عملية إحلال للتفوق البيولوجي المتوهم! محل الكفاءة المتولدة عن شرط التنافس الحر! بتعبير آخر، تم إستدعاء لمفهوم آل البيت الراسخ في الذاكرة الإسلامية، وخصوصا نسخته المتعلقة بالأهلية الدينية والأحقية السياسية! واللتان تمتحان بدورهما من إناء المظلومية التاريخية. وليس بالضرورة أن يتم ذلك التوظيف بلسان اللفظ و إنكشاف الحال، ولكن تكفي الرمزية والهالة القدسية، التي يعامل بها تُراث المهدية ذاته! وهو تُراث يعاد إنتاجه في كل مرحلة بشكل مغاير، ليتناسب مع أجواء المراحل والظروف المستجدة والمصالح المتوقعة خلالها! وذلك بعد تخليص هذا التُراث من الرواسب والأخطاء والدوافع السياسية الفاضحة، التي شكلت لحُمة وسُداة ذلك المشروع المهدوي. أي بعد إجراء عملية تجميل كاملة للتُراث، لمقاربة صورة القداسة التي يُسعي لتكريسها، وهي بدورها تتحسس من الأخطاء وتستحي من الأطماع!! ومعلوم أن القداسة نفسها تُحال بعد ذلك للأفراد، المنتمين لذلك التُراث بطريقة او بأخري! وذلك إضافة الي إحتكار المهدوية بصورة شخصية، وكأن المهدي فلتة تاريخيه لأ تخضع لشروط المكان وأحوال الزمان! ولأ ينتمي لهذه البلاد، ولم يساعده آخرون في مشروعه، وقبل ذلك ظروف بائسة يعيشها المواطن. وهذا إذا سلمنا جدلا أنه مشروع سامٍ يتقصي طريق الشرع ومثالية الدعوات الرسالية، وإنعكاس ذلك علي ممارسات نموذجية، تتمسك بقيم ذاك المشروع وطروحاته في مصادره الأصل! ولكن المهدية نفسها وفي مُجملها، كانت خليط من التدين الشعبي والعنف القبلي، وجهالات السُلطة، والجهل بالقدرات الذاتية، والقوانين الحاكمة للعلاقات الدولية في ذلك الزمان، أي زمان الشره الإمبراطوري لأبتلاع العالم! وأفضل فترات الحكم المهدي وأنضرها، هي الفترة التي قاوم فيها الظلم التركي وأنتصر عليه، بعد أن أحسن توظيف إمكاناته والإستفادة من السخط العام المسيطر في تلك الفترة. ولكن السيد الصادق المهدي، يحاول أن يأخذ ثمرات تلك الفترة ووجهها المشرق! أي حيازة الشرف النضالي والمرجعية الدينية والسلطة السياسية، ولكن دون أن يدفع ثمن جهادها ومصابرتها وتصديها للظلم! بمعني آخر، إن السيد الصادق المهدي، مُعجب بسردية المهدي المنتظر، التي أحسن جده إستثمارها! وبما أن لكل مقامٍ مقال ولكل زمان رجال، وهم رجال ونحن رجال! فماذا ينقص السيد الصادق المهدي، بعلمه وأخلاقه ومواهبه، ليكون مهدي هذا الزمان!! وإن بطريقة الترشيح! أي بطريقة أكثر تلميح وأقل تصريح، وذلك لصعوبة تسويق هذه الرغبة علانية، مع إنتشار العلم والمعرفة والأحتكاك بالآخر لدي الجميع! أي بعد أن إنهارت دولة الخاصة وعلم الخاصة وخوارق الخاصة في هذا الزمان! وعموما لأ معني للمواطنة ولأ مكان لحقوق الإنسان، في حضور الخصوصية والقدسية وقانون الإصطفاء! بمعني، هي سردية تتلاءم مع طائفة محددة وغالبا مغيبة، وفي العموم غير معنية بالتصديق، لأنها مؤمنة سلفا بها! لذلك الإشكالية تتمثل في الآخر خارج الطائفة، والذي لأ يمكن أن يمنح مجانا مكاسب، لأ تتناسب مع الجهد المبذول ولأ مع القدرات الخاصة، ولأ يصدقها العمل والنتائج ولأ تنسجم مع الفائدة العامة المرجوة منها! وهذا إذا لم تُكرِس لشمولية في أبشع صورها الثيوقراطية! وبتعبير واضح وفاضح، يحاول السيد الصادق المهدي، أن يبعث المهدية في صورة المهدي الجديد/الحديث/العصري، أي فضل أن يكون صورة باهتة لجده، بدلا من أن يكون سيد نفسه، أو أصل يمكن أن يكون مفيدا لعصره، ولو بإمكانات أقل من جده. لأن العبرة في الإضافة، وليس في حجمها او مدي تأثيرها او في مردودها الآني ومقدار التكسب منها! بمعني، إن السيد الصادق المهدي، ضحية ذاته، بقدر ما هو علة وطنه، ومفرزة لإنتاج الفشل وتكرار نفس الأخطاء!
والإشكالية المهدوية او الرابطة الروحية التي تجمع بين الأنصار، بقدر ما أضرت بالسيد الصادق المهدي، وحرمته من إيجابيات المنافسة الحرة والإحتكاك الداخلي الندي مع بقية أعضاء الحزب، الشئ الذي يمكن السيد الصادق المهدي من صقل مواهبه القيادية، ومنحه الأحقية القيادية الشرعية، غير المطعون فيها عائليا او مجروحة طائفيا! او علي الأقل تمكنه من معرفة هذه القدرات علي أرض الواقع الحقيقي! فهي أيضا أضرت بالأنصار أنفسهم، وحرمتهم من حرية التفكير والإختيار والطموح، أي قتلت فيهم روح الإستقلال والمبادرة! ومعلوم سلفا، أنه من غير حرية فردية، فليس هنالك حرية حزبية ولأ حرية سياسية في الفضاء العام! أي الحرية هي حاجة ذاتية وفردية قبل أن تكون مطلب عام، أي إذا لم تنبع من الداخل فلا قيمة لها في الخارج! بتعبير آخر، إن أخطر أنواع العبودية هي العبودية الذاتية، العبودية الخاصة! التي تستقيل من التفكير والمسؤولية، وتسلم أمرها وعقلها وروحها، لقائد او مبشر او داعية او مصلح! وفي الحقيقة، قائد لأ يحرر أتباعه وجمهوره، لأ يستحق لقب قائد او منصب القيادة! أي قيادته قيادة مزورة، لأ تقوي علي تحمل شروط الإختيار، ولأ تثق في خيارات الأتباع، ناهيك عن عموم الجماهير! وبمعني آخر، أنه في وجود القائد الفذ والإمام المعصوم، الذي لأ ياتيه الباطل من بين يديه ولأ من خلفه! يتم آليا إخصاء للعقول وإبتلاع للألسن وموت للروح والفاعلية بالنسبة للأتباع! ويسود فقط، نوع من التفكير الجماعي والإرادة الجماعية، التي تستظل بافكار وإرادة الإمام/القائد/الزعيم! وفي بيئة كهذه يستحيل قبول الآراء المخالفة او التفكير الحر ولو علي قلته وحيائه! او التساهل حيال الإرادات المتضاربة، التي تنتظم هذا النوع من الإجتماع البشري! أي تتم إحالة الأفكار والإرادات المخالفة للزعيم، من حيز الفكر و المنافسة والمشاركة العامة، الي حيز النوايا ومن ثم، توجيه التهم وجرائم التخوين! وتاليا لأ حاجة لمناقشة الأفكار او فحص الإردات المتعارضة مع الزعيم، أو مقاربتها لحقائق معيارية او مواقف مبدئية، هي مغيبة بدورها في حضور المرجعية الوحيدة، وهي رغبات وقرارات ومصالح السيد الزعيم/الإمام! إذا صح ذلك، يصبح الأنصار أنفسهم، جزء من إشكاليات السيد الصادق المهدي، أي تضخيم لوهم او حالة إصابته بمتلازمة الأمام(الديني)/القائد(السياسي)، أي حالة كونه المرجعية الإصلاحية، لأي عملية تحديث او بناء للدولة السودانية، أي لأ مكان ولأ فرصة لقيام كيان سوداني معافيً، من دون حضور وتوجيه وقيادة السيد الصادق المهدي!! وبقول ثانٍ، سلبية الأنصار وقبولهم المطلق، لتناقضات وإرتباكات السيد الصادق المهدي! كخلطه المصلحي بين الديني والسياسي و خدعة الأصالة والمعاصرة، وغيرها من الإلتباسات التي أكتنفت مسيرته، والتي بدورها تتعارض مع الفطرة القيادية السليمة! او بالصمت علي مواقفه المتذبذبة، وكل تراجعاته ومواقفه المهادنة لأنظمة البطش والطغيان القاهرة لشعوبها ومفقتدة للشرعية، وللأسف هي مهادنة تمد من أجلها وتمنحه بعض المشروعية المضللة. والأسوأ تصوير ذلك التراجع والعجز عن بذل التضحية والتخاذل عند المحن! كنوع من الحكمة ومحبة السلام والحرص علي الوئام والسلم الوطني! وغيرها من المبررات، التي تجعل المدافعين عن أقوال ومواقف السيد الصادق المهدي، في موقف لأ يحسدون عليه! حبيبنا الإمام كم أرهقت أقلام دعمك وحشمة مناصريك، وألبست حججهم ودفوعاتهم، ثوب التبريرات العاطفية الفطيرة، او الثوب الشفاف والقِصيِّر(لا يستر)، حسب تعبير حميد في موقف آخر!
وفي ظل تناقضات أقوال وأفعال السيد الصادق المهدي، طوال مسيرته الظافرة بالخسائر والإنكسارت، ما هو الفرق بينه وبين الدكتور الترابي؟! بمعني هل الإشكالية في الدكتور الترابي، تحجره الفكري وتعنته الشخصي، وكفافه الوطني وجفافه الوجداني وتبلد حسه الإنساني فقط! أم أن جزء كبير من هذه الإشكالية، يقع في التعارض الصارخ، بين أقواله وأفعاله وبين شعاراته ومواقفه! وتلونه حسب مصالحه، وحتي الدين لم ينجُ من إستخدامه كمطية للوصول للسلطة وإمتيازاتها، أي بتجريده من قيمه ومثله العليا وطاقاته الروحية! بل من هذه الوجه، فالترابي يعتبر أفضل من السيد الصادق المهدي! علي الأقل فالترابي يطرح مشروعه الديني بصورة جلية وواضحة، عكس السيد الصادق المهدي، الذي يضمر الديني في مشروعه المدني والعكس أقل صحة! أي يضع رِجِّل في الدولة الدينية، والأخري في الدولة المدنية( ويبدو أن الكراع الكبيرة في الدولة الدينية، بإستلاف تعبير الراحل المقيم الدكتور جون قرنق)! كما أنه يتبني الشئ ونقيضه في نفس الوقت، دونما إحساس لأ بالحرج ولأ بالغرابة! فهو يسعي للتغيير بالكلمة الحسنة، ولكن في مواجهة سلطة قمعية، لغتها الوحيدة العنف العاري الأعمي، وفي نفس الوقت يستنكر علي الآخرين حمل السلاح عليها! ويدعو للجهاد السلمي المدني، ويمنع أنصاره من المشاركة في الهبات الجماهيرية، ولأ يتحمس لمجرد دعم الهبات بالكلمة الحسنة! أي الجهاد السلمي لديه، إما هبة تقوده الي القصر مباشرة، وإلا فلا هبات ولا وجع دماغ! بل إبنته مريم كانت مواقفها أشجع وأروع منه، أيام الهبات وتسجيل المواقف البطولية! يا ليته إستلف منها تلك الروح، علي الأقل أيام الهبات الأخيرة! ولكن من تقاصرت به همته لن تلحق به مواقف إبنته! وكذلك يشارك التجمع المعارض هيكلته، ويفاوض الحكومة بصورة منفردة، ويبرر ذلك بأن الآخرين يفعلون ذلك،(نِعمَ التبرير، ولكن هنالك آخرون يحملون السلاح ويقاتلون الحكومة ويجودون بأرواحهم! اليست هذه مواقف أيضا!!). وأيضا يعلن معارضته الصريحة للحكومة الإنقلابية بالنهار، ويقبل زيارة رئيسها وجوائزها وتكريمها بالليل! ويسمح لإبنته بالقول عن الحكومة، ما لم يقله مالك والمهدي الكبير وبن باز في الخمر، ولكنه يسمح لإبنه بالمشاركة في نفس هذه الحكومة!! ما كل هذا التناقض؟! كيف يمكن تبرير كل هذه الممارسات الفجة، المعادية لمصالح الجماهير بما فيهم الأنصار، بعقل متزن ونفس سوية وموقف قويم؟! كيف يمكن لقائد أن يمارس كل هذه العبثية، وهو لأ يخشي علي نفسه او موقفه او منصبه، غضبة جماهيره او مجرد إستنكارها؟!! وهذا بدوره يقودنا لإشكالية حزب الأمة نفسه، فكلمة حزب هنا كلمة مضللة، أي وفقا لمعايير الحزب، كأحد أزرع الممارسة الديمقراطية في المفهوم الحديث لإدارة الدولة. فكلمة حزب هنا لأ تشكل مضمون حديث، ولكنها تمثل إطار فضفاض يجمع آل المهدي وأحبابهم ومريديهم من ناحية، ومن الناحية الأخري، يضم بعض أبناء زعماء القبائل والقيادات الأهلية، ومجموعة كبيرة من أبناء المناطق، التي شهدت تمدد ونفوذ وتاثير الدولة المهدية السابقة! كما تمنح كلمة حزب هذه المجموعة، الأهلية من قبل السودانيين، والأصح تمنحهم المشروعية للمنافسة علي الحكم. بكلام آخر، لأ يحمل حزب الأمة برامج او مشاريع تستهدف بناء دولة مدنية او تطوير للعملية السياسية تجاه وجه أكثر ديمقراطية، او رعاية للبيئة التنموية في معناها الشامل أي البشري والمادي! وفق خطط ومناهج واضحة، تتوسل القبول العام من المواطنين السودانيين علي إمتداد الرقعة الجغرافية، او علي الأقل تعبر عن القاعدة العريضة التي تنتمي إليه، أي مشاريع تستهدف حاجات وهموم الأنصار، وليس إستغلال عاطفتهم الدينية او المهدية! وعموما هي هموم وحاجات تتقاطع مع هموم وحاجات جميع المواطنين السودانيين. بمعني، إن الحزب بوضعه الراهن وكما كان تاريخيا، لأ يحمل مجموعة من الأهداف والقيم والضوابط، التي تعبر عن الحزب او المنتمين إليه او في وارد الإنتماء إليه! بحيث تعبر عن الجميع ويخضع لها الجميع علي قدم المساواة! فالحزب بكل مكوناته وأنشطته، يعبر بالتحديد عن طموحات السيد الصادق المهدي، أي هدفه الحصري وهو حكم السودان. والحكم المقصود ليس ذو طبيعة تداولية او إدارية او خدمية، ولكنه يحمل طابع الحكم الملكي الذي يحوز كل السلطات والإمتيازات ويترك الهامش للمحكومين! وتاليا يتحول الحزب الي مجرد آلية للوصول الي الحكم، وبقية مكونات الحزب من أفراد وشعارات وبرامج ونظم، تؤول الي مجرد تفاصيل صغيرة او عوامل مساعدة للهدف الأعظم او الأولوية الأساسية السالفة الذكر! وبناء علي ذلك، يمكن تبرير او فهم البيان الإعتذاري المذل الذي أصدره الحزب. وإحتياطيا وخوفا من الخصوم وليس أعضاء الحزب، تم تذيِّله بإسم المحامي الأستاذ علي قيلوب! ولكن النتيجة واحدة، أي إذا أصدره المحامي قيلوب او أي جهة مسؤولة في الحزب(ومعلوم ان الجميع يتحرك بإشارة من الإمام)! وهي خروج السيد الصادق المهدي من المعتقل، بعد صدور هذا البيان او القبول بإصداره!! فإذا كانت هنالك مؤسسية في حزب الأمة، أو جهة مخول لها إصدار مثل هذه البيانات، وإصدرته بهذه الكيفية، فهذه كارثة وطعن في قيمة المؤسسية! أما إذا كان البيان صادر بمواقفة السيد الصادق المهدي، بوصفه هو الحزب والقائد والإمام والمسيطر علي كل كبيرة وصغيرة داخل الحزب(نوري مالكي آخر أو إمتداد لطريقة حكمه اذا ما قيض للإمام الحكم مرة أخري، وتاليا تحويل السودان الي عراق آخر، أي دولة فاشلة علي أعتاب التفكك والضياع)، وهو التفسير الأقرب لدينا، فهذه طامة كبري! وبغض النظر عن البيان ومضمونه، فصدوره بهذه اللغة الذليلة والكيفية المهينة، ومن ثم قبول تبعاته(خروج الإمام من المعتقل!) فهذا لأ يمس السيد الصادق المهدي وحده، ولكنه يمس كل الحزب والمنتمين له! بمعني، أنه لأ يمكن قبول إخراج السيد الصادق المهدي بناءً علي البيان، ومن ثم إستنكار البيان او رفضه!! بتعبير آخر، هذا البيان المُذل يمثل نقطة تحول او لحظة فاصلة في تاريخ الحزب!! أي إما الحزب وإما السيد الصادق المهدي وعائلته. فهذا ذنب لأ يغفره إلا الرحيل الطوعي او الإقالة الجبرية! بتعبير واضح، علي الأنصار إما رفض البيان المذل وتاليا الخروج من الحزب، او إجبار السيد الصادق المهدي علي الرحيل من الحزب وهو الأولي، والأفيد له شخصيا علي الأقل يحميه من شر الإعتقالات! أي لأ مكان للسيد الصادق المهدي، في حزب الأمة بعد إصدار هذا البيان او قبوله به، او خروجه كثمن علي قبوله له! لأنه كما أسلفنا، هذا البيان بصيغته الراهنة، يمس كيان الأنصار ويهين الحزب ورجالاته، وهو حزب تم إستغلاله طويلا من قبل الإمام، و تم توظيفه حصريا لصالح مشاريعه الخاصة! وبتعبير أكثر وضوح، هذه أكبر فرصة للأنصار لتخليص الحزب من السيد الصادق المهدي وأسرته، او إجبارهم علي التواجد داخل الحزب كغيرهم من الأعضاء، من غير أي صفات إضافية، فلا إضافات في حزب مؤسسي! أي إرجاع الحزب لحضن الوطن وعموم المواطنين. ولن يحدث ذلك إلا بفك الإرتباط بين الحزب وآل المهدي، الذين تغولوا علي الحزب وأفقدوه سمته الوطنية، وحولوه الي مجرد حزب عائلي بإمتياز! ولأ يمكن إنتظار السيد الصادق المهدي، حتي يرحل الي الدار الآخرة، لتحرير الحزب! لأنه في هذه الحالة أيضا لن يتحرر، وستؤول القيادة الي أحد أبنائه، والمسوغات التاريخية والمهدية علي قفا من يشيل! فإذا لم يواجه الأنصار قائدهم ويحرروا الحزب من قبضته ونفوذ عائلته، فهم أضعف من أن يواجهوا نظام بطش محترف! او يغيروا وطن او يساهموا في بناء دولة حرة ديمقراطية! فتحرير الوطن يبدأ بتحرير الحزب، وقبل ذلك تحرير النفوس والعقول، من الغفلة والسذاجة والإستغلال، لقائد أثبت فشله علي مدار التاريخ! والدليل أن حزب الأمة في عهده، أصبح متفرجا من موقع السلبية السياسية علي الأحداث، وتاليا لأ مكان لحزب الأمة في الفاعلية السياسية الوطنية والمشاركة المؤثرة في صناعة الحدث السياسي، في ظل وجود السيد الصادق المهدي وسيطرة عائلته. ورغما عن هذا التاريخ الحزين والفشل الملتصق بالسيد الصادق المهدي كجلده وأكثر، إلا انه يصر علي تحويل حزب الأمة ومن بعده الدولة، بما فيها مصير أجيالها وأحوال عبادها، الي حقل تجارب او مدرسة خاصة لتعليم الحكم له ولأسرته. ويكفي بلاءً وفشلا وجريرة لأ تغتفر، أنه السبب الأساسي في تمكين نظام الإنقاذ القاسي من السيطرة علي الحكم، ليس بالإنقلاب علي حكمه فقط (الذي لم يحافظ عليها كالقادة العظام ليأتي ويبكي علي ضياعه كافشل القادة علي مسار التاريخ! بإستغلال غفلته وسذاجته وأخطائه وفقدانه لمواهب إدارة الدولة، التي تختلف عن إدارة حزب، كل عدته السياسية السمع والطاعة للسيد الزعيم!). ولكن منذ أن إبتدر موضوع المصالحة مع الدكتاتور السابق نميري، مدشنا مرحلة الهرولة الي الشموليات ومشاركتها متع السلطة/التسلط وإمتيازاتها، علي حساب قضية الشرعية وحقوق الجماهير في الإختيار والرقابة والمحاسبة! وكل ذلك بسبب تهافته علي الإمارة وإدمانه الرئاسة وإغراءتها! ليُمكِّن الإسلامويين من موارد البلاد الإقتصادية وجهازها السياسي! وتاليا تسهيل الطريق للجماعة لممارسة هوايتها المفضلة، في نسج الدسائس والكيد للخصوم والفساد الأعمي والتربص بالحكم والدولة! بمعني إن السيد الصادق المهدي، ليس ضحية لحكم الأخوان كما قد يتوهم ظاهريا، ولكنه شريك أصيل في كل مآسيهم ودمارهم الشامل للوطن والسياسة والمجتمع، وكما أسلفنا، بسبب تهاونه وتراخيه في المحافظة علي سلطة كان ثمن الوصول إليها باهظا! وهذا إذا كانت هنالك ذاكرة شعبية حية ترفض التسامح المجاني، الذي يستغله المتسلقون ويهدموا من خلاله، ليس أسس الدولة والديمقراطية والممارسة السلمية للحكم فقط، ولكن حتي قيمة التسامح، التي صعدوا عبرها للسلطة، في غفلة من الشعوب ولحظة عبثية من الزمان! أي أن تحل محل عادة النسيان المضرة التي أدمنتها الشعوب, وعبرها ظل نموذج السيد الصادق المهدي، يمارس فعل الديمومة في فضاءنا السياسي ويتحكم في مصيرنا الوطني، بغير علم نافع وموهبة عملية ومبدأ ديمقراطي منير! ليجري علينا فقه التجارب الفاشلة وإجتهاد الحظ العاثر، ويفرض علينا دفع جزية إهدار الحاضر وإعدام المستقبل! ولأ حول ولا قوة إلا بالله. ولأ يعني كل ذلك، التدخل في الشؤون الداخلية لحزب الأمة او فرض الوصاية عليهم وعلي خياراتهم(حق لأ نملكه كما انهم أدري بمصالح حزبهم). ولكن القصد، أن حزب الأمة جزء من النسيج الوطني ومصلحته من مصلحة الوطن، وفاعليته وقوته من قوة وفاعلية الوطن والعكس صحيح!
وبالرجوع للبيان الذي أصدره حزب الأمة، وخرج علي ضوءه السيد الصادق المهدي من المعتقل هنالك عدة ملاحظات،
أولا، البيان لغته ذليلة ومسيئة للحس الوطني العام، ناهيك عن كيان الأنصار بكل تاريخه ومواقفه البطولية!
وثانيا، البيان نفسه يحمل أسلوب جديد في نهج النظام، وهو إضافة للحصار وتضييق هامش الحريات والحركة، فهو يعمل علي إلباس المعارضة ثوب المهانة والإحتقار! وهذا لأ يشكل دليل قوة للنظام، بل العكس هو الصحيح، فالتعبير عن إعلان القوة بمناسبة وبدونها، وممارسة أعلي درجات الإهانة للآخر! فهو يشير الي حالة من الخوف والقلق الوجودي، الذي يعلن عن نفسه في صورة إجراءات أمنية وعسكرية مشددة، ولغة مستفزة! ولكن نطمئنه بأنه لأ نجاة لسلطة غير شرعية مهما طال الزمن، وكفي بها إرقا أن تنام وعيونها مفتوحة وأجفانها متورمة وهي تحسب كل صيحة عليها، وهي تتسقط الشرعية وتتسول القبول والإعتراف!!
وثالثا، تحدث البيان عن قوات الدعم السريع سيئة الصيت(داعش السودانية، أو مهنتها القتل وعقيدتها الإرهاب) بطريقة ملتوية وهو يحاول ان يرفع عنها اللوم، او يبعض جرائمها كتمهيد لطمس معالمها، او بإلقاء اللوم علي نقصان المعلومات وتضاربها! والمؤسف غير أن هذا الكلام مغالط للحقائق ومناقض لحديث السيد الصادق المهدي، عن هذه القوت والذي لم ياتِ به من راسه، ولكنه متداول في الفضاء العام، وأكده القاضي أحمد هارون حاكم ولاية جنوب كردفان وأحد أفراد النظام (أحد المبشرين بمحكمة العدل الدولية)! إلا أن البيان بهذا التعبير يدين نفسه من حيث لأ يدري! لأن الإشكالية ليست في ممارسة قوات الدعم السريع وحدها، ولكن الإشكالية الحقيقية، في تكوين هذه القوات ومدي مشروعيتها وتابعيتها! وهنا مربط الفرس، أي بما أنها مجموعة لأ تستند الي أي مشروعية لأ وطنية ولأ دستورية ولأ حتي عرفية مجتمعية أو أخلاقية عامة! ولأ تخضع لأي نوع من الرقابة الحقيقية، فتاليا كل ممارساتها منافية للدستور والوطنية، وبغض النظر عن طبيعة تلك الممارسات، أي لأ شبحية مع البينة والبنية الدستورية! أي في وجود قوات كهذه، لأ معني للحديث عن تجاوزات او خلافه، والسبب بسيط وهو غياب المرجعية نفسها! وهذا ناهيك عن تكوينها المشبوه والمعادي لمصالح المواطنين، وموجه حصريا لقمعهم وإرهابهم!!
ورابعا، تحدث البيان عن القوات المسلحة او النظامية، وعن تقديره وإحترامه لها(ويفهم ضمنيا عدم تقديره لأي قوات غير نظامية تشمل بداهة قوات الدعم السريع!)، وعموما هذه الجزئية من المسلمات غير المساءلة، تحتاج الي إعادة نظر، أي بعد تخليصها من أوهام القداسة والتعالي المصطنع، والتي تُتخذ كدروع لحماية المؤسسة العسكرية من النقد وتهم التقصير او الفشل في أداء الواجبات والمهام او خيانة وظيفتها ذاتها!! بحجة حماية الأمن القومي وغيرها من الحجج الأسطوانية المشروخة، فإذا لم تحمِ نفسها بالقيام بواجبها وتحصن سيادتها بإحترام وظيفتها، فلن يحميها الصمت عليها او التقدير الكاذب الي يمنح لها مجانا! بقول آخر، هل التقدير والإحترام..الخ من القيم المعنوية، التي تمنح للقوات المسلحة او النظامية، مشروطة بإلتزامات أم مجانية؟!! أي هل تمنح كنتيجة لتقيُّد القوات المسلحة بالدستور وحماية النظام الديمقراطي المنتخب من قبل الجمهور، وحماية البلاد ضد الإعتداءات الخارجية، وقدرتها العالية علي تقديم التضحيات في سبيل الوطن والمواطنين؟! أم يتم منحها هذه المكانة تحت كل الظروف وبغض النظر عن سلوكها وممارساتها؟!! أي هل القوات المسلحة هي قوات منضبطة ولم تشارك في إنقلابات ضد أنظمة شرعية منتخبة جماهيريا، وقامت بمسؤولياتها كاملة في سبيل الحفاظ علي كل أراضي الوطن؟!! ام لم تقم بذلك؟!! وبتعبير أكثر وضوح، يجب أن يشرط الإحترام والتقدير للقوات المسلحة السودانية، ويمنح لها إذا ما صححت أخطاءها في القيام بالإنقلابات وأعتذرت عن ذلك، ومن ثم حاسبت بعض قادتها الذين إنقلبوا علي دورها، وسببوا لها كله هذه الأخطاء والجرائم في حق نفسها ودورها و شعبها، ووُضعت الإحتياطات التي تمنع تكرراها. والأهم الآن مساعدة الجماهير في الخلاص من هذا الكابوس الإسلاموي السرطاني المزمن، الذي أنهك جسد الوطن وجرد الشعب من حقوقه المادية والمعنوية! ومن ثم الإلتزام بالدستور وحمايته والدفاع عن الأرض في حالة رفض المعتدين التحكيم والإستظلال بالقانون! وعندها يصبح الإحترام فرض عين، وقبل ذلك سيكون أمر طوعي وتلقائي ينبع من داخل نفوس مواطنين كرماء يقدرون العطاء ومعني التضحية والفداء. وإلا فإنها ستنتقل من خانة الإحترام الي خانة الإدانة، لأن القضية أكبر من مجرد شعارات وكلمات باهته تؤديَّ بصورة روتنية مملة! أي بعودة القوات المسلحة الي واجبها الدستوري، يعود الإحترام للمؤسسة العسكرية والتقدير والإحترام للضباط والجنود. ولكن من الظلم بمكان نسبة هذه الجريرة الإنقلابية للمؤسسة العسكرية السودانية وحدها، فغير أن هنالك تيارات مدنية إخترقتها من الداخل وشجعتها علي هذا التعدي والإنقلاب، فهذا السلوك الإنقلابي يكاد يكون سمة تتطبع بها كل الأنظمة العسكرية في هذه المنطقة من العالم او الدول النامية ككل! أي التورط في الشأن السياسي وإحتكاره وجره لمتاهات إستبدادية، نافية لدوره ومعطلة لأمكانية معالجة أخطائه ذاتيا، ومبددة لفرص تنمية البلاد إقتصاديا. كما أنه لم يعرف عنها أنها حررت بلاد من الإستعمار او إلتزمت بنص دستور أقسمت علي إحترامه، ولكن ما يعرف عنها أكيد، أنها تورطت في قتل شعوبها ونهب ثرواتها، والدخول في دورات إنقلابات وقتال عبثي، حطم حاضر هذه الشعوب ونذر مستقبلها لمزيد من التشتت والظلام! لكل ذلك فالقوات المسلحة في هذه المنطقة من العالم تحتاج لإعادة نظر! أي تغيير في عقيدتها ودورها وتنظيمها وحدود وظيفتها! وإلا فالأرحم الإستعمار، علي الأقل عناصره أكثر تحضر من هذه الأمساخ الوحشية!
ولكن يبدو من هذا البيان الأخير، أن السيد الصادق المهدي، رجل حكم وإمتيازات وليس رجل معتقل وعذابات، فللأخيرة رجالها وصفاتها، وأولها الإيمان بالقضية والثبات علي المبدأ والموقف، ولأ يعني ذلك عدم قبول التراجع في حالة ثبوت خطأ الموقف او الإختيار! ولكن أن يكون ثمن تغيير الأقوال وتبديل المواقف، هو فقط العتق من ضيق الإعتقال ومرارة وهوان الأسر لإبن الشرفاء! فهذا ما لأ يجوز في حق القائد الحقيقي. فغير إن القائد الحقيقي يؤثر برمزيته وصلابته وفي الطاقة العالية التي يكسبها الجماهير، كقوة دفع تعينها علي صبرها وإصرراها علي نيل كل حقوقها الطبيعية. فهو أيضا بموقعه كنموذج ومثال للقيم وتجسيد للمضامين الخيرة في المجتمع، يشكل قوة معنوية هائلة تمنح الثقة وتماسك الهوية وسلامة القضية، التي يناضل من أجلها المجتمع. بل تجعل الفعل النضالي نفسه، نوع من الرياضة النفسية والروحية (كاليوقا) وتاليا المتعة الثورية والتلاحمية، هذا من ناحية. ومن الناحية الأخري، كيف يمكن تصديق قائد كهذا! يغير أقواله ومواقفه في كل مرة او بمجرد إعتقاله؟! هل القضية، قضية سياسية جادة وتاليا لها تبعات أقلاها الإعتقال والحصار؟! أم لعبة لتقضية الوقت وملء الفراغ، يدخل فيها الإعتقال كأمر عرضي او معاناة غير مقصودة او زلة لسان! أي يمكن الحديث في كل شئ ما عدا، ما يمس نفوذ وإمتيازات السلطة المُغتصِبة. أي مجاورتها وإستلطافها بدلا عن مواجهتها وإستئصالها! فأدوار كهذه لأ تحتاج لقائد ولأ يحزنون، وكل ما تحتاجه بضعة كلمات نارية، ومواقف دعائية مدفوعة الأجر! ومن ثم التمتع بالراحة في المنزل والإبتسامة أمام الكاميرات، والجوائز والزيارات في الليالي والإمسيات!
والمفارقة أن المواقف التي تساهم في صنع القادة او إنضاج مواهبهم، ومن ثم منحهم الثقة والإحترام والإستجابة. وقفها القائد إبراهيم الشيخ رئيس حزب المؤتمر السوداني(المستقلين)، ولأ نعني بذلك قبوله الإعتقال دون أن يغيير أقواله ومواقفه فقط! ولكن الشجاعة الحقيقية في أنه يعلم تبعات ما يقول مسبقا، ورغما عن ذلك، فضل قول الحقيقية في وجه سلطة جائرة وقوات عدمية، مع إمكانية أن يتجاهل الموضوع جملة وتفصيلا. بمعني، أنه فضل تحمل عذاب الإعتقال الجسدي طالما كان فيه راحة للضمير والنفس العالية، بقول الحقيقة والدفاع عن الضحايا وبالتصدي للخطر القادم من جهة داعش السودانية! أي إعتقاله كان صدع بالحق وتنبيه لخطورة الأوضاع القائمة والمصير المجهول القادم، خصوصا إذا ترك من غير تدخل للتحكم في مساراته وإرتداداته. وهذه بدوره يقودنا للسؤال، هل تكفي الإشادة فقط، بشجاعة القائد إبراهيم الشيخ وسمو مواقفه ونضالاته؟ أم تحتاج لشجاعة مماثلة من جانب الجماهير والقوي المعارضة، كنوع من الوفاء ورد الدين والتفاعل الخلاق بين القيادة الحقيقية والجماهير الحقيقية. أي بوقوف الجماهير مع القائد إبراهيم الشيخ وأعضاء حزبه، حتي يتم إخراجه من المعتقل معزز ومكرم. وذلك لأن صلابة القادة من صلابة الشعوب، او لأن صلابة القادة تأكيد علي أن الشعوب صلبة، وينقصها بعض التنظيم والإرادة والثقة لإنجاز أهدافها، وهذه ليست منح مجانية! ولكنها تمر عبر التصدي وتحرير الوطن نفسه، من قبضة سلطة تخريبية غاشمة، رهنت الوطن للحروبات التي يدفع ثمنها كل البسطاء، والفساد الذي يعود ريعه علي الخاصة! وعموما وجود وإستمرار سلطة كهذه، يعني إهانة مفتوحة للوطن ولرموزه ولكل المواطنين!
آخر الكلام
حبيبنا السيد الصادق المهدي، موقف واحد صلب وفعَّال، كتقديم إستقالتك من حزب الأمة، يُعادل عشرات الخطب ومئات الأفكار والرحلات والمساهمات السياسية الخارجية والداخلية! والسبب بسيط، وهو سن سنة حسنة ستحفظها لك الأجيال، لأن فيها معالجة لطبع الإحتكار ومرض الكنكشة الذي أقعد بالتجربة السياسية السودانية، وحرمها بيئة المنافسة الشريفة والتدافع بين الأفراد، وتاليا تنمية المواهب وتطوير القدرات، وإنعكاس كل ذلك، علي مزيد من التطور والإبداع. أي لأ إبداع من دون منافسة، ولأ منافسة في ظل إحتكار وقداسة وحقوق تاريخية مكتسبة! فالقادة الحقيقيون يصنعون تاريخهم وتاريخ شعوبهم! ولأ نامت أعين الورثاء!!
رمضان كريم، غفر الله لنا ولكم.
عبدالله مكاوي
الموضوع سقوط (إمام) و إنتحار (حزب)!!
بريد إلكتروني [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.