أولاً رمضان يعود على الجميع بالخير.. فهو رحمة ومغفرة وعتق من النار... والحمدلله أنه جاء حسب أماني جميع السودانيين؛فقد جاء بارد الطقس وحلو الجو،وأعجبني الأستاذ ابراهيم الغبشاوي عندما كتب - على لسان الأستاذ حيدر محمد علي -في (عُميده) -وهما الاثنان من أهل اللغة وحتي لا يتهماني بالجهل - زوايا بعيدة بالصفحة الأخيرة؛عندها كتب أستاذنا الغبشاوي:لم يشأ الله أن يجمع علينا بين حر (الجو) وحر (الأسعار)...... رمضان وكما أذكره صغيرا هو (حوامة) طوال النهار؛وعند القيلولة التي يقصدها الكبار -هي بالمناسبة دون مكيفات ولزوم تبريد الجو التي احتوت الجميع من صحراوي إلى إسبلت -تجد الواحد من الجيران - أي واحد من الجيران؛ما بالأسم يعني - مسخن بمعنى الكلمة،ويستعين على تلطيف الجو بأن (يبل التوب) وبالماء البارد ويتغطي به وهو مستلقي تحت المروحة.. ويادوبك ختا رأسو ...! بس تسمع تُل .. تُل ...! وهذه الأصوات لمدافع كنا نصنعها من رأس ال(الماسورة) أو مأكينة الحلاقة .. ونقوم بربطها بمسمار من المقاسات الكبيرة.. -كلما كانت (ماسورتك) أكبر ..؟ كان صوت مدفعك عالياً - ونكون أكثر من خمسة؛وتجد الأصوات مثل المعركة...وهي وقتها ستنتهي بمعركة لا شك في ذلك...!!؟ فذلك الجار سرعان مايخرج وهو مطلق للسباب و(برطمات تقيلة).. ونحن حينها نمسك بطرف الريح لنهرب ونحن نضحك؛ونحن نرمي وراءنا جملة (يازول أنتا ماصائم..!). وأذكر جاراتنا -ربنا يطول في عمرهم -وهن يتبادلن ال(الحلو مر) والتي تشتهر كل واحدة منهن بطعم خاص للمشروب وهو بمثابة ماركة معتمدة.. و(هاك ياولد) أمشي ناس فلانة ودي ليها العصيدة دي ..؟ ولاّ الطعمية ولاّ .. ولاّ... والفطور في منتصف الشارع أو الميدان..والذهاب مجموعات للتراويح وبعدها لعب الكرة بالكشافات (حمراء) اللون وتمتلئ ميادين الحواري بمختلف الأنشطة رغم بساطة الحال.. ولكن الشهادة لله..!؟ كان الجميع مبسوط لايشكو من ضيق في حال أو مال ولا يحزنون...مثل رمضاننا هذا أو سابقيه..!!؟ تلكم ال(حاجات).. تشتهر بها المناطق الشعبية في الخرطوم بمختلف اضلاع مثلثها؛وهي من الأشياء الجميلة -ليس فيها موضوع المدافع - والتي لازال البعض يتمسك بها. رغم اختلافات بسيطة في التكوين الانساني والعمراني الذي حدث. جلست مع جار لي وكنا عن رمضان والحال نتحدث؛ وحكى عن أم درمان ولياليها الرمضانية التي كانت تنتظم أحياءها وشوارعها،وكيف انتقل (جميلها) لل(الثورات) القديمة وهي التي كانت تسمي بالمهدية وتضم الحارات الأولى وحتى السادسة..وكيف تغير الحال مع حرب الفضائيات والمسلسلات،وقلت زيارات الأهل والأقارب.. وكيف أنه لم يسمع صوت (مدفع) منذ سنين عددا..وأن العصيدة قد تغير طعمها من دقيق البيت للدقيق المعبأ،وحتى المشروبات أصبح ليس هناك وقت لصنع العرديب أو التبلدي؛وكلها الأن معبأة في عبوات وبأحجام مختلفة...و و ... ألخ..! في رمضان شاهدت معظم محطاتنا التي أصبحت ماشاءالله (كمية).. وبالشروق التي أحترمها جداً،شاهدت مع محمود وبالأخص الحلقة التي كان فيها ضيفاً ثانياً د.الفاتح حسين... وهي حلقات وثائقية للمطرب محمود عبدالعزيز صاحب التجربة المتفردة؛والمدرسة الصوتية الخاصة.. وكانت حلقة جميلة استمتعت بها رغم ضيق زمنها نصف الساعة تقريباً.. وبالفضائية السودانية شاهدت مسلسل(دكين).. وهي اعادة تجربة درامية ناجحة بكل المقاييس..وموعودون ب(سكة الخطر) أيضاً. وفي قوون شاهدت حلقات من برنامج أقوان في رمضان،وفي النيل الأزرق تابعت عدة حلقات من البرنامج الذي صاحبته ضجة قبيل رمضان (أغاني وأغاني)؛واحبطتني تلك الحلقات فهي ليست كما كنت أتوقع؛وهناك برنامج أعطاني أحساس البرامج الاعلانية،وتقدمه مذيعة قيل لي أنها تمتلك أحد المحال الرياضية الخاصة بالنساء،وهو برنامج تعريفي في شكله عن عادات وطقوس رمضان في الخرطوم عموما،وتتحدث فيه المذيعة أكثر من الضيفة صاحبة المنزل؛والتي تقوم بشرح طعامها وطريقة صنعه الخاصة بقبيلتها،أو منطقتها... والسيدة المذيعة (تنط وتختف) الكلام من لسان الضيفة،وتنسى أنت موضوع الحديث كما الضيفة نفسها.. السكر قصة مرتبطة برمضان،وأنا أقترح أن يكون اعلان صيام رمضان ليس مرتبطا برؤية الهلال فقط؛ بل عند اختفاء سلعة السكر.. قدح البعض في زيارات الراعي والرعية،ووصفها البعض بالاعلان المدفوع القيمة بالصحف والوسائل الأخرى.. وفسروها بأنها من الصدقات التي لا ظل لها مثل السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظل الا ظله؛ولكن هذه الزيارات من الدولة التي قدم لها المكرمون شبابهم وحياتهم ويستحقون مانالوا من زيارة.. وماتركت من أثر طيب في نفوسهم.. وهي ليست باسم البشير أو علي عثمان أو نافع أو عبيد... بل هي باسم كل الشعب السوداني تقديرا لهؤلاء،،وليست بمنحة أو تبرع أو صدقة..فهذا دور الدولة.. أو ليس هذا دور الراعي أن يتفقد حال رعيته.. ويتركها وهي راضية فكل معروف صدقة ويدخل فيه كل إحسان ولو ببسط الوجه أوبكلمة طيبة.