أجندة جريئة. أين أنتم ياحكومة..!! هويدا سر الختم منذ سنوات طويلة اعتدنا على رؤية المتسوّلين من بعض دول الجوار الذين ينتشرون في العاصمة ويستخدمون معنا مختلف فنون التسول.. تارة باستدعاء عاطفتنا عن طريق حمل أطفال حديثي الولادة والتسول بهم وتارة عن طريق اعتراض الطريق من قبل فتيات وفتيان صغار السن لا يفسحون لك المجال حتى تنفق عليهم ما في جيبك.. غير أن الزمان جار على شعب السودان الحبيب الذي عرف عنه التعفف في أصعب لحظات الضيق فأصبحنا نرى رجالاً ونساءً بل شباباً تحملهم الحاجة التي فاقت حدود الصبر للخروج إلى الشارع والبحث عن من يمد لهم يد العون.. فمنهم من ترك أطفاله في المنزل يتلوّون من الجوع.. ومنهم من أهلك الداء بدنه فلم يستطِع الصبر معه على شدة الفقر وهو لا يملك ثمن تذكرة الوصول إلى أقرب مركز صحي حكومي.. بل شباب أصحاء فشلوا في إيجاد عمل يرتزقون منه ولم يجدوا بداً من إهدار كرامتهم على الطرقات.. لا أظنكم تنتظرون مني ذكر حيثيات ضياع تعفف الشعب السوداني واندثاره على الطرقات.. الكل يعلم مآلات الحال بعد أن أغلقت المصانع أبوابها حينما أثقلت الرسوم والضرائب كاهلها وحينما جفت المزارع والحقول بعد أن سكن أهلها السجون.. وحينما طرد الوافدون الجدد على الأسواق كل من كانوا يرتزقون منه.. وحينما رفع شعار تمكين القلة على حساب الكثرة.. وأخيراً حينما هبط سعر المواطن السوداني هبوط (الجنيه أبوعمة). قصص كثيرة عن خروج أبناء وطننا إلى الشوارع لسدّ حاجتهم بعد أن حار دليلهم يشهدها يومياً الذين يرتادون المساجد (رجل طاعن في السنّ يقف في منصة الإمام وقد نكس رأسه على الأرض وانحدرت دموعه مدراراً يطلب العون من المسلمين وقد انغرزت سكين حادة في صدر كرامته). ما أصعب دموع الرجال.. مشهد آخر (امرأة شابة اخذت الإمام جانباً، وقد غطت نصف وجهها في منازعة ما بين التعفف والحياة والحاجة. ترجوه مناشدة المصلين لدعمها).. وآخرها ما دعاني للكتابة عن هذا الأمر الذي أصبح يهدد كيان المجتمع السوداني بأكمله.. أهلنا الطيبون اضطرتهم الظروف لقرع أبواب المنازل والتسوّل.. في منزلي تكرر المشهد أكثر من مرة.. يقرع جرس الباب فإذا بنا أمام وجوه سودانية (أولاد ناس). يطلبون العون والمساعدة ويسبقونها بالأعذار التي يرتقون بها كرامتهم الممزقة.. ذات يوم قرع جرس الباب. فتحت الخادمة الأجنبية التي لا تعرف من اللغة العربية إلا القليل.. وجدت نفسها أمام شابتين مهندمتين من بنات البلد.. إحداهما قالت لها: استدعي لنا صاحبة المنزل.. خرجت عليهما طلبتا المساعدة في منتهى الخجل، وهما ينكسان رأسيهما إلى الأرض.. دعوتهما إلى الدخول وقمت بواجب الضيافة ثم أخذت أتجاذب معهما أطراف الحديث بإحساسي الإنساني أولاً ثم الصحفي الذي سيطر على الموقف. عرفت منهما أن شقيقتهما شفاها الله تعاني من السرطان، وتجرى لها جلسات بالعلاج الكيمائي وأن الأسرة لم تستطِع مجاراة العلاج وفي ذات الوقت لا يستطيعون النظر إلى شقيقتهم وهي تعاني من آلام المرض وهم عاجزون.. قلت لها ولكن هذه الطريقة غير مجدية وغير كريمة ألم تذهبوا إلى ديوان الزكاة أو الرعاية الاجتماعية أو.. أوقفتني الفتاة وقالت لي بربك لا تذكريني بتلك الجهات التي عجزت حتى أن تقدم لنا الاحترام والتقدير.. لن أسرد التفاصيل المؤلمة التي سمعتها عن رحلتيهما في سبيل البحث عن الدعم من جهات حكومية.. ولكني أوجه خطابي إلى أولي الأمر منا.. أين اللجان الشعبية في الأحياء، لماذا لا تتبنى مثل هذه الحالات وتنوب عنها في التسوّل من أموالنا في الزكاة وغيرها من أموال الشعب. أين أنتم يا حكومة. التيار نشر بتاريخ 20-08-2011