(لدينا ألف حائط إلكتروني .. ولدينا ملايين " الخربشات " التي تكتب عليه . نحن بحاجة إلى العقل الذي ابتكر هذا الحائط .. قبل أن نبتكر الكلمات التي ستكتب عليه!) مابين الهلالين من أفق الكاتب السعودي محمد الرطيان، في الوطن قبل يومين. الرطيان، كاتب وسيع الأفق، رشيق الجملة، يكتب كما لو هو يرقص.. كما لو هو يغني، كما لو هو يقدم تابلوهات كروية، في وسط الملعب، كما لو هو.... يآآآآه، أنظروا كيف ان هذا الكاتب البديع ، راح يلوح لي، من البعيد: كفى ، لقد هلكتني تقريظا يا.. ياساذج! متواضع جدا، لكنه في كتاباته مفتر إلى أبعد الحدود. مشاكس، تظنه سيأتيك من هنا، فيأتيك من هناك.. تظنه سيمشي بك( سيدا) غير انه يخيّب ظنك، وينحرف فجاة، حتى لتكاد أنت أن تسقط.. تظنه سيرحم أنفاس عقلك، لكنه لا.. لا يبالي، وشعاره دائما، أركض معي يارجل.. اركض، ما أكثر الدهون التي ينبغي أن تحرقها في جمجمتك! العقل جدير بالاحترام، والرطيان وهو يكتب إليك يحترم فيك، ماهو جدير بالإحترام. لا حشو، ولا تلقين، ولا إفراط، ولا تفريط. هو بكتب الجملة ببهلوانية، ودماغ حريف، ويترك لك مساحة لتكتب أنت جملتك ، بين تلك وجملته البهلوانبة التالية. يآآآه من هذا الكاتب الذي يكتبك، ويسلفك عقله بين كل جملتين، لتكتبه أنت أيضا! الرطيان يكتب، وأنت.. "تكتب" في ذات اللحظة التي تقرأه. هو يفسج لك مجالا، في عقله، لحظة أن يراود الكتابة عن نفسها، وتراوده.. لحظة أن يتحد فيها، وتتحد فيه.. لحظة أن يتوحدا معا إلى مالانهاية.. لحظة أن يصيرها وتصيره، وإلى الدرجة التي يصعب فيها – تماما- الفرز بين الأبجديتين! وأنت، تقرأ للرطيان وتكتبه – في تمام الوقت- ليكتبك أنت- من جديد- من أول إلى آخر حرف، تتقاسم معه، رائحة فنجان قهوته ولون الشاى ونكهة التبغ والكيف.. الكيف يصير في النهاية، كيفين، برغم ان الفنجان واحد، و( الكلاس) واحد، والسجارة التي كانت تكمل المزاج، تحترق بين إصبعين، لا.. لا غير! أظنه- الرطيان- يدخن.. ذلك ماتراءى لي، وهو يزورنا هنا في الوطن، قبل فترة.. ما تيقنت منه، أنه (كييف).. يحتفي بأنفه كثيرا برائحة البن، ويمتع عينيه بلون الشاى، وهو بين كل رشفة من هذي أو ذاك، لا يكف إطلاقا عن الإبتسام.. وفم الرطيان، حين يلمع هلالا، كتابة أخرى! ماتيقنت منه، انه (slim ) لا نتوء في البطن. ابتسمت بيني وبين نفسي، وأنا أكتشف سر فطنته، وكل هذا اللمعان في عقله، وفي قفشاته! أقسم أنه- بفراسة عجيبة- اكتشف أنني أكتشفته، في التو. خطف نظرة منه إلى عينى، وقال لي دون مناسبة: أنت خطير! لم أرد أن أقول له: " أنت الأخطر". هو يعرف أنني لو قلت، فلن أضيف إليه جديدا. لذتُ، بجملة لم يرد هو ان تأتي مني، هكذا.. دون مقدمات، ومن أول لقاء: قلتُ له: أريد ان أحاورك! التمع فمه في استحياء، وهو يقول في استحياء أيضا:" أنا لسه عندي أيام وليالي، هنا في الدوحة.. وسوف أجيئكم، وأجيئكم!" قال ما قال، وهو يخرج لي " كرتا" أنيقا.. كالنسمة، مر الرطيان، من هنا.. لا يزال في جيبي "كرته: الأنيق. أخرجه من وقت لآخر، ولا أجرؤ على الإتصال. أحيانا، التكنولوجيا، تلك التي تقرب المسافات، تبعدها، خاصة مع الناس الذين تتمنى أن تجالسهم.. وهؤلاء هم اهل الإمتاع والمؤانسة. الرطيان، أحدهم.. وأنا أجالسه الآن.. الآن، وهو يكتب.. يكتبني، وبين كل جملتبن بهلوانيتين منه، أكتبه أنا، ولست في حاجة بالطبع لأقول( آلو)! نسيت ان أقول لكم: إرجعوا إلى أفق الرطيان، في جمله تلك التي بين الهلالين. إنه أراد ان يقول لنا- دون أن بأذينا بالمباشرة الفجة،" إننا استهلاكيون"! تلك هى الجملة التي أراد الرطيان أن نكتبها نحن، في تمام اللحظة التي وضع هو فيها ال (فل ستوب) و... ابتسم!