تقرير// أمل عبد الحميد الخرطوم-10-9-2019(سونا) – أكثر من تسعين يوما منذ غياب إسماعيل مرت على أمه كأنها الدهر ظلت خلالها تذرف الدموع حزنا على فراقه ومصيره المجهول كم اشتاقت لسماع صوته يبادلها الحديث ولرؤيته غاديا رائحا في جنبات البيت يخصّها بالاهتمام والحنان، وكم تتمنى أن يكون فقيدها حيّا يرزق، تأمل في عودته بين لحظة وأخرى، تسترق النظر إلى الباب كلّ حين وآخر، تنظر وتنتظر، تأمل وتصلّي... متى سيعود الحبيب؟ متى سيعود لحضن منزله وعائلته يريح قلباً أنهكه الانتظار والشوق؟ إسماعيل فقد في الثالث من يونيو يوم فض اعتصام الثوار بالقيادة العامة للجيش، ومنذ ذلك الحين تغيرت حياة أسرته المكلومة وظلت تبحث عنه بكل ما أوتيت من وسائل وأقصى أمنياتها أن يكون معتقلا، حيث أصبح الاعتقال أمنية تجنبا لفداحة موت الأبناء. وكانت قوى إعلان الحرية والتغيير قد أدانت في بيان فض الاعتصام الذي راح ضحيته العشرات وإصابة المئات ، وأعتبرت الاختفاء القسري جريمة ضد الإنسانية تفوق القتل. وأسرة إسماعيل ليست وحدها التي تقاسي حالة عدم التيقن من مصير الأبناء فهنالك أكثر من 60 مفقود آخرين. غير أن جهود البحث والتقصي أسفرت عن العثور على 40 مفقودًا منذ فض الاعتصام في مستشفيات ومشارح مختلفة حسبما أعلن تجمع المهنيين السودانيين في 8 أغسطس الماضي. ومن الجهات التي بادرت بمساعدة الأسر للتعرف على مصير مفقوديها مبادرة "مفقود" التي انطلقت بعد خمسة أيام من مجزرة القيادة التي جرت في فجر يوم الثالث من يونيو الماضي وتم العثور على أكثر من 128 جثة للمعتصمين بينما أعلن عن عدد كبير من بلاغات المفقودين، حسب ما يروي وائل مبارك خضر مسؤول الإعلام فتم إنشاء صفحة للمجموعة على فيسبوك، وصل عدد المتابعين لها أكثر من سبعين ألفا. وبحسب خضر، فإن أعضاء الصفحة يتبادلون المعلومات، ويساعدون في نشر بلاغات الفقدان، ولاحقا تم اختيار لجنة تنسيقية من ستة أشخاص ولجنة ميدانية لمراجعة المستشفيات والمشارح. وتتواصل المبادرة بشكل مباشر مع ذوي المفقودين لمعرفة أوصافهم وتواريخ الفقدان، كما يتم إبلاغ أسرهم بأي جثة تظهر في أي مشرحة بهدف التعرف عليها. ونشرت مبادرة "مفقود" على فيسبوك صورا لعدد من المفقودين مع معلومات مختصرة تشمل الاسم وتاريخ الفقدان، كما ساعد أعضاء الصفحة في بث مقاطع فيديو تظهر بعض المفقودين أثناء فض الاعتصام. ونشرت قائمة للمفقودين في فض الاعتصام والتظاهرات والمليونيات، وكل الأحداث التي لها علاقة بالثورة. ويقول وائل إن المجموعة مخصصة لمفقودي الثورة، ولديها قائمة خاصة بهم يتم تحديثها باستمرار، ولكن رغم ذلك تتعامل مع طلبات مساعدة للعثور على مفقودين لظروف أخرى، متعهدا بتخصيص الصفحة مستقبلا لضحايا الاختفاء القسري بشكل عام. ويؤكد وائل أن اللجنة التنسقية لمبادرة "مفقود" ساهمت طبيا في علاج المفقودين الذين عادوا إلى ذويهم وتعاونت مع تجمع الاطباء النفسيين ونقابة أطباء السودان الشرعية لتوفير العلاج الطبي النفسي للمفقودين بالتنسيق التام مع أسر المفقودين ، كما كثفت اللجنة العمل الميداني بالبحث عن المفقودين في كلاً من المستشفيات والمشارح وأقسام الشرطة والمعتقلات. ومؤخرا وفي مؤتمر صحفي لمبادرة " مفقود " ضم محامين وأطباء ومنظمات مدنية أعلنت المبادرة أن عدد المفقودين الان 22 شخصًا، بينهم 10 في فض الاعتصام. وفي مجال الإعلام أكد وائل نشر الفريق الإعلامي لبيان المبادرة الأول والثاني لعدد كبير من الأجهزة الإعلامية و وكالات الأنباء، وإجراء عدد من اللقاءات الإعلامية و الحوارات الصحفية على عدد من الفضائيات و المواقع الاخبارية, كما تم تمليك بيانات المفقودين (الأسماء و الصور) لعدد من المؤسسات المختصة في قضايا المفقودين و الاختفاء القسري ، وتم إطلاق هاشتاق موحد على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل رصد أخبار المفقودين ، مضيفا بأن اللجنة التنسيقية للمبادرة التقت بالسفير البريطاني عرفان صديق بمكتبه بالسفارة البريطانية بالخرطوم، الذي أكد تعاونه مع قضية المفقودين. كما قامت اللجنة بالتعاون مع التحالف الديمقراطي للمحاميين برفع مذكرة قانونية الى النائب العام ، طالبت بالكشف عن أماكن المفقودين و الافراج الفوري عن المعتقلين، مشيرا إلى رفع مذكرة للمفوضية القومية لحقوق الإنسان للمطالبة بإتخاذ تدابير جادة لمخاطبة المسؤولين للكشف عن أماكن اختفاء المفقودين وللبحث والتقصي عن أماكن وأسباب اختفائهم وتكوين لجان وفرق لذلك. وقال عضو مجلس السيادة، محمد حسن التعايشي، خلال المؤتمر الصحفي، لمبادرة مفقود إن الحكومة الانتقالية ستلعب دورا محوريا في التحقيق حول ظروف وملابسات الإخفاء القسري. وشدد على أن ملف الإخفاء القسري يجب أن ينتهي تمامًا في العملية السياسية. وخرجت مظاهرات نظمها تجمع المهنيين في اليوم العالمي للاختفاء القسري 30 أغسطس في الخرطوم وبعض المدن تطالب السلطات بالاسراع في تقديم المسئولين عن قتل الثوار والاختفاء القسري للمحاكمة.