وداع محجوب شريف .. شاعر الحرية والزنازين [IMG][/IMG] كمال عبدالرحمن inShare يولد الشاعر غنياً ويموت فقيراً لأنه يكرس حياته لملء خزائن البشرية بالإبداع وبالكلمات التي تبقى إلى الأبد ويحارب بقلمه الخداعين المتاجرين باسم الدين. نعم الراحل السوداني محجوب شريف وأمثاله من الشعراء يولدون أغنياء لأنهم يأتون للحياة محملين بكم هائل من المشاعر والأحاسيس التي ما أن تتدفق حتى تعطي المحرومين الأمل وتجعل من المرأة كياناً يحترم ومن الوطن قامة، فمحجوب شريف الذي قضى جل عمره حبيس زنازين الأنظمة العسكرية المستبدة التي لا تعرف معنى الكلمة مات فقيراً لكن شيع جثمانه في مدينة أم درمان العاصمة التاريخية للسودان عشرات الآلاف، وبكاه الملايين من أبناء الشعب السوداني، الذين كانوا أحوج ما يكونون في حاجة لمحجوب شاعر الحرية والزنازين ليمنحهم مزيداً من الأمل في هذا الزمن الصعب المحيق. نظم محجوب شريف من الشعر ما يبني وطناً وما يشكل برنامجاً لإنقاذ بلد مثل السودان وصل به الدمار والهلاك إلى حد اللا معقول. فلو أخذنا المقطع التالي نبراساً لوصلنا إلى بر الأمان ولأوجدنا الأرضية التي نستند إليها لحل مشكلات السودان المتأزمة، ويقول محجوب: حنبنيهو البنحلم بيهو يوماتي وطن شامخ وطن عاتي رحل محجوب شريف وهو يؤدي ضريبة الوطن والشعب، فقد مات بمرض عضال تسببت فيه الرطوبة التي انتشرت في جسده بعد السنوات الطويلة التي قضاها في السجن، وحتى في اللحظات التي كان يصارع فيها الموت لم ينس دوره وضميره فأرسل برسالة إلى الشعب والوطن قبل 48 ساعة من موته ولأن الحرية تأخذ ولا تعطى فإن كلمات محجوب شريف وقصائده المليئة بالجمال ستكون الملهم والمعلم وربما لهذا السبب كان الخوف منه أكبر من أولئك الذين يحملون السلاح، فالشعر الشريف المعبر عن ضمير الشاعر الذي يأبى الانكسار ويرفض المغريات يبقى في وجدان الناس ويحرك مشاعرهم ويداعب أحاسيسهم، ويجعل من الوطن قامة، ومن الشعب كيانا يحترم. وأنت في مرقدك الأخير نقول لك يا محجوب رسالتك وصلت إلى كل بيت من بيوت الوطن المكلوم وفهمها الجميع الصغير قبل الكبير وستظل باقية يحملها الضمير الإنساني وستهتز بها عروش المنكسرين اللاهثين وراء التجويع والقتل والتشريد. لك ولكل قبيلة الشعراء في عالمنا العربي جل الاعتزاز نيابة عن من لا يعرفون معنى الحياة، أعمياء القلوب الذين لا يفهمون لغة المشاعر ولا يأبهون بالإنسانية وللذين خدعونا وسرقونا باسم الدين وبددوا وحدتنا ودمروا اقتصادنا.