في منطقة شبه خلوية، تنتهي عندها الأحياء السكنية، وتطوقها سلسلة جبلية، على شكل حدوة حصان، على التخوم الغربية، للعاصمة السودانية الخرطوم، يستيقظ الأهالي في غرب مدينة أم درمان، كل صباح، على رائحة الشواء في سوق "قندهار". وتقول "الست زكية" كما ينادونها، وهي من أقدم النسوة اللواتي يعملن في السوق منذ العام 1981، "زبائننا (العملاء) يداومون على زيارتنا، دون انقطاع خصوصًا أيام العطلات، فهم يدمنون مشويات هذا السوق، التي ليس لها مثيل، فالخلطة التي نستخدمها في الشواء اكتشاف حصري، وسحري يعود إلينا". وفي اعتزاز واضح بمهنتها، أضافت زكية التي تمثل نسوة السوق في الغرفة التجارية: "هذا السوق جزء مني، ومصدر راحتي، قبل أن يكون مصدر رزقي، فأنا فخورة جدا بزبائني، الذين صاروا كأهلي تماما". وكسائر صاحبات المحلات في السوق، تشتكي زكية، من ارتفاع الضرائب المفروضة عليهن، حيث يدفعن رسومًا سنوية للبلدية (الإدارة المحلية للخرطوم) تبلغ 800 جنيه سوداني (نحو 139 دولارا أميركيا)، ورسومًا شهرية تبلغ 100 جنيه (17 دولارا أميركيا)، فضلًا عن رسوم أخرى تترتب عليها زيادة أسعار المشويات، حيث يبلغ سعر كيلو لحم الإبل 100 جنيه (17 دولارا أميركيا)، وكيلو لحم الضأن 90 جنيهًا (16 دولارا أميركيا)، وأشارت زكية إلى اتفاقهن مع سلطات البلدية على تخفيض الضرائب المفروضة عليهن". وتشتري زكية المواشي، من زريبة (حظيرة) مجاورة، وتُذبح في سلخانة (مذبح للحيوانات) مجاورة أيضًا، قبل إيصالها إلى السوق الذي يضم أكثر من مئة محل، ويبيع المحل في اليوم الواحد نحو 50 كيلو غراما، حسب قول زكية. ويعود تاريخ سوق "قندهار"، إلى عقود ماضية، وقد كان يعرف بسوق "الناقة" قبل ترحيله، منذ نحو 12 عاما لمسافة لا تتجاوز 15 كيلو مترًا، لكنها كانت كفيلة بتغيير اسمه، وطبيعته، حيث جعلته على مقربة من جبال شبيهة بجبال قندهار الأفغانية، التي كانت تتصدر نشرات الأخبار، إبان الغزو الأميركي لأفغانستان في 7 أكتوبر 2001. السوق يضم عددًا من المحال، مشيدة من الزنك، والأعمدة الحديدية، بأرضية ترابية، يتم ترطيبها بالماء، والمحال مزودة بأسرة منسوجة من حبال التيل يستلقي عليها الزبائن الذين عادة ما يأتون في شكل مجموعات، انتظارًا لتجهيز الشواء، الذي يستغرق وقتًا، ليس بالقصير، وهم يتلذذون بشم الروائح المنبعثة من الشوايات. ما يميز السوق، هو وجود أصناف من اللحوم غير متوفرة في أماكن أخرى وأهم ما يميز السوق أن محاله مملوكة لنسوة، يتكفلن بإدارتها وإعداد المشويات، ما يجعلها ألذ وأطيب عند روادها، خلافًا لبقية المطاعم في الخرطوم، التي يتولى الطبخ فيها الرجال. وقبل ثلاث سنوات فقد السوق أهم ميزاته، وهي أن محاله مشيدة من القش والحصير، ما يعطيها جاذبية وبرودة مطلوبة في منطقة تمتاز بالأجواء الخلوية الساخنة، لكن تجدد الحرائق من حين إلى آخر أجبر صاحبات المحلات على تشييدها من الزنك. ومن أشهر المشويات بالسوق، "لحم السلك"، و"لحم الصاج"، لكن أكثرها إقبالا من الزبائن هو "الشية"، المتكونة من لحم الضأن، أو الإبل، حيث تقطع إلى شرائح صغيرة، ويتم عجنها بالتوابل الحارقة، ومن ثم شواؤها على إناء مسطح مليء بالثقوب، يوضع على جمرات صغيرة، من الفحم النباتي. وتقدم "الشية"، مع الشطة، والسلطة الخضراء، ومن ثم يحتسي الزبائن ما يعرف ب "الخلطة"، التي تسرع الهضم، وهي خليط بمقدار معين، من الزبادي، ومشروب غازي، وتوضع عليه قطع من الثلج، ويترك للتخمير لمدة لا تتجاوز 5 دقائق قبل تقديمه، وتضاف إلى الخلطة، في بعض الأحيان، حلاوة طحينية. ويقول محمد بابكر، موظف بشركة خاصة يرتاد السوق مع زملائه في العمل، من حين إلى آخر إن "أسعار المشويات واللحوم، عمومًا غاليًة جدًا، في بلد يتمتع بثروة حيوانية ضخمة خصوصًا الضأن، ولا تتناسب مع متوسط دخل الفرد". وحسب إحصاءات رسمية، يمتلك السودان أكثر من 103 ملايين رأس من الماشية، متصدرًا بذلك البلدان الأفريقية والعربية، ويمتلك 25 بالمئة من ثروة الإبل في العالم. ويقول المواطن أحمد يونس إن أهم ما يميز السوق هو توفر أصناف من اللحوم غير متوفرة في أماكن أخرى، مثل كبد الإبل، التي تقدم نيئة (غير مطهية)، مع عجنها، بالتوابل، مخلوطة بالدكوة (مسحوق الفول السوداني)، والشطة، وشرائح البصل الأبيض.