ظلت الحصانة التى تتمتع بها بعض المؤسسات والجهات والافراد فى الفترة الاخيرة تمثل هاجسا للجهات المنفذة للقانون بل واصبحت من المسائل التى تثار ضد السودان فى المحافل الخاصة بحقوق الانسان والافراد والجماعات الذين يتضررون من هذه الحصانة . ويرى مهتمون بالشأن العدلى ان الحصانة اصبحت عائقا كبيرا فى سبيل انفاذ العدالة وان الدولة توسعت بقدر كبير فى منح هذه الحصانة فيما يرون قصرها على جهات معينة وان تكون اثناء تأدية المهمة الرسمية . مشيرين الى بعض الإستغلال بجعلها تحمى اشخاصا تعاملوا فى الشأن التجارى مثل اصدار الشيكات ، الا ان هناك من يرى ان الحصانة ضرورية لحماية الشخص الذى كلف بمهام رسمية تتطلب تأديتها الاطمئنان وعدم الخوف من المحاسبة . ومما لا شك فيه ان كثيرا من هذه الجهات اضحت تستغل هذه الحصانة فى غير اغراضها مما زاد فى طلبات رفع الحصانة خاصة من الجهات المناط بها تنفيذ القانون سواء كانت الاجهزة الشرطية او الامنية او افراد القوات المسلحة واصبحت مسألة الحصانة من المواضيع التى تثار عند التعرض لانتهاكات حقوق الانسان . واستشعارا من وزارة العدل باهمية الموضوع وخطورته وهى المناط بها بسط سيادة حكم القانون والدفاع عن السودان فى المحافل الدولية ضد الاتهامات المثارة حول انتهاكات حقوق الانسان نظمت ادارة الشئون الجنائية (المدعى العام ) بوزارة العدل ورشة عمل حول (الحصانة من واقع التشريعات وتحديات التطبيق) بالتعاون مع برنامج الاممالمتحدة الانمائى بحضور رئيس القضاء والاجهزة العدلية والتشريعية والمحامين بفندق السلام روتانا يومى 4 و5 من سبتمبر الحالى. وزير العدل مولانا محمد بشارة دوسه اشار فى الورشة الى ضرورة المراجعة الشاملة للقوانين المانحة للحصانة لتكون محصلتها عدالة نافذة حتى لايشعر المواطن بضعف مركزه امام الجهات العدلية مؤكدا ان هذه الورشة تمثل البيئة المناسبة للوصول الى معالجات لهذا الموضوع وتخدم العدالة وتجعل المواطن يثق فيها. وترى الاستاذة سامية احمد محمد نائب رئيس المجلس الوطنى ان تمدد الحصانات لدى بعض الجهات والمؤسسات احدثت اضعافا للقانون ووضعت العدالة فى محل شك وجعلت المواطن لا يثق تماما فى انفاذ العدالة مضيفه ان الحصانة احدى مقومات العدالة ولكنها تمثل فى نفس الوقت تحديا كبيرا لمن يملكونها وينفذون القانون باعتبار ان التعسف فى استخدامها يضعف القانون ويضع العدالة فى محل الشك. فى ذات النسق اشار مولانا عمر احمد محمد المدعى العام لجمهورية السودان ان واجب وزارة العدل يقتضى النظر بصورة فاحصة للحصانات وتقييم التجربة والواقع من حيث الممارسة مبينا ان الحصانات الممنوحة للجهات المنفذة للقانون وغيرها تعد من الموضوعات التى تثير العديد من الاشكاليات من حيث النصوص التشريعية والواقع والتطبيق العملى باعتبارها واحدة من التحديات التى تواجه حقوق الانسان فى السودان وسيادة حكم القانون.. وقدمت خلال الورشة ثلاثة اوراق عمل حيث جاء فى ورقة دكتور عبد الرحمن شرفى نائب رئيس القضاء (الحصانة من منظور الشريعة الاسلامية) ان الشريعة الاسلامية ساوت بين الناس فى المسئولية حاكمين ومحكومين ولا يوجد قضاء اسثنائى ولا اجهاض لمعايير المحاكمة العادلة مشيرا الى ان سيادة حكم القانون فى التشريع الاسلامى سيادة مطلقة . واشارالى ان الحصانة فى القوانين السودانية اجرائية وضارة ويجب ان تسد ذريعتها لانها تعيق العدل الناجز ويجب محاكمة اى شخص يتجاوز حدود مسئوليته مؤكدا ان سوء استخدام الحصانة يخلق الكثير من المشاكل . ممثل جهاز الامن والمخابرات الوطنى اكد ان الجهاز لم يخالف القواعد الاجرائية طيلة اربعة وعشرين عاما حيث تمت الموافقة على رفع الحصانة من اى عضو من الجهاز طلبت رفع الحصانة عنه . واكد التزام جهاز الامن والمخابرات الوطنى الكامل بالقانون وان الاستجابة السريعة لرفع الحصانة تبقى هى الاساس مشيرا الى ان الحصانة الموضوعية التى يتمتع بها عضو الجهاز لكى لا يحصل التفاف عليه ويمكن للشخص المتضرر ان يلجأ للتعويض فى الجانب المدنى . ودعا اللواء حقوقى دكتور عبد الله حامد ادريس المدعى العام للقضاء العسكرى الى تشكيل لجنة من كافة القوات النظامية لصياغة مشروع منشور يقدم لوزير العدل ليتم التعامل بموجبه فيما شدد مولانا سر الختم صالح على قاضى المحكمة العليا على ضرورة تعديل قانون الحصانات وان يقصر داخل نطاق العمل فيما اكد الاستاذ محمد الحسن الامين رئيس لجنة العلاقات الخارجية والدفاع والامن بالمجلس الوطنى على اهمية الحصانات وان العصبية المهنية تسبب مشكلة فى ابطاء رفع الحصانة ودعا الى مراجعة الحصانة فى الجانب الادارى مشيرا الى اهمية التفويض فى الصلاحيات لسرعة الاجراءات . المدعى العام لجرائم دارفور مولانا ياسر احمد محمد اكد على ضرورة ان تكون هناك اجراءات لرفع الحصانة واشار الى ان امتناع اى جهة عن رفع الحصانة سيجعلها تتحول الى حصانة موضوعية . وقال ان الحصانة فى دارفور لا تسبب مشكلة تعوق عمله وان الزمن فى رفعها هو المشكلة مؤكدا ان تعطيل رفع الحصانة يتعارض مع الدستور داعيا الجهات التى تتمتع بالحصانة الى تحديد الواجبات التى تقاس عليها حدود الحصانة. واكد الاستاذ غازى سليمان المحامى ان الحصانة شر لا بد منه مشيرا الى ضرورة تعديل المادة 79 من قانون الاجراءات الجنائية الخاصة بالتلبس ، ودعا مولانا بابكر عبد اللطيف المستشار القانونى لمجلس الولايات الى ضرورة مراجعة كافة التشريعات الاتحادية والولائية التى تمنح الحصانة. وأوصت الورشة باحكام صياغة اتفاقيات المقر بحيث تتضمن تحديد الحصانات بصورة تتفق والقوانيين السودانية وقواعد القانون الدولي مع تنبيه الجهات المختصة بأن القانون الدولي لا يمنح حصانات للمنظمات الطوعية التي ينشئها الافراد وانما تمنح الحصانات للمنظمات الدولية التي تنشئها الدول والتأكيد ان القانون الدولي يقر بحصانات رؤساء ومسئولي الدول الرسميين خارج اقليم دولهم. واشارت التوصيات الى الالتزام بما تعاهدت عليه الدولة مع غيرها من الدول والمنظمات الاخرى بشأن منسوبيها مع احكام النصوص القانونية المتعلقة بالحصانة وتشكيل لجنة لمراجعة القوانين المنظمة لمسائل الحصانة وكذلك النص في القوانين المنظمة لمسائل الحصانة على تحديد وقت تبت فيه الجهة في الطلب. كما أوصت بالتدرج في مسائل رفع الحصانة بتقسيمها بين الجهات الادارية داخل الجهة المعنية برفع الحصانة وعدم تركيزها في قمة الهرم الاداري وتبصير الناس بثقافة امكانية الطعن الاداري ضد قرارات رفع الحصانة. ودعت التوصيات الى تعديل منشور وزير العدل رقم 1 لسنة 2005م بحيث تحدد الرتب التي يجوز لوكيل النيابة الاعلى والمدعي العام المطالبة برفعها وتلك التي ترفع لوزير العدل مع ضرورة نبذ المسئولين للعصبية المهنية فيما يتعلق برفع الحصانة عن منسوبيهم , والطلب من وزير الداخلية بتفويض سلطة منح الاذن لافراد قوات الشرطة لمن يراه بالنسبة لمنسوبي وزارته وتكوين لجنة عليا من الجهات ذات الصلة تعمل على تبسيط اجراءات رفع الحصانة. وأوصت الورشة بالتمييز في الحصانة فيما يتعلق بالحق العام والحق الخاص بين الحماية والحصانة والاقتداء بالشريعة الاسلامية لاقرارها الواضح لمبدأ المحاسبة والمسائلة. ع أ