النجاح الذي حققته الدراما السورية من خلال البيئة الشاميّة على المستوى العربي، يقدّم مسلسل (الولادة من الخاصرة) خروجا جريئا من حارات الشام القديمة وشهامة زعمائها إلى واقع المجتمع السوري، ليعطي صورة بانورامية عن هذا المجتمع بمختلف طبقاته واتجاهاته، ويطرح مجموعة كبيرة من الموضوعات البالغة الحساسية، من بينها الفساد والفقر والمعاناة في ظلّ الظروف القاهرة، إضافة إلى تعقيدات الشخصية الإنسانية وتداعيات المؤسساتية الخانقة والبيروقراطية المنافقة،يخرج المسلسل السوري (الولادة من الخاصرة)، يعتمد مبدأ البطولة المشتركة، جامعا كوكبة من ألمع نجوم الدراما العربية، من بينهم سلاف فواخرجي، قصي الخولي، عابد فهد، سلوم حدّاد، مكسيم خليل، سليم صبري، أيمن رضا، شكران مرتجى، منى واصف وكندة علّوش،للمخرجة السورية المبدعة رشا هشام شربتجي والكاتب سامر رضوان، عن نَمط دراما البيئة الشاميّة الذي بات تقليدا متبّعا في الدراما السورية، بعد أن ساهم المخرج بسّام المُلّا بإدخالها حيّز الاستقطاب الجماهيري للمشاهد العربي، من خلال النجاح الكبير الذي حقّقه في مسلسل (باب الحارة) وبذلك ينقل مسلسل رشا هشام شربتجي المشاهد العربي من أجواء شهامة الحارات الدمشقية القديمة إلى أجواء درامية أكثر واقعية، مقدّما معالجة جريئة لقضايا المجتمع السوري المعاصر على مختلف الأصعدة الأمنية والاقتصادية والاجتماعية ،ولكن هذه الدراما الواقعية تحمل في طيّاتها الكثير من الميلودراما والتراجيديا والكوميديا، إذ يقدم الكاتب سامر رضوان من خلال أحداث المسلسل المتشابكة وحبكته المشوّقة شخصيات جديدة، ومركّبة، وحالات فردية لا يمكن تعميمها على المجتمع كله، لأنها تترجّح بين المعاناة والأمل وبين الخير والشر في أسلوب مُضحك مُبك شديد البلاغة ،وتنطلق أحداث المسلسل من عيادة مخصّصة للإجهاض والولادات غير الشرعية، لتقدّم نماذج عن المهمّشين والفاسدين في المجتمع، وصورة عن حياة الطبقة الفقيرة ومشاكل الناس. النجم السوري قصي الخولي في شخصيّة (جابر) يؤدي دور الفقير، والضعيف، والمكسور الذي يعيش مع زوجته وابنته من قلّة الموت، محاولا تأمين لقمة العيش له ولعائلته، على رغم العقبات التي تتربّص به دائما لتزداد حياته فقرا وإذلالا،من جهة ثانية، يزداد قهر (رؤوف)، الذي يلعبه النجم السوري عابد فهد، في دور مسؤول بارز في الأمن، للمحيطين به من خلال استغلاله لمنصبه، وبشكل خاص لزوجته (سماهر) التي تلعبها النجمة المتميزة سلاف فواخرجي، التي شَوّه وجهها، وعذّبها مع عائلتها وقتل والدها، لانها اتخذت قرارا بإجهاض طفلها منه،ولعلّ شخصيّة (المقدّم رؤوف)، تجسّد أحد أكثر الموضوعات حساسية في مسلسل (الولادة من الخاصرة)، وهو استغلال رجال الأمن لمناصبهم في تصفية حساباتهم وعلاقاتهم الشخصية، واستخدام القوة العسكرية والنفوذ السياسي في الإساءة للمواطن والتنكيل به جهارا.