تناولت الصحف في بداية الشهر الجاري خبراً مفاده إحباط محاولة تسلل خمسة مواطنين سودانيين إلى إسرائيل بالقرب من العلامة الدولية «55» بمنطقة الكونتلا وسط شبه جزيرة سيناء المصرية، وتم إحباط المحاولة بواسطة قوات الأمن المصرية التي قامت بدورها بإيداع المتسللين سجن «العريش» المركزي، ومن ثم إخطار السفارة السودانية بالقاهرة. الحادثة ليست الأولى من نوعها، حيث تعتبر الأراضي المصرية «جسر العبور» لإسرائيل التي أصبحت منذ أمد ليس ببعيد، مقصداً للمهاجرين الأفارقة غير الشرعيين، ففي نهاية العام الماضي أعلنت إسرائيل أنها قامت بترحيل «150» مهاجراً سودانياً دخلوا إسرائيل بشكل غير قانوني بحثاً عن عمل، وقالت الحكومة الإسرائيلية إن ما يزيد على «30» ألف أفريقي أغلبهم من السودان وأريتريا وأثيوبيا، دخلوا إلى إسرائيل بشكل غير شرعي عبر حدودها مع مصر في الخمس سنوات الأخيرة. جاءت أغلب اعترافات المتسللين أنهم يبحثون عن فرص العمل بعد أن ضاق بهم الحال، وأنهم دفعوا لتجار وعصابات تهريب البشر 1000 دولار للفرد الواحد أو مصطلح «الرأس الواحد»، وفي العام 2007 أعلن الزبير بشير طه وزير الداخلية آنذاك، أن 000.3 سوداني لجأوا إلى إسرائيل متسللين عبر الأراضي المصرية، وتوعد الزبير المتسللين باتخاذ إجراءات ضدهم في حال عودتهم إلى البلاد، موجهاً الاتهام للحكومة الإسرائيلية بتشجيع المتسللين إليها وتسويق المشكلة إعلامياً للإساءة إلى صورة السودان، وأضاف قائلاً: «إن 40% من اللاجئين السودانيين إلى إسرائيل من جنوب البلاد، و35% من دارفور و25% من منطقة جبال النوبة». وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت قبل أعوام أنها بدأت بدراسة ظاهرة هجرة السودانيين لإسرائيل وأجرت عمليات مسح كامل لجميع المهاجرين من حيث الهوية والعمل ودوافع البقاء في مصر لحين العبور منها إلى إسرائيل، وأكدت وزارة الداخلية وجود تنسيق بينها وبين السلطات المصرية في هذا الشأن. أما عن أوضاع أولئك المهاجرين غير الشرعيين بإسرائيل، فمجرد وصولهم تحتضنهم الحكومة الإسرائيلية في معسكرات لاجئين أشبه ما تكون بمعسكرات «تأهيل»، ومن ثم تبدأ في توزيع فرص العمل على حسب الخبرات الشخصية للمهاجرين، فيعمل أغلب المهاجرين في الفنادق والبيوت والمحال التجارية، وفي قيادة السيارات وخاصة النساء، فيعملن بالمنازل والفنادق ويتقاضين أجراً قدره 8 دولارات في الساعة، بل حتى أن المهاجرين الأفارقة أصبحوا يعملون في مزارع الإسرائيليين، أما عن الجانب الخفي لطبيعة العمل في إسرائيل فيرى العميد «م» بجهاز الأمن حسن بيومي أن الموساد يحتضن بعض هؤلاء المهاجرين ويؤهلهم بالمجان ويقوم بتوظيفهم بالموساد، ثم يقوم بإرسالهم إلينا مرة أخرى أو إلى الدول العربية للتجسس لحسابه، ويرى أن الخطورة الكبرى تكمن في رغبة كثير من ضباط الأمن السابقين ممن ساءت أوضاعهم المعيشية، وأضاف أنه إذا لم تلتفت الدولة إليهم فيمكن أن يمثلوا كارثة على البلاد نتيجة المعلومات والخبرات التي يمتلكونها، وقال بيومي إن معلومة وضع المتسللين في السجون الإسرائيلية مجرد تمويه. ومع تغير الأوضاع السياسية والجغرافية والاقتصادية التي تشهدها البلاد بانقسام السودان الذي جاء وفق الاستفتاء الذي أقرت به اتفاقية نيفاشا في العام 2005، وإعلان دولة جنوب السودان الذي تم في التاسع من الشهر الجاري، ومع اعتراف إسرائيل بدولة الجنوب الوليدة، وإبداء رغبتها واستعدادها لمساعدة الدولة الوليدة في وضع حجر الأساس ورسم ملامح الدولة الوليدة وتأسيس «البنية التحتية» والتنمية الزراعية، ليس هذا وحسب بل تناقلت الأنباء وجوداً كثيفاً لخبراء إسرائيليين بشتى المجالات، وفي ظل تأكيد حكومة الجنوب أن جنوب السودان هو «الوطن الثاني لليهود»، وأن الإسرائيليين لن يحتاجوا إلى تأشيرة دخول إلى دولة جنوب السودان، ومع وجود سفارة إسرائيلية في جوبا، ووجود سفارة لجنوب السودان بإسرائيل، ومع البدء في مفاوضات بين إسرائيل ودولة جنوب السودان حول إعادة اللاجئين الذين وصلوا إلى إسرائيل في السنوات الأخيرة، والذين يقدر عددهم ب30 ألف لاجيء، سوف يتم الاتفاق على طريقة إعادتهم إلى الجنوب قريباً، مع كل تلك المعطيات السياسية والبيئة المناخية الجديدة للدبلوماسية بين الدولة الوليدة وإسرائيل، هل ستصبح دولة الجنوب مقصداً للمهاجرين بدلاً عن مصر؟.. وهل ستصبح الدولة الوليدة هي «جسر العبور»؟.. وهل سيمثل الوجود الإسرائيلي الكثيف بدولة الجنوب، تهديداً لجمهورية السودان؟.. وهل ستتجه إسرائيل لفرض سيطرتها اقتصادياً على ذلك الجزء الإستراتيجي في قلب القارة؟.. وما هو مصير منابع النيل في ظل الانتشار الإسرائيلي بالقرب من المنابع؟ أسئلة لن يجيب عليها ولن يستطيع التكهن بإجاباتها أحد.. والأيام القادمة قطعاً سوف تكون حبلى بالعجائب.