الخرطوم- 11 -11-2012م /سونا/ تعد ظاهرة التغير المناخي من أخطر الظواهر التي يتعرض لها كوكب الأرض حيث يرتبط بها مصير أكثر من ستة مليار إنسان علي سطح هذا الكوكب فضلا عن مختلف مظاهر الحياة الأخرى وهو ما فرض على المسؤولين طوال الوقت التفكير المستمر والعمل الدؤوب من أجل وضع حلول ناجعة تساعد على مواجهة تلك الظاهرة بما يحافظ علي مظاهر الحياة علي كوكب الأرض. ولفهم الجهود الدولية في هذا الصدد ينبغي التعريف بالمقصود من " تغير المناخ " ويمكن القول إنه ذلك التغير الحاصل في العوامل والظروف المناخية الناتج بصورة مباشرة عن الأنشطة البشرية التي تقوم بطرح كميات كبيرة من غازات الاحتباس الحراري إلى الغلاف الغازي للأرض كنتيجة للثورة الصناعية وارتفاع معدلات النمو في العديد من البلدان المتقدمة والنامية بفعل العديد من الاستخدامات المضرة بالبيئة خصوصا استخدام الوقود الأحفوري /النفط الغاز - الفحم / في توليد الطاقة. ويمكن القول إن قضية تغير المناخ تعد واحدة من أهم القضايا البيئية في الوقت الحالي وذلك نظرا لارتباطها وتأثيرها المباشر على مختلف القطاعات الحيوية والتي منها الزراعة والمياه والطاقة والصحة والنقل والمناطق الساحلية والموارد البحرية وغيرها من القطاعات. لهذا حظيت هذه الظاهرة باهتمام واسع من مختلف المنظمات والهيئات الدولية المعنية بالبيئة حيث بدأت الدلائل العلمية تشير إلى الربط بين انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن الأنشطة البشرية وخطر تغير المناخ العالمي والذي أثار قلقا عاما في الثمانينات من القرن الماضي وفي منتصف التسعينات من القرن الماضي. فقد اقتنع علماء المناخ بأن التغيرات المناخية ناتجة عن تدخل النشاط البشري بفعل ما يتم إطلاقه من غازات الاحتباس الحراري -غازات الدفيئة - إلى الغلاف الجوي للأرض من جراء استخدام الوقود الأحفوري لتوليد واستخدام الطاقة وعند قطع الغابات وحرقها ومن الأنشطة الزراعية والتغيرات في استخدامات الأراضي والعمليات الصناعية وغير ذلك من المصادر. وإذا بحثنا في أسباب تلك الظاهرة بدقة لوجدنا أنها نتجت بفعل ازدياد تراكيز مجموعة من الغازات تدعى " غازات الدفيئة " أو غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي للأرض وبخلاف الغازات الصناعية فإن غازات الدفيئة موجودة في الغلاف الجوي للأرض بصورة طبيعية منذ ملايين السنين بنسب محددة تشكل في مجموعها أقل من 1 في المئة من الغلاف الجوي وهي النسبة التي تكفي لتكوين " ظاهرة الدفيئة الطبيعية " التي تحافظ على درجة حرارة الأرض عند المستوى الطبيعي أو المطلوب والأساسي للحياة والتي بدونها سوف تنخفض درجة حرارة الأرض إلى 30 درجة مئوية أقل من ذلك المستوى الطبيعي. غير أن النشاطات البشرية أثرت عل مستويات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي عن طريق إيجاد مصادر جديدة لها أو بالتدخل في المصارف الطبيعية لها .. فمناخ الأرض يحركه بصورة دائمة تدفق مستمر من الطاقة الشمسية التي تصل إلى الغلاف الجوي على هيئة ضوء مرئي يمثل حوالي 70 في المئة من الطاقة الشمسية التي تخترق الغلاف الجوي لتصل إلى سطح الأرض فتعمل على رفع درجة حرارته أما النسبة المتبقية من الطاقة الشمسية وهي 30 في المئة تنعكس وترتد إلى الفضاء الخارجي. وبعد أن يمتص سطح الأرض تلك الطاقة في فترة النهار يبدأ في بثها مرة أخرى أثناء الليل إلى الغلاف الجوي ولكن على هيئة موجات طويلة من الإشعاعات الحرارية والأشعة تحت الحمراء التي لا تستطيع اختراق طبقة غازات الدفيئة إلى الفضاء الخارجي وبالتالي تحافظ على دفء الأرض عندما تكون في نسبتها الطبيعية حيث لولا وجود هذه الغازات فإن الأرض ستكون شديدة الحرارة في النهار وشديدة البرودة بالليل ولكنها تعمل عل زيادة تدفئته أو احتراره عندما تزيد نسبتها. وتتكون غازات الدفيئة الرئيسية ) من : ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز والأوزون وبخار الماء . ومن أهم المخاطر المترتبة عن ظاهرة الاحتباس الحراري على البيئة هي ارتفاع درجة الحرارة وبالتالي اختلال النظام المناخي وحدوث تغيرات في معدلات هطول الأمطار وتوزيعها حيث يتوقع أن يزيد المتوسط العالمي لبخار الماء نتيجة ارتفاع درجات الحرارة. فعلى المستوى الإقليمي الواحد يتوقع حدوث كل من الزيادة والنقص في معدلات التساقط وينتج عن ذلك تغير واضح في معدلات ومواسم هطول الأمطار وتباين هذا الاختلاف من منطقة إلى أخرى. ففي حين يزداد معدل هطول الأمطار في بعض المناطق عن المستوى المعتاد فإنه يقل أحيانا بصورة كبيرة عن معدلاته في مناطق أخرى مما سيؤدي إلى الكثير من المشاكل في الموارد المائية وحدوث العديد من حالات الجفاف في بعض المناطق والفيضانات والأعاصير المدمرة في مناطق أخرى كما يؤثر في عملية الزراعة وإنتاج المحاصيل وما يمكن أن يترتب عليها من نقص في الغذاء وغيرها من التبعات. كذلك فإن ارتفاع درجات الحرارة سيؤدي إلى ذوبان الجليد في القطبين وارتفاع مستوى سطح البحر والأرجح كثيرا أن المناطق التي كان يغطيها الجليد بدرجة هامشية سوف تصبح خالية من الجليد وستواصل الصفائح الجليدية التفاعل مع تغير المناخ خلال مدة الألف سنة القادمة حتى في حالة استقرار المناخ على صورته الحالية. فالصفائح الجليدية الحالية في المنطقة القطبية الشمالية وجرينلاند تحتوي معا على كمية من الماء تكفي لرفع مستوى سطح البحر لما يقارب 70 مترا في حالة ذوبانها كذلك فإن أي تغيير جزئي ضئيل في حجمها سيكون له تأثير كبير. ومن المتوقع أن يرتفع مستوى سطح البحر بمقدار 9 88 سنتيمترا" بحلول عام 2100 إذا استمر التغير المناخي على معدلاته الحالية وهذا الرفع التدريجي في مستوى سطح البحر سيكون له الأثر الكبير في إغراق العديد من المناطق الساحلية والجزر المنخفضة وغيرها من الأضرار وبالتالي تكبد الكثير من الخسائر البشرية والمالية. أما بالنسبة لتأثير التغيرات المناخية على صحة الإنسان فإن للظاهرة آثارا شتى على صحة الإنسان بعضها إيجابي ولكن معظمها سلبي . ومن شأن تغيير تواتر موجات الحرارة والبرد وتواتر الفيضانات ونوبات الجفاف والصورة البيانية لتلوث الهواء والعوامل الهوائية المثيرة للحساسية أن تؤثر في صحة السكان بشكل مباشر. ولتغيير المناخ آثار صحية أخرى على النظم الايكولوجية والاجتماعية تشمل تغيير نمط حدوث الأمراض المعدية وإنتاج الغذاء على الصعيد المحلي وبالتالي نقص التغذية وشتى العواقب الصحية الناجمة عن نزوح السكان وتعطل الأنشطة الاقتصادية. وسوف تؤثر أية زيادة في تواتر وشدة الظواهر المتطرفة مثل العواصف والفيضانات والأعاصير تأثير ضارا على صحة الإنسان عن طريق شتى السبل فهذه الأخطار الطبيعية يمكن أن تتسبب بخسائر مباشرة في الأرواح كما يمكنها أن تؤثر في الصحة بشكل غير مباشر نتيجة فقدان المأوى ونزوح السكان وتلوث إمدادات المياه وخسائر الإنتاج الغذائي وتزايد مخاطر تفشي أوبئة الأمراض المعدية وتضرر البنية الأساسية للخدمات الصحية. ومن شأن ارتفاع درجات الحرارة والتغيرات الطارئة في معدلات هطول الأمطار وتقلبات المناخية أن تؤدي إلى تغيير النطاقات الجغرافية وفصلية انتقال الأمراض المعدية المحمولة بالنواقل مما يوسع نطاق حدوث بعض الأمراض المعدية ويطيل فتراتها. وقد يحدث تغير المناخ تغيرات في البيئة البحرية من شأنها أن تزيد من معدلات حدوث تكاثر الطحالب السامة ذات العلاقة بالتسمم البشري والتي تلحق الضرر بالبيئة والاقتصاد كما تؤثر التغيرات التي تطرأ على إمدادات الغذاء بسبب تغير المناخ في تغذية وصحة الفقراء وبالذات في الدول النامية من العالم. وبشكل عام يمكن إجمال عواقب تغير المناخ في عدد من النقاط وهي : 1. خسارة مخزون مياه الشرب ففي غضون 50 عاما سيرتفع عدد الاشخاص الذين يعانون من نقص في مياه الشرب من 5 مليارات إلى 8 مليارات شخص. 2. تراجع المحصول الزراعي : فمن البديهي أن يؤدي أي تغير في المناخ الشامل إلى تأثر الزراعات المحلية وبالتالي تقلص المخزون الغذائي. 3. تراجع خصوبة التربة وتفاقم التعرية : فتغير مواطن النباتات وازدياد الجفاف وتغير أنماط المتساقطات سيؤدي إلى تفاقم التصحر وتلقائيا سيزداد بشكل غير مباشر استخدام الأسمدة الكيميائية وبالتالي سيتفاقم التلوث السام. 4. الآفات والأمراض : فارتفاع درجات الحرارة يشكل ظروفا مواتية لانتشار الآفات والحشرات الناقلة للأمراض كالبعوض الناقل للملاريا. 5. ارتفاع مستوى البحار : حيث سيؤدي ارتفاع حرارة العالم إلى تمدد كتلة مياه المحيطات إضافة إلى ذوبان الكتل الجليدية الضخمة ككتلة جرينلاند مما يتوقع معه أن يرفع مستوى البحر من 0,1 إلى 0,5 متر مع حلول منتصف القرن وهذا الارتفاع المحتمل سيشكل تهديدا للتجمعات السكنية الساحلية وزراعاتها إضافة إلى موارد المياه العذبة علي السواحل ووجود بعض الجزر التي ستغمرها المياه. 6. تواتر الكوارث المناخية المتسارع : فارتفاع تواتر موجات الجفاف والفيضانات والعواصف وغيرها يؤذي المجتمعات واقتصاداتها. وفي النهاية يمكن القول بأن البشرية لم تواجه سابقا أزمة بيئية هائلة كهذه ومن اللافت للانتباه أن الدول النامية التي تقع عليها مسؤولية أقل عن تغير المناخ هي التي ستعاني من أسوأ عواقبه فكلنا مسؤولون عن السعي إلى وقف هذه المشكلة على الفور وإذا تقاعسنا عن اتخاذ الإجراءات اللازمة الآن لوقف ارتفاع الحرارة الشامل قد نعاني من عواقب لا يمكن العودة عنها . ب ع