كلام الليل مدهون بزبدة- وهو مثل قديم مفاده أنه لا فائدة في كثير من نجواهم.. فهي مثل كلام الليل، لأنه مدهون بزبدة بمجرد أن يأتي الصباح وتطلع الشمس يسيح.. ويضرب المثل لكثرة الأحاديث والوعود التي نسمعها من الحكام وأشياعهم، وعندما يطلع النهار لا نجد شيئاً.. والمثل الشعبي يسبب راحة نفسية كبيرة لمن يضربونه ويتمثلون به.. وقد سرد العلامة أحمد تيمور أكثر من ثلاثة آلاف مثل من أمثال شعب وادي النيل في وطنهم التاريخي القديم في مصر والسودان، والذي يطلع على هذه الأمثال يدرك أبعاد الوحدة الخالدة بين شعب الوادي الواحد.. فليس هناك كالمثل الشعبي شاهد أصدق على وحدة وجدان الشعوب وتاريخها وتراثها. وعلى ذكر التراث أذكر أنني وأنا أحد مؤسسي دراسات تراث شعوب وادي النيل.. أنني قد قدمت ومنذ أعوام بحثاً ومحاضرة عن الأمثال المشتركة بين شعبنا في السودان ومصر.. فوجدتها أكثر من ألفي مثل شعبي.. ولو أحببت أن أعطي مثلاً واحداً من كل طائفة على حروف الهجاء أو الأبجدية لما اتسع المجال.. ودهش الأشقاء في صعيد مصر الأقصر وقنا من لهجتي وأمثالي، وأدمع بعضهم تأثراً.. فقد أدركوا أن أهلهم في السودان ما يزالون يحملون سمات وبصمات تراثهم المشترك.. وأذكر أن لي قصة منذ أعوام طويلة مع أحد سماسرة العقارات في مصر الجديدة (روكسي)، حيث كنت أقيم.. إذ ظل يكرمنا لمدة ثلاثة أيام.. وبعد توقيع العقد ناولته مبلغاً من المال بعد وفاء قيمة العقار، ويبدو أنني لم أحسن المكافأة وكانت دون المستوى.. فما كان من الرجل إلا أن قال لي وهو يرتاب في مدتي المتواضعة.. (يبدو أنني وقعت من قعر القفة).. يقصد أنه وقع من قد القفة.. فضاع عليه حقه.. بينما قبض الآخر حقوقه كاملة.. فقلت له مندهشاً إن هذا المثل من عندنا.. فرد عليّ على الفور: طيب كويس ما طلعنا أهل المفروض تبسط إيدك شوية ده المثل بيقول الجار أولى بالشفقة.الفرق بيننا وبين الأشقاء في شمال الوادي إكثارهم من الامتثال لاسيما في صعيد مصر وفي الأرياف، حيث يكون بين كل مثل ومثل.. مثل.. وفي الغالب أن يبدأ أحدهم حديثه بقوله: قال على رأي المثل جبتك يا عبد المعين تعيني.. لقيتك يا عبد المعين تنعان.. وهذا أفضل وأخف من مثلنا.جابوه فزع بقى وجع- وعلى كلٍ ابن الوز عوام.. وصاحب بالين كذاب .. وعلى كلٍ أردباً ما هولك لا تحضر كيله.. أما أمثلة أستاذنا المرحوم الدكتور محمد عبد الجواد والذي كان يدرس لنا التنفيذ الجبري في كلية الحقوق، ومداعباته مع زميلنا بركات موسى الحواتي.. والتي كانت كلها بالأمثال.. فتحتاج إلى مقال كبير آخر.