كتب الرصيف انتشرت بشكل لافت في الفترة الأخيرة في شوارع الخرطوم (الجزيرة) عماد عبد الهادي-الخرطوم تنتشر مكتبات الرصيف بشكل ملفت في الآونة الأخيرة على أرصفة بعض شوارع العاصمة السودانية الخرطوم، كتب قيّمة قديمة وجديدة في مختلف المجالات المعرفية وبشتى الألوان والطبعات على جنبات الطريق، وأمهات الكتب والمراجع العلمية تعرض بأسعار زهيدة قابلة دائما للنقاش. وتكشف الأختام والتوقيعات الشخصية على أغلفة الكتب المعروضة أنها في الغالب مجتزأة من مكتبات خاصة تفرقت بين الباعة بالأرصفة لأسباب مختلفة، فتجد بين أكوام الكتب مؤلفات مرجعية في مختلف العلوم والتخصصات والمؤلفات الأدبية والبحوث وحتى بعض الإصدارات الحديثة. وتثير الظاهرة التي تزايدت الأسابيع الماضية تساؤلات لدى قطاعات مختلفة عن مدى احتفاظ الكتاب بموقعه في المكتبة المنزلية السودانية، وأسباب تخلي العشرات بل المئات لما يملكون من كتب نادرة عن هذه الكنوز المعرفية. أغلب الكتب المعروضة جاءت من مكتبات شخصية وأسرية تم بيعها للتجار (الجزيرة) قيمة الكتاب ففي حين يربط مراقبون الظاهرة بالأحوال الاقتصادية التي تعيشها البلاد بشكل عام، لا يعفي اختصاصيون التغييرات الاجتماعية المتسارعة من المسؤولية، إلا أن الأمر برمته يلقي بمخاوف لكلا الجانبين من أن تقود إلى فقدان الشخصية السودانية التي تتميز بالثقافة وسعة الاطلاع. فبائع الكتب ياسر الماحي يؤكد أن أغلب ما يعرضه كان بالفعل جزءا من مكتبات أسرية أو شخصية خاصة "ما زالت تحتفظ بأختام أو توقيعات لأصحابها الأصليين". ويشير في حديثه للجزيرة نت إلى وجود مجموعة من التجار تخصصت في الطواف على الأحياء بغرض شراء المكتبات المنزلية بأسعار زهيدة قبل إعادة توزيعها على باعة الأرصفة. لكن الماحي شكا من ضعف الإقبال مع رخص الأسعار التي يعرضونها للكتب وتضاؤل هامش الربح وكساد المعروضات بعد انصرام ما وصفها بسنوات هذه المهنة المزدهرة، حيث كانت مكاسب الباعة تغري آخرين بالانضمام إليهم في تجارة الكتب على الأرصفة التي تتضمن حاليا طبعات نادرة بجنيهات قليلة دون أن تجد من يشتري. أما أستاذ الفلسفة محمد عوض فيقول إنه اعتاد التجوال بشكل دائم على الأرصفة بحثا عن العناوين اللافتة والطبعات النادرة لأنها لن تتوافر في المكتبات الكبيرة بالخرطوم. وأشار في حديثه للجزيرة نت إلى اكتشافه مؤلفات وطبعات نادرة كانت جزءا من مكتبات خاصة مملوكة لشخصيات وأسر معروفة تم التخلص منها. ويصف عوض الظاهرة بأنها امتهان لكرامة الكتاب بشكل غير مألوف في المجتمع السوداني، بل هي مؤشر على تراجع قيمته ومكانته لدى الناس، لافتا إلى عدم وجود مشترين رغم الأسعار الزهيدة للكتب المعروضة على الأرصفة. ويضيف "لقد اشتريت اليوم سبعة كتب قيمة بأقل من أربعين جنيها (نحو خمسة دولارات) "ولو عدت غدا لحصلت عليها بأقل من ذلك لأنها لن تبارح رصيفها". عمر حذر من تراجع دور ومكانة الكتاب بالمجتمع السوداني متعدد الثقافات (الجزيرة) متغيرات اجتماعية ويعتبر الخبير بعلم الاجتماع الصادق أحمد عمر أن الظاهرة مدخل مناسب للتعرف على مستوى الخلخلة التي حدثت في بنية المجتمع السوداني، مشيرا في حديثه للجزيرة نت لجملة من المتغيرات أثرت على المجتمع بكامله. ويرى أن الظروف الاقتصادية والمعيشية الضاغطة أدت إلى تغير محددات المكانة الاجتماعية نفسها، مؤكدا أنها لم تعد تحدد من معيار الثقافة الواسعة والتحصيل العلمي "وإنما للكسب المالي مهما كان مصدره". وأضاف عمر للجزيرة نت أن طبيعة الوضع الاقتصادي للأفراد أثرت على العلاقات المجتمعية وصورة المجتمع المتجددة ككل "وبالتالي هو العامل الأبرز في تشكيل الطابع العام للعمليات الاجتماعية الثقافية في حياة الناس". ويشير الباحث الاجتماعي أيضا إلى أن ثورة الاتصالات دفعت بالشباب للاتجاه نحو التكنولوجيا كمصدر وحيد للثقافة والمعرفة رغم عدم شمولها لكل العلوم، محذرا من تراجع دور ومكانة الكتاب في مجتمع متعدد الثقافات كالمجتمع السوداني.