سؤال قد تحتاج الاجابة عليه الى ما هو اكثر من مقال وهو عنوان اقتبسته من اسم كتاب للاديب علاء الاسوانى ( لماذا لا يثور المصريون ؟ ) و الكتاب نفسه عبارة عن سلسلة مقالات نشرت قبل ثورة 25يناير حاول من خلالها د. علاء الاسوانى ان يجيب على هذا السؤال من خلال طرح و تناول عدة نواحى و عوامل سياسية و اجتماعية و نفسية عاشتها مصر على مدى اكثر من ستين عاما من الحكم العسكرى المتواصل تعرض فيها المواطن المصرى لشتى صنوف القمع و الاستبداد . و تعتبر سلسلة المقالات الجرئية تلك التى طرحها الاسوانى قد ساهمت بشكل حقيقى و فعال فى ميلاد ثورة 25 يناير. و اليوم و بعد مرور 25 عام على حكم نظام فاشل و مستبد و فاسد.. و قبل كل ذلك فاقد للشرعية و اجهض الديمقراطية التى اتت فى اعقاب انتفاضة شعبية مجيدة و سلب ارادة الشعب .. اطرح نفس سؤال لماذا لا يثور السودانيون..؟ و احاول ان ابحث عن اجابة فى ظل المتغيرات الاقليمية الكبيرة التى احدثها ما يعرف بالربيع العربى الذى ظهر اسلاميا فى بدايته ( تونس مصر ليبيا ) لكن سرعان ما تبدل الحال و بدأ نجم الاسلام السياسي فى الافول والتراجع بعد نهاية حكم الاسلاميين فى مصر على يد الرفض الشعبى والمد الثورى (معقل الاسلام السياسى ) و نفس الامر قد تشهده تونس قريبا فى ظل المطالبات الشعبية الواسعة لاسقاط حكم الاسلاميين . كل هذا يحدث و السودانيين مسمرين امام شاشات التلفزيون و يتناقلون اخبار الثورات من حولهم عبر مواقع التواصل الاجتماعى دون ان يحركوا ساكنا و حال بلادهم يغنى عن سؤالهم... ( حروب و فقر و فساد وتشرذم و غلاء معيشى طاحن و كبت للحريات ..الخ ) بالتاكيد هو سؤال تطول الاجابة عليه و تتشعب المبررات و النقاشات حوله لكن ساحاول الاجابة عليه من خلال هذا السرد التحليلى البسيط للاسباب و العوامل التى جعلتنا لا نثور و نصمت ربع قرن كامل على نظام فاسد و مجرم لا يستحق اليقاء ساعة واحدة لقد انتهج نظام الانقاذ فى بداياته العديد من السياسات التى عمد من خلالها الى اضعاف الساحة السياسية بحل الاحزاب و الصحافة و مصادرة الحريات و الاعتقالات و التعذيب و التنكيل بالخصوم السياسيين عبر سياسة الصالح العام .. و تمكين الكوادر الاسلامية من السيطرة على كل اجهزة الدولة خاصة الامنية منها الشى الذى جعل الساحة السياسية مرتعا وحكرا للحركة الاسلامية والنظام الحاكم لتنفيذ اجندتهم بعد ان غادر كل المعارضين و السياسيين البلاد ، اضافة للهجرة الكبيرة و الواسعة للكوادر الوطنية فى مختلف المجالات نتيحة لسياسة التشريد القسرى التى مورست عليهم من قبل النظام. كل تلك السياسات التى ذكرت قد تمت بسرعة شديدة لم تخلو من الارتباك و العشوائية لان النظام الاسلامى الجديد اراد ان يفرض سلطته و منهجه و ان يقطع الطريق امام كل ما من شانه ان يهدد وجود اول نظام اسلامى يصل الى مقاليد السلطة فى المنطقة او يقف عثرة امام تحقيق المشروع الاسلامى الذى يدعون .. لذا عاش السودان فترة من اكثر الفترات دموية فى تاريخه من مجازر و تعذيب واغتصاب و محاكمات صورية و العديد من الجرائم و الانتهاكات التى تمت على يد قيادات النظام انفسهم ، ولا يمكن ان نفغل هنا عن ذكر شهداء 28 رمضان و الشهيدين مجدى و مساعد الطيار جرجس ، كل تلك الممارسات كانت سببا فى بث الرعب و الخوف فى نفوس المواطنين من جبروت هذا النظام الذى لا يرحم. من جانب اخر نجد ان سياسة حل الاحزاب و مصادرة الصحف و الحريات قد خلقت حالة من الفراغ السياسى و ضعت الشعب فى عزلة و حيرة من امر ما يحدث امامه الشئ الذى فتح الطريق امام النظام الاسلامى لفرض سياسة التمكين بالطريقة التى يشاء فشهد السودان فى تلك الفترة حالة من التخبط و العنجهية السياسية داخليا و خارجيا نتيجة لنشوة السلطة التى اخمرت قيادات النظام المراهق سياسيا فى تلك الفترة .. وهى المراهقات التى لا يزال السودان يدفع ثمنها حتى الان عقوبات سياسية و اقتصادية و نفسية . لقد تمكنت عصابة الاسلام السياسي من السودان المنهك بالحروب و الازمات السياسية والاقتصادية و الاجتماعية منذ فجر استقلاله نتيجة للضعف السياسى و الفكرى وصراعات الاحزاب الطائفية و انتشار القبلية التى اضعفت النسيج الاجتماعى و باعدت من فرص تحقيق القومية و الوحدة الوطنية اللازمة لبناء سودان ما بعد الاستقلال . و هاهم الاسلاميين الذين كانوا سببا فى تجدد الحرب الاهلية فى السودان فى عام 83 يجلسون على سدة السلطة و بين ايديهم مشروع لا بقبل القسمة على السودان البلد الكبير المترامى الاطراف بتنوعه الاثنى و الثقافى و الدينى لتاخذ الحرب فى السودان ابعاد دينيه و عرقية طاحنه احدثت شروخا جديدة وعميقة بين مكونات المجتمع السودانى و وصلت معه اعداد القتلى و ضحايا النزاعات فى السودان الى ارقام جديدة غير مسبوقة. كل ذلك يتم و الشعب السودانى فى حالة سبات عميق نتيجة الخوف من بطش النظام من جانب و انشغال المواطنين بالاحوال المعيشيه الصعبة من جانب اخر اضافة الى التدجين الاعلامى الذى يمارسه النظام بتغليب العواطف الدينية والعرقية لمكونات كبيرة من الشعب السودانى . شهدت فترة منتصف التسعينات انفراد النظام الحاكم بالسلطة و تحكمه بخيوط اللعبة السياسية فالمعارضة السياسية مقسمة ما بين اجتهادات الحركة الطلابية بالداخل و التى ساهمت بالقدر المستطاع فى التعبير عن نفسها و اسماع صوتها رغم بطش و جرائم النظام و قدمت عدد كبير من الشهداء ضريبة على ذلك ، و نشاط احزاب التجمع فى الخارج الذى لم يكن فى حجم التحديات اوالطموحات. هذا الضعف الواضح للعمل السياسى الحزبى المعارض استغله النظام لمصلحته فى عدة اتجاهات مختلفة فمن ناحيه عمل الانقاذيين على الاستقطاب داخل الاحزاب و تفتيتها وخلق ما يسمى احزاب التوالى لملأ الفراغ السياسى الداخلى بكيانات حزبية صورية ، ومن ناحية عمد النظام الى تشوية صورة احزاب و قيادات المعارضة اعلاميا و وصمها بالطائفية و الفساد .. على خلفية ما كان يحدث فى الجمعية التاسيسية من هرج سياسى فى الديمقراطية الاخيرة بين الجزبين الكبيرين .. هذا الوضع سهل من ظهور شريحة كبيرة من الانتهازيينن الذين انخرطوا فى تاييد النظام من منطلق المصلحة الذاتية خاصة بعد المفاصلة الشهيرة 99 ( القصر و المنشية ) التى اظهرت بجلاء معدن هذا النظام الفاسد حينما اختلف اللصان و ظهر المسروق فالقضية قضية سلطة و مال و نفوذ لا علاقة لها باى شعارات او مبادئ او عقيدة هنا بدأ النظام يحاول ان يكسب ارض جديدة من خلال استغلال الاعلام فى تضليل البسطاء من جهة و الدخول فى مفاوضات مع المجتمع الدولى و الخصوم السياسيين للمرواغة و كسب الوقت من جهة اخرى ، فى ظل غياب تام لاى عمل اعلامى معارض مؤسس سوى اذاعة خجولة تسمع صوتها لدقائق و فى نطاق محدود . حتى وقعت اتفاقية نيفاشا بعد مخاض ثلاثة سنوات طوال ليكتب النظام شهادة صلاحية جديدة لنفسه مدتها ست سنوات و يتغير المشهد السياسى السودانى بشكل كبير وسط امنيات واعده بالتغيير مع المكاسب السياسية و هامش الحريات التى اتاحته الاتفاقية الدولية ، لتعود الاحزاب المعارضة للداخل بعد عزلة و غياب طويل عن قواعدها و جماهيرها الصابره على البؤس و المتعطشه للتغيير فكان حرى بها ان تعمل المعارضة على تصحيح اخطائها و تنظيم نفسها من اجل المساهمة الفاعله فى احداث التحول الديمقراطى الذى يتيح التبادل السلمى للسلطة لاسقاط النظام الفاشى المستبد من الداخل و عبر الصندوق لكن جاء الفشل عظيما وجليا ، فكما فشلت فى الحكم مرات و مرات هاهى الاحزاب الجماهيرية تفشل فى المعارضة ايضا و تفشل فى تنظيم نفسها و تعئبة جماهيرها فى مناسبات عديدة وهى التى لم تغير من شكلها او ترتب من اوضاعها او تنجح حتى فى توحيد خطابها ليكون السقوط كبيرا و مدويا . والان بعد مرور ربع قرن على حكم نظام فاسد ومجرم و مستبد ، تلاحق قياداته تهم جرائم الحرب و الابادة الجماعية فى وطنا تشتعل فيه الحروب و النزاعات شرقا و غربا و جنوبا يعانى من انيهار فى الاقتصاد وتردى فى الخدمات و غلاء فى المعيشه و فساد مالى و ادارى قضى على مؤسسات الدولة و مشاريعها القومية رغم كل ذلك واكثر ... لا يبدو ان السودانيون سيثورون قريبا .. مالم يثوروا اولا ضد ذاتهم المشبعة و المفعمة ببذور الفناء و التشتت ( القبلية و التعصب ) و يتوحدوا حول وجدان و ضمير مشترك يضع الوطن فوق كل اعتبار لن يثور السودانيين قبل ان يداوا جراح الوطن الذى اصبحت اقاليمه على يد الحركة الاسلامية عبارة عن جزر معزولة ومتناحرة معبئة بالكراهية تجاه بعضها البعض .. لن يثور السودانيون مالم يدركوا ان الدم النازف الان فى دارفورو جبال النوبة وكل ارجاء السودان هو دم وطنى سودانى خالص لا ينبغى له ان يراق بتلك الطريقة ... لن يثور السودانيون مالم يحرروا انفسهم من التبعية للاحزاب الطائفية و قياداتها الهرمه و الفاشلة .. ويعملوا على بناء احزاب وطنية ديمقراطية مؤسسية راشده لا تقوم على اى اسس دينية او جهوية . اخيرا ... لن يثور السودانيون مالم يؤمنوا يالوطن حدودا و مكانا و هوية التغيير هو الحل ..... [email protected]