عبدالباقي الظافر [email protected] قبل سنوات طويلة ذهبنا الى مؤتمر حاشد نظمته احدى الروابط الاجتماعية بمحافظة مروي..كان ذاك المؤتمر يستهدف اقامة مشروع زراعي كبير في اطار توجه الحكومة في تحقيق شعار ناكل مما نزرع..كعادة السودانيين في اطلاق الوعود لفت نظري ان احد رجال الاعمال وهو الان في ذمة الله تبرع بصيانة احدي المدارس ..أصر ذاك التاجر على ان يعلن تبرعه على الملأ ومن المنصة وأمام مسئول سياسي رفيع ..عدت بعد سنوات ووجدت ان المتبرع لم يفعل شيء سوى ترميم (مزيرة) المدرسة ومدها بعدد من الأزيار..سالت احد المقربين من الثري عن ذاك التبرع ..ضحك الرجل وافادني ان الدعاية كانت من اجل التصديق بعدد من أطنان الأسمنت .. بالطبع مضت تلك الأطنان وبنت غابة إسمنتية في خرطوم المليون عمارة . امس تحدث عضو في البرلمان ان القمح المستورد يصل الخرطوم بزيادة تسعين دولار..العضو المحترم نادى بفتح أبواب استيراد القمح للقطاع الخاص عبر الاعلان عن عطاء سنوي لتزويد السودان بحاجته من القمح.. وعبر ذاك المزاد فليتنافس المتنافسون. بيدا ان السؤال المهم هل هنالك احتكار لسوق القمح في السودان.. الاجابة الواضحة ان نحو ثلاث شركات تستأثر بنصيب الاسد والضبع من هذه السلعة الاستراتيجية.. بل انها تتجاور مكانيا رغم انف المخاطر. .احتكار ممنهج ومتفق عليه.. المواصفة المعتمدة في السودان لا تتيح للمستهلك السوداني الاستمتاع بالقمح الأوربي الأرخص سعرا..هذه الشركات الثلاث تقوم بفتح اعتمادات لتنال الدولار من البنك المركزي بنحو ثلث قيمته في السوق الحر..السؤال المهم كيف يتم تحديد سعر القمح في أعالي البحار..ماذا اذا كان لهذه الشركات فروع مسجلة في تلك البلاد..بإمكان هذه الشركات في هذه الحالة شراء القمح بالسعر الذي يناسبها. هذه الشركات تبيع ثلثي القمح المستورد للمخابز.. الثلث الاخر يذهب لصناعات اخرى مثل المكرونة *والحلويات التي تنتجها ذات الشركات.. هل تصدقون ان شعيرية سودانية تنافس في السوق الخليجي ..السبب الرئيسي في قدرتها التنافسية العالية انها مدعومة من الشعب السوداني بثلثي قيمتها الحقيقية..هل تذكرون عندما سافر جمال الوالي رئيس مجلس إدارة شركة سين للدقيق الى جوبا وظهر في ذات الرحلة على غير العادة اسامة داؤد رئيس مجلس إدارة شركة سيقا للغلال ..جوبا ستكون سوق جديد للمنتجات السودانية المدعومة.* هل ذهبت يوما عزيزي المواطن لشراء دقيق قمح لعمل (لقيمات) في البيت.. سعر الكيلو في العبوة الفاخرة نحو خمسة جنيهات..ذات الدقيق سعر جواله زنة خمسين كيلو نحو مائة جنيه..بمعنى التغليف الفاخر أضاف على المستهلك أعباء بأكثر من مائة بالمائة اذا ما خصمنا تكاليف التغليف والتعبئة..اذا ما فكر رجل اعمال في منافسة هذه الشركات عبر استيراد دقيق جاهز فسيجد ان السياسات الرسمية للحكومة تضع قيودا ورسوما بحجة حماية صناعة الدقيق في السودان .. أرجوكم لا تنسو ان ان هنالك فائض من هذا القمح يمضي ليصبح ردة تباع مباشرة كعلف حيواني بعد ان تحلب زيتا..هذه أيضاً لا تحسب في التكاليف. الان وبين يدي دراسة رسمية من وزارة الزراعة تفيد بإمكانية تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح خلال اربعة سنوات وعبر تمويل سنوي مقداره مئتي مليون دولار..لن يحدث ذلك لان (مافيا) القمح تتحكم في كثير من القرارات الحكومية..هذه المجموعات المحتكرة تمكنت من إشهار البطاقة الحمراء يوم تباطأ البنك المركزي في إرسال العملات الاجنبية لهذه الشركات..عادت الصفوف للخرطوم وخضعت الحكومة للابتزاز.* في تقديري مطلوب من البرلمان ان يكون لجنة تحقيق يمثل أمامها أباطرة سوق الدقيق في السودان.. اللجنة البرلمانية تراجع تجارب الدول المجاورة وتسافر الى حيث يستورد القمح.. بعدها تشرع تشريعات تمنع احتكار قوت المواطنين.. خوفي الا يستطيع البرلمان الاقتراب من هذه الشركات المحمية بالنفوذ السياسي والسطوة المالية.