ليبيا واستحقاق السلام    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    قوى الحرية و التغيير – الكتلة الديمقراطية تصدر البيان الختامي لاجتماعاتها في القاهرة    شاهد بالفيديو.. يا دا سيد ريدي ما جا .. والسمك في الموردة .. "لماذا الآن" فدوى فريد    الخليفي يهاجم صحفيا بسبب إنريكي    أسطورة فرنسا: مبابي سينتقل للدوري السعودي!    الولايات المتحدة تختبر الذكاء الاصطناعي في مقابلات اللاجئين    عقار يلتقي مدير عام وحدة مكافحة العنف ضد المرأة    الداخلية السعودية تبدأ تطبيق عقوبة "الحج دون تصريح" اعتبارًا من 2 يونيو 2024    دورتموند يصعق باريس ويتأهل لنهائي دوري أبطال أوروبا    كرتنا السودانية بين الأمس واليوم)    شاهد بالفيديو.. البرهان يصل من تركيا ويتلقى التعازي في وفاة ابنه    ديمبلي ومبابي على رأس تشكيل باريس أمام دورتموند    محمد الطيب كبور يكتب: لا للحرب كيف يعني ؟!    ترامب يواجه عقوبة السجن المحتملة بسبب ارتكابه انتهاكات.. والقاضي يحذره    مصر تدين العملية العسكرية في رفح وتعتبرها تهديدا خطيرا    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    دبابيس ودالشريف    نحن قبيل شن قلنا ماقلنا الطير بياكلنا!!؟؟    شاهد بالفيديو.. سوداني يفاجئ زوجته في يوم عيد ميلادها بهدية "رومانسية" داخل محل سوداني بالقاهرة وساخرون: (تاني ما نسمع زول يقول أب جيقة ما رومانسي)    شاهد بالصور.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبهر متابعيها بإطلالة ساحرة و"اللوايشة" يتغزلون: (ملكة جمال الكوكب)    شاهد بالصورة والفيديو.. تفاعلت مع أغنيات أميرة الطرب.. حسناء سودانية تخطف الأضواء خلال حفل الفنانة نانسي عجاج بالإمارات والجمهور يتغزل: (انتي نازحة من السودان ولا جاية من الجنة)    رسميا.. حماس توافق على مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    لحظة فارقة    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    كشفها مسؤول..حكومة السودان مستعدة لتوقيع الوثيقة    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دقيقة المؤتمر الوطني : وقيامة السودان
نشر في السودان اليوم يوم 03 - 01 - 2015


الفريق أول ركن
محمد بشير سليمان
تمر الدولة السودانية بأدق مراحل بقائها وذلك بتعدد مهددات امنها الوطني والتي يتقدمها نظام حكم المؤتمر الوطني الذي تسبب في غيرها من مهددات وطنية، إذ أدى وبمفهمومه الخاطئ لإدارة الدولة إلى ضعف وحدة الصف الوطني الذي مارس فيه سياسة التفريق والتفكيك والتجزئة، ونخر فيه بسياسة الإحتواء والإستقطاب والترغيب والترهيب والتمييز فتقطعت أوصال نسيجه الإجتماعي، وتشظت أحزابه السياسية، وتجزأت الحركات المسلحة فانتجت العشرات من الحركات، ومابات في الوطن جسم موحد ومتحد يدفع عنه الاذى ويحميه من مخاطر الزوال. هذه الحالة التي لم تتم عشوائياً لكنها كانت عبر تدبير محكم هدف لأن يمكنّ لهذا الحزب ليحكم لقرون كما كانت الأمم الأولى وذلك قول قادته، تجاوزاً للقدرة الإلهية التي تؤتي وتنزع الملك، ولتحقيق ذلك جاء التأسيس لايقاد نار الصراع السياسي الوطني بمفهوم احادي إقصائي دون إستيعاب لقضايا إختلاف الفكر والمبادئ والمنهج التي أصلاً لن تكون مدركة لمخططيه ومنظريه تجاهلاً أو قصداً لعدم إعتبارية الحالة السياسة السودانية متعددة الفكر والمشارب بنشأتها المعروفة منذ الإستقلال، ثم فشلاً في إدارة التعدد والتنوع الثقافي الذي يرتكز عليه بناء الصف الوطني الواحد حيث تتحدد الهوية التي تعالج مشكلة التمييز الوطني وتخرج الوطن من أكبر مهدداته، وذلك حين يصبح الإحساس لكل سوداني بانه يمثل الرقم الأول في النسيج الأجتماعي، ولأن تحقيق ذلك يوقف الصراع السياسي المسلح الذي يجري الان في مناطق الهامش ولا يوجد من الموانع ما يوقف تمدده، وبما يؤدي لتكرار نموذج إنفصال جنوب السودان، وضرورة إعتبار هذا ليصبح هدفًا استراتيجيا في إطار الهدف الاستراتيجي القومي "الحفاظ على وحدة السودان"، لأن الحرب التي تجري في منطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور تمثل أكبر مهددات بقاء الوحدة السودانية من حيث أسباب قيامها ومطلوباتها، من حيث إنها تحولت لقضية قومية بالرغم من تجاهل النظام القائم لذلك، ثم هي ذات أبعاد اقليمية ودولية يتم من خلالها تحقيق مصالح وإستراتيجات الدول التي تدعم قوى الجبهة الثورية وفي ذلك نشهد ومنذ إنفصال جنوب السودان وفقاً لإتفاقية السلام الشامل تعثراً ان لم يكن فشلاً في مباحثات السلام بين الحكومة والحركة الشعبية – قطاع الشمال، ويعزى ذلك لتقاطعات ما ذكرت سابقاً ولفقدان الثقة في المؤتمر الوطني وحكومته من قبل الحركة الشعبية – قطاع الشمال بناءً على تجارب الماضي في عدم الإيفاء بتنفيذ الإتفاقيات السابقة مع الحركات المسلحة وبما أدى لأن تتطور قضيتي المنطقتين بطلب الحكم الذاتي، ويُعزى ذلك لجمود طرح الحكومة وإفتقاده لتقديم الجديد والقدرة على المباداة والمرونة حيث تطلب السياسة الفن في ذلك تقديماً للبدائل، في الوقت الذي تمتلك فيه الحركة الشعبية – قطاع الشمال – تقديم البدائل والجديد، والذي قد يصل إلى منصة طلب حق تقرير المصير من خلال الجبهة الثورية ليشمل دارفور، والعالم لا شك متهيئ لذلك بل سيكون مسانداً له بحكم أن حق تقرير المصير أصبح حقا مشروعاً للشعوب في ظل النظام العالمي الجديد، وأن يأتي هذا الطلب في ظل الإستراتيجية الأمريكية لتفكيك السودان، فذلك هو الأخطر، ومن ثمّ يصبح مطلوبا من حكومة المؤتمر الوطني الادراك بأن قضية الحرب في السودان قضية قومية، وليست أحادية تتمثل فيه، وذلك ما يؤكد أهمية جمع الصف الوطني وجعله عاملاً حقيقياً ومشاركاً في محادثات السلام مع القوى المسلحة، إذ أن الوطن شأن كلي لا يمكن تبعيضه وإختزاله عند المؤتمر الوطني وحكومته.
كما أن المطلوب من المؤتمر الوطني هنا أن يفكر بمفهوم الدولة تجاوزاً لمصالح الحزب، ومن ثمّ إدراك أن سياسة النفير والحرب ما باتت تُجدي والتاريخ شاهد على أنها ليست الوسيلة المثلىى ولا العقلانية لمعالجة قضايا الصراع السياسي اللهم الا اذا كان المؤتمر الوطني يؤسس لاهلاك الحرث والنسل ليحكم وحده، لذا فأن التفكير العلمي العقلاني المحايد وهو ينظر إلى الدولة السودانية في ظل الحالة الصراعية الماثلة الآن، يجد أن هذه الدولة ما باتت مؤهلة لتوصف بالدولة السيادية ذات الكيان السياسي والإطار التنظيمي الناظم لوحدة المجتمع وحياته وموضغ سيادته، إذ نجد أن السودان قد ابتعد عن هذا المفهوم كثيراً في ظل حكومة المؤتمر الوطني فاقدا الهيبة، حيث بات منقوصا في حدوده الدولية، فحلايب محتلة واقعاً، ونتوء ارقين غير مسيطر عليه، وحدودنا مع دولة جنوب السودان ما زالت في إنتظار تحديد الخط الصفري، والفشقة متنازع عليها لدهر مضى ومازالت، وأبيي متصارع فيها، وفي الداخل تحتل الجبهة الثورية مساحات كبيرة في المنطقتين ودارفور، وللملشيات القبلية وغيرها أمكنة لا تتم السيطرة عليها، وقوات اليوناميد واليوناميس لها موطئ قدم وسكن ثم كاد السودان ان يكون تحت الوصاية، فما أكثر المناديب والمراقبين والممثلين الدوليين والاقليمين المفروضون علينا ((الأمم المتحدة ومجلس الامن الدولي، والمنظمات الدولية ذات العلاقة في مجال العون الإنساني، مجلس حقوق الإنسان، الاتحاد الأوروبي، دول الترويكا، المندوب الروسي، الممثل الصيني، الإتحاد الأفريقي، مجلس السلم الأفريقي وامبيكي، الجامعة العربية ...الخ))، فهل بقى من هيبة لدولة وسيادة لنحسب من بين الدول الفاعلة في المجتمع العالمي.
ومتى يتم إدراك هذا الخطر والمهدد الوطني، أي كيف تستعيد الدولة رمزيتها وعزتها، وذلك ما يحتاج لفكر الدولة وإستراتيجية الامن الوطني وفق صياغة ومفهوم جديدين تلعب فيهما وحدة الصف الوطني والحكم الديمقراطي الشفاف العامل الأساسي تجاوزاً لهذه المهددات وإلا فالحالقة، تتكامل كل هذه المهددات مع معضلة السياسة الخارجية التي وضعت السودان في عزلة إقليمية ودولية باتت تخنقه، إلى درجة الموت، وغاب التخطيط لإستراتيجية سياسية تنطلق من قراءة سليمة لواقع وحقائق ومطلوبات البيئة الإقليمية والدولية في ظل النظام العالمي الجديد ومصالح دوله، محصنة بفقه التقية، ومبتعدة من سياسة المحاور إلى إستراتيجية المصالح الوطنية، وبما يمكنها من تدارك المهددات التي تواجه السودان الآن، وتساعد في إحتواء ومعالجة مشاكله الأمنية والسياسية والإقتصادية، مع قدرة في المناورة والمرونة، وذلك ما عجزت عنه حكومة المؤتمر الوطني فقادت السودان لمآلاته الحالية تقاطعاً حقيقاً مع السياسة العالمية بما أدى لأن يهدد بحالة التلاشي من خارطة العالم، إن لم يتم تدارك ذلك ، إذ نجد أن ذات السياسة الخارجية غير الفاعلة باتت جزءاً رئيسياً من الأزمة الإقتصادية التي يعيشها النظام الحاكم الآن، وبسببها انطوت بطون الناس بسبب الجوع في حين أن جيوب الاخرين تمتلئ بالدولار الذي بسبب سوء وخطأ السياسة الخارجية يحظر تحويله حتى لعلاج فقراء الوطن، وتصيب تخمة الشبع وبحبوحة العيش بطون الثلة الحاكمة في حين نجد أن اغلب مواطني السودان الذين أعيتهم مطلوبات الحياة قد تركوا الريف والقرية وجاءوا إلى المدينة التي لا ترحم عزتهم وشرفهم.
جاءوا إلى المدنية هروباً من ضنك وبؤس الريف، فوجدوا المدنية الفاسدة الظالم سلطانها، فحزنوا وتحسروا على ماض وتاريخ بات إلى زوال، خاصة حين علموا أن دولتهم تصنف عند منظمة الشفافية الدولية بثالث (الطيش) العالمي في الفساد والفشل والتعاسة التي يعيشونها واقعاً، وبالرغم من ذلك كانوا املين ان تتحقق اهداف الشعب السوداني تعلقا بما جاء في وثبة الحوار الوطني ترقباً لمخرجاته عشما في ان تفضي إلى إنتخابات حرة ونزيهة في ظل ديمقراطية تستوعب كل الناس تحت شعار (السودان وطن يسع الجميع). ولكن كان ذلك عشم ابليس في الجنة. إذا ان مسارات الحوار ومخرجاته الى الان اكدت للمجتمع السوداني وبكل طوائفه أنه كان في حالة خدر السياسة وخداعها وتضليلها عبر ما أطلق عليه الوثبة، حيث تاكد ان المؤتمر الوطني عندما اطلق الوثبة كان يهدف منها الى تهيئة ذاته اعداداً وترتيباً للإنتخابات بعد ان شغل الناس وتركهم في وحل الوثبة ليعلن في لحظة من الزمن تاكيده الجازم بأن لا يحكم معه أحد تاركاً الحوار لمن آمن به وصدق خدعة في الدين معلناً بانه لن يؤخر الإنتخابات ولو (دقيقة واحدة)، متجاوزاً مهددات الوحدة الوطنية وبقاء الدولة السودانية التي وإن تقلص حجمها الى حجم قرية فذلك لا يهم المؤتمر الوطني مادام سيكون حاكماً لهذه القرية، ومن بعد ذلك فلتقم قيامة السودان التي بدات اشراطها. وذلك ما سوف أواصل الكتابة عنه في الجزء الثاني باذن الله، وإلى ان نلتقي أترككم وقراءة سورة الفجر واستيعاب معانيها والسلام.
.......................................
(2)
تحدثت أخي القارئ في الرسالة الأولى عن الحال الوطني الذي تمر به الدولة السودانية ومهددات وحدتها، والتي يمثل نظام حكم نظام حزب المؤتمر الوطني الدكتاتوري أخطرها، مبيناً انه يخطط لإستمراريته في إدارة الدولة السودانية بمفهوم حزبي إقصائي ليعيد من خلاله إنتاج تجربته السابقة عبر تأكيده الجازم بألا يؤخر الإنتخابات ولو "دقيقة واحدة" وإن قامت قيامة السودان، متجاوزاً لمخرجات الحوار الوطني الذي حدد إمكانية إستمراره بعد إنتهاء الإنتخابات؟!، علماً بأنه الذي طرح فكرة الوثبة وأسبابها التي عجز أن يجد لها حلولاً ومعالجات دون تكامل ووحدة الصف الوطني، ولعله إستفاد من مفهوم الوثبة في مجال العلم العسكري، والتي تُعرف بأنها "عبارة عن هيئة ذات طابع تكيتكي تقع على محور تقدم القوات المتقدمة، أو على جانبيه، يمكن لهذه القوات إحتلالها والإنتظار بها إذا صدر لها أمر بذلك تماشياً مع الموقف العملياتي ولضبط التقدم" وإذا علمنا أن التكتيك يمثل جزءاً من الإستراتيجية بحيث يتم الإنتقال عبره إلى حقل الإستراتيجية من خلال الإنتصارات المتتالية، فذلك يعني أن "الوثبة" التي أعلنها المؤتمر الوطني في السابع والعشرين من يناير 2014م، الإ كذلك تخطيطاً يتحقق من خلالها " الهدف الإستراتيجي" المتمثل في الفوز بالإنتخابات آحادياً" وذلك عبر إدارتها بمراحل زمنية تضليليه، يتم فيها التخطيط والترتيب الحزبي، إلى حين بلوغ أجلها والخدعة الأكبر فيها التخطيط لدفع ما يُعرف بأحزاب الوحدة الوطنية للمشاركة فيها ترغيباً بثمن بخس بهدف منحه غطاء المشروعية، وأحسب أن المشاركة بهذا المفهوم لا تعدو عن كونها إنتكاسة وطنية لأنها تؤسس لمزيد من تمكين المؤتمر إنتاجاً لأسوأ تجربة سياسية عاشها السودان عبر مراحل الحكم الوطني منذ إستقلاله وبما يؤدي لتفكيك وذوبان الدولة السودانية، وحتى تتضح خطورة ما تحدثت عنه، وقبل أن أخوض في وحل "الوثبة" لا بد من بيان حقيقة موقف حزب المؤتمر الوطني من *الديمقراطية* وقبوله بها كمنهاج للحكم، بحسبان أنها تمثل قمة مطلوبات الحوار الوطني لأن إيجابية المؤتمر في هذا هي التي تؤسس لجديته في الحوار الوطني وتؤدي بالقوى المعارضة للدفع في إتجاهه، وإلا فلا مسوغ لتضييع الوقت في ما لا طائل منه والبحث عن بدائل أخرى للتغيير والتي يأتي في أولها التخطيط منذ الان لرفض ومقاومة قيام الإنتخابات التي خطط لها المؤتمر الوطني، والذي بواقع الممارسة والتجربة السياسية يمكن وصفه بانه حزب لا يوفي بالمواثيق والعهود، فهل منتظر منه أن يستوعب قناعة إمكانية تشاركية السلطة وإدارة الدولة بينه والمعارضة في بيئة ديمقراطية يتم العهد فيها تواثقاً مع القوى السياسية والمجتمعية السودانية على أهداف إستراتيجية وطنية وفقاً لمخرجات الحوار الوطني، بعد أن أسس الدولة العميقة التي تجذرت فيها روح الديكتاتورية، وذلك معني به في المقام الاول الأحزاب التي يستغلها المؤتمر الوطني لتحقيق مشروعيته الإنتخابية والتي عليها مراجعة مواقفها من السير تبعاً لهوى المؤتمر المؤتمر الوطني. وتعزيزاً لما سقته بشأن عدم إيمان المؤتمر الوطني بالديمقراطية، فإن الوقائع المبينة بعد تؤكد هذه الحقيقة، إذ هو حزب يبني سياسته في الحكم وإدارة الدولة على إستراتيجية التفكيك وإضعاف القوى السياسية المعارضة وذلك ما أنتج ما يُعرف بأحزاب الوحدة الوطنية مستغلاً ضعف بعض القيادات الحزبية ذات المنظور الخاص لمطلوباتها في حين إن قوة السلطة والحكم تتطلبان قوة المعارضة الوطنية بقدر ما مطلوب ذلك في الحزب أو السلطة الحاكمة، هذه الاستراتيجية التي إستطاع أن يفكك بها الحركات المسلحة ويجزئها، ليحصد نتائج حرثه مزيداً من الصراعات والتفكك الذي أصبح مؤثراً على تجميع هذه الحركات في الإتفاقيات التي تمّ توقيعها مع أجزاء منها؛ كما أن الديمقراطية الراشدة والحكم الشفاف لا تظهر فاعليتهما الا في بيئة صراع الارادات القوية، وذلك ما تنفيه الرؤية التنظيمية لحزب المؤتمر الوطني، حيث يبرز التناقض والتضليل ما بين التنظير والتطبيق إذ تقول هذه الرؤية " تعزيز بناء حزب *المؤتمر الوطني* قوي ومنظم وفق مؤسسية قادرة على تحمل عبء التحول الديمقراطي بكل ما يحويه من وعي وثقافة ديمقراطية وحريات لا تجانب يتحلى بالدقة والمرونة، متكيف مع البيئة، وقادر على الإستقطاب الجماهيري ومجيداً لفنيات العملية الانتخابية" وذلك ما تؤكده الحقائق المعاشة واقعا معكوسا اذ نجد ان تحول الرؤية بشان المفهوم نحو حقيقة التحول الديمقراطي يعتبر مفهوما كاذبا في مجال الواقع، كما نجد أن إجادته لفنيات العملية الإنتخابية حقيقة ماثلة من حيث القدرة على التزوير والغش علما بان الكذب وخداع السياسة لا يصمدان طويلاً في وجه الحقيقة، إذ نجد استراتيجية المؤتمر الوطني الإنتخابية تتناقض تناقضاً بيناً مع رؤيته للديمقراطية إذ تتحدث هذه الإستراتيجية عن ان المرحلة القادمة تمثل ((مرحلة التمكين الكبرى)) التي يتطلب تحقيقها الفوز بالانتخابات إقصاءً للآخرين، وهذا ما يعني عدم الإيمان القاطع للحزب بالمشاركة الديمقراطية، وبهذه الرؤية التمكينية الإقصائية أعد خطته الإنتخابية عبر مجموعة من الإجراءات يتم تنفيذيها عبر الحركة الإسلامية، وواجهات الدولة الدعوية والمنظمات الإجتماعية والفئوية والنظام الأهلي والصوفي وصولاً حتى ربات البيوت، مع الاستيعاب الإستقطابي لها عبر إستراتيجية إعلامية تستغل فيها كل وسائط الدولة الإعلامية، متبوعة بإجراءات إدارية وتنفيذية بشأن الإنتخابات. تحقق فيها حتى الآن تعديل قانون الإنتخابات وإعتماده كمرجعية إنتخابية يتحقق من خلاله تأمين نجاح خطة الحزب الإنتخابية، ويعضدد ذلك إعادة ترسيم الدوائر الإنتخابية وتخطيطها وفق الثقل السكاني لعضويته مع تجزئة الثقل الإنتخابي لقوى المعارضة، وتحديد اللجان التي تشرف على الإنتخابات مع موالاتها للحزب عبر مراجعتها مع الإجهزة الأمنية، في حين يتم إبعاد غير الموالين أو المشكوك فيهم عبر النقل أو التكليف بمهام أخرى، وتستكمل هذه الخطة بإعادة تكوين المفوضية القومية للإنتخابات لصالحه تحديداً حتى لأسماء الجهاز الإداري والتنفيذي لها، ثم الإتفاق مع المفوضية على الجدول الزمني لتنفيذها إعتبارا من تاريخ فتح السجل مروراً بطلبات الترشيح، الاقتراع والفرز في الفترة ما بين إكتوبر 2014م وأبريل 2015م، مع معارضة أي فكرة لمقاومة ذلك، ولعل القارئ والمتابع يعيش مسار خارطة طريق الخطة بحسب ما تم تحديده والتي أسس فيها حزب المؤتمر الوطني لإجراءات خطيرة تتنافى وشرف المنافسة الديمقراطية الشفافة وذلك بتدبيره من الان في الطعن في غير الموالين، وأن يقوم بتأمين المراكز وصناديق الإقتراع ونقلها!؟ والسؤال الأخير والمهم الذي أطرحه في آخر *دقيقة* من حديثي هذا وقبل أن تقوم قيامة السودان يتمثل في : " لماذا هذا الحشد والتجييش إعداداً للقوة لتأمين الإنتخابات والإعلان عنه بصورة يشتم منها رائحة الإنذار والتخويف وهل هذا مطلوب بصورته المعلنة إذا أسس المؤتمر الوطني لإنتخابات تتم وفقاً لمخرجات الحوار الوطني إذا كان الحزب مؤمناً بالديمقراطية وقابلاً لنتائجها، حيث يستبعد التهديد الأمني لإداراتها بحسبان أن كل القوى السياسية الوطنية بما فيها الحركات المسلحة سوف تكون مشاركة فيها، إذ ان هذا هو التأمين الحقيقي لها وللوطن قبل أن تقوم قيامة السودان. ونواصل أخي القاري في الحلقة القادمة عن وثبة المؤتمر الوطني؛ وحتى نلتقي فلنقرأ جميعاً سورة الزلزلة نفعنا الله بها.
..............................
(3)
بينت أخي القارئ في رسالتي الثانية مفهوم الوثبة من منظور تكتيكي وإرتباطه بحقل الإستراتيجية, كما أبرزت مدى قناعة المؤتمر الوطني بالديمقراطية كأحد أهم مطلوبات الحوار الوطني السلحفائي، معدداً مجموعة من الأسباب والإجراءات التي قام وسيقوم بإتخاذها تأكيداً لمنهجه الديكتاتوري مجانبة للديمقراطية, وبما يعزز عدم مصداقية الوثبة الحوارية التي ما فتئ يتحدث عنها تضليلاً وخداعاً سياسياً ما بات ينطلي على أهل السودان. وتأتي هذه الرسالة عن الوثبة إستكمالاً لبيان ماهيتها حقيقة ومآلاتها، محدداً مدى قدرتها بواقع الحال في إحتواء ومعالجة الأزمة السودانية التي تخنق الوطن وتشده من أطرافه، ولعله من العقل والمنطق أن أبين ماكان على المؤتمر الوطني واجباً التأسيس له قبل إعلان الوثبة، والذي يتمثل في القيام بتحليل إستراتيجي سياسي، أو كما متعارف عليه تقدير موقف سياسي إستراتيجي تتم فيه دراسة البيئة الداخلية والخارجية بكل عوامل تأثيرها على الدولة السودانية، حتى كادت أن تفرغها من مفهوم الدولة ضعفاً في كل شئونها، وبما يؤدي لأن تفقد بقاءها، حيث تبين هذه الدراسة أهم القضايا والمحاور الإستراتيجية ذات العلاقة بهذا البقاء، ويتم من خلالها تحديد الخيارات ووسائل وطرق المعالجة والتي يتمثل أهمها في تحديد مهددات الأمن القومي من حيث مدى قوة الصف الوطني الكلي ووحدته تماسكاً تجاه المهددات الوطنية، وماهي نقاط الضعف التي تمثل العثرة في أن يقف هذا الصف مدافعاً عن الوطن، ومن الجانب الآخر لماذا تتباطأ سلطة المؤتمر الوطني التي تتحدث عن إعدادها لورقة إصلاحية وطنية من المفترض أن تكون متضمنة لهذا البعد الإجتماعي الوطني ودوره في الحفاظ على الأمن الوطني وحمايته، ومن ثم لماذا تتركه واقفاً في فضاء السودان الواسع, ومقيداً بسلحفائية الحوار الوطني, دون حشده بدافعية السرعة ليخرج خبأه توافقاً وتواثقاً وطنياً من أجل معالجة القضايا الوطنية, مع ضرورة إدراك أن مهددات الأمن الوطني لا يجب أن يتم حصرها في قضية الصراع مع الحركات المسلحة، وإن كانت تمثل الأخطر فيها، وما مطلوب أن يدركه المؤتمر الوطني هنا في أن هذا الصراع يمثل أكبر مهددات القدرات الوطنية البشرية والإقتصادية، ثم وبحسب أنه صراع سياسي لا يمكن أن تحقق فيه الحرب إنتصاراً، والتاريخ يعطينا العبر والنتائج في ذلك، ومن بيننا واقعاً حياً الحروب التي جرت وتجري الآن في العراق، وأفغانستان، والحرب الإسرائيلية الفلسطينية، وفي داخلنا محرقة دارفور التي أوردها الباشمهندس عثمان ميرغني في تحقيقه التوثيقي المميز بعدد بصحيفة التيار رقم 1185 بتاريخ 16 ديسمبر عن (من ضيع السودان) ذاكراً ما جاء على لسان الفريق أول ركن إبراهيم سليمان وما أوردته صحيفة الشرق الأوسط اللندنية على لساني في العام 2003م عندما كنت ناطقاً رسمياً للقوات المسلحة منبهين إلى أن حل مشكلة دارفور سياسي ولن يتحقق بقوة السلاح, ولأن حديث "القصير" ما بتسمع، مازالت المحرقة في دارفور مشتعلةً نارها ولا يعلم متى تنطفئ, وذلك ما يدعو للجوء لإستخدام القوة الناعمة بكل أنواعها بحثاً عن المعالجة, تداركاً لمآلات الحرب، وذلك ما يعضد ضرورة وأهمية الحوار الوطني كهدف إستراتيجي إخراجاً له من ميدان التكتيك والخداع السياسي, معالجة للأزمة الوطنية التي فشل المؤتمر الوطني وحكومته القدرة في ذلك، والسؤال المنطقي الذي أطرحه هنا "من الذي يفكر للمؤتمر الوطني وحكومته لإدارة الدولة وأزماتها، وأين موقع الجامعات ومراكز البحوث والدراسات الإستراتيجية، والعلماء والخبراء والمستشارين من ذلك؟ " والإجابة مع قراءة نتائج الواقع " لا أثر أو وجود لهم" وذلك ما جعل أمرنا الوطني في حالة من "التوهان" أيضاً فإن هذه الدراسة مطلوب منها أن تحدد الهدف القومي للدولة، والذي يجب أن يراعي في تحديد عامل الإمكانيات الذاتية للدولة والتي تمثل أحد أهم عوامل القوة الوطنية، وذلك ما يؤطر لتأثير الدولة في البيئتين الإقليمية والدولية، وكمثال نجد أن فاعلية الدولة وإسهامها المؤثر في الوساطة لفض أو إحتواء الصراع بين دول جوارها لن يكون ذو تأثير إذا لم تكن الدولة تمتلك القدرة النابعة من إمكاناتها، فهل حكومة المؤتمر الوطني تمتلك قوة التأثير والفعالية في ذلكم بالرغم من أننا نراها تبحث لها عن دور في قضايا البيئة الإقليمية؟ ويتكامل مع الهدف القومي تحديد المصلحة القومية التي لا تنفك عنه, ويتم من خلال مفهومها بيان الغايات التي يتم التخطيط لتحقيقها، مع إعتبار ملاءمتها مع مصالح الدول الأخرى, من منظور تحقيق الأهداف القومية والإستقرار الوطني, وتأمين سيادة الدولة، والذي يحار فيه أن المؤتمر الوطني وحكومته لم يرد في بالها أهمية هذا الإستقرار، فما خرج الوطن من أزمة إلا وأدخل في أزمات أخرى, مع إستمرار قضية الحرب كعامل أساسي في اللا إستقرار الوطني حتى صار المواطن السوداني مذهولاً ومصاباً بما يعرف بعصاب الحرب، مؤثراً في نفسه ومعطلاً لقدراته المعدومة. ولأن المؤتمر الوطني ملأ الدنيا ولم يقعدها بورقته الإصلاحية، تصبح من أهم مخرجات هذه الدراسة معرفة موضوعات الإصلاح المؤسسي التي جاءت بها الورقة ليتم من خلال تطبيقها إعادة هيكلة وبناء مؤسسات الدولة القومية، التي تأثرت بعوامل الهدم الممنهج، فما باتت قادرة على أداء واجباتها، ثم القيام بالإصلاح السياسي الذي لم نرى له وميض نار, ويكفي شاهداً على نتائج الفساد الذي إستبان من خلال الحزب ذاته عند تنفيذ خطة بنائه التنظيمي والتي أدت خلاصاتها إلى تعديل الدستور بهدف تعيين الولاة تضييقاً للديمقراطية وعودة لقبضة السلطة المركزية والتي تعني الديكتاتورية بعينها. إن ما ورد ذكره يمثل جزءاً من مخرجات التحليل أو الدراسة الإستراتيجية التي لو أعدها المؤتمر الوطني، حقيقة وعلم بها لما جعل من الوثبة هدفاً تكتيكياً يراوغ به الشعب السوداني، ويدفن به الحوار الوطني، لأن التهديد الوطني القادم أكبر من أن يحيط به لوحده، بل للدفع به للقرار بمعالجات جادة وحقيقية في أدناها تهيئة بيئة الحوار الوطني لقوى المعارضة السودانية الداخلية والمسلحة، في إطار مطلوبات حماية الأمن الوطني، وتحديد الهدف القومي وربطه بالمصلحة القومية دفعاً للحوار، وتأكيداً لمصداقية السياسة, ولكن هكذا حال الحزب الديكتاتوري تلاعباً بالوقت، والذي لو تعامل معه بمفهوم "الدقيقة الواحدة" حسناً في إدارة الوقت بشأن الوثبة لكانت مخرجات الحوار الوطني تعيش واقعاً بيننا نتنفسها حرية وديمقراطية، وصفاً وطنياً متراصاً ودولة وطن ومواطنة, وحكماً عادلاً، وشفافاً، وهوية نعتز بها، ولكنها دقيقة "الخمسين ألف سنة" دقيقة القيامة وخراب الوطن, وصدق من قال "خربانة أم بناياً قش" وما أظن أن التدمير والخراب الذي أصاب عمارات القش؟!! سوف يصيب البنايات والعمارات الأسمنتية، ولو من باب معنى "التطاول في البنيان" وإلى أن نلتقي في الرسالة الرابعة وحديث "الوثبة" أستودعكم الله أملاً في أن نلتقي قبل أن تقوم قيامة السودان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.