كنت من المحظوظين الذين يتابعون مقالات سفير صاحبة الجلالة بالخرطوم السيد نيكولاس كاي يجريدة آخر لحظة، وهو يحاول بكل ما يملك أن يقول لنا بأن هناك رباطاً مقدساً يربطنا معاً، وأن الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس كان السودان من أوائل مستعمراتها، لذلك فحبه للسودان لم يأت وليد صدفة أو لعلاقات عابرة، بل لأن المملكة المتحدة تحمل الكثير من الود للسودان والسودانيين، حتى وإن أنكر ذلك السيد ديفيد كاميرون رئيس الوزراء أو وزير خارجيته، فهي التي صنعت السودان بإدارته الأهلية المميزة، ولا ننسى الحاكم العام، والسكرتير الإداري، والسكرتير المالي، والموظفين المؤهلين في جميع أنواع المهن والخدمات المختلفة، ولن أنسى أبداً عندما سافرت في بعثتي الرسمية الى الولاياتالمتحدةالأمريكية عن طريق لندن، وعند وصولنا الى لندن مكثنا في فندق لندن بالقرب من مطار هيثرو حتي نتمكن من تغيير الطائرة السودانية الى طائرة الجامبو الأمريكية في اليوم التالي لتذهب بنا الى امريكا، وهناك في الكافتريا، وجدنا أحد الأخوة الإنجليز الذي كان يجلس في مكانه وينظر الينا بكل دهشة واستغراب، فما كان مني إلا أن حييته بابتسامة ك ان يعرف معناها، فحياني بتحية أحسن منها وسأل من أين انتم؟ والى أين انتم ذاهبون؟، فذكرنا له اننا من السودان وذاهبون الى امريكا لتلقي العلم، من هنا تحدث الرجل وكأنه منتظر هذه الإجابة وقال بإنه يحب السودان، ويحب السودانيين، وأن له فيها ذكريات لا تنسي عندما كان يعمل مفتشاً أو مراجعاً للحسابات بالخرطوم، إبان الحكم الإنجليزي للسودان، ثم شرح لنا كيف أن حكومته (الإستعمارية- وهذه من عندي) نظمت السودان وخصصت له المديريات، والمراكز، والإدارة الأهلية بجميع تنظيماتها ...الخ وخلقت فيه كوادر من شتى المهن والخدمات بعد تخطيط سلكه الإداري، حتى يقف على قدميه، ويحكم نفسه بنفسه، هذا ما قاله ذاك الرجل الطيب الذي لا اذكر اسمه، وقد فارقناه وهو يتمني لنا وللسودان كل النجاح والإزدهار، ولكن.. هل يعلم ذلك الرجل الطيب بأن السودان انقسم الآن الى قسمين هما شمال السودان وجنوب السودان؟، وهل يعلم ذاك الرجل الطيب بأن السودان صار لعبة في يد أمريكا ومن معها من الدول الأوربية، بعد أن خرج من دول الكمونولث، وأن اسم السودان صار مرادفاً للحرب، والفظائع، والفقر، والقمع السياسي كما تقول أنت؟، وهل يعلم أن الجنود الأثيوبيين الموجودين بأبيي لحراستها وعددهم حوالي 4200 جندي مقاتل سيكون معظمهم من الفلاشا، التي لا تؤمن إلا باسرائيل ومخططاتها وكيفية تنفيذها، وأخيراً هل يعلم بأن السودان الآن مليئ بالمشاكل التي تدعو لتقسيمه الى عدة دول رغماً عن كل شيء؟. سيدي السفير نيوكلاس كاي، أن ما أثارني في مقالك القيم، هو عدم معرفتك بأشياء كنت أظن أن وزارة الخارجية السودانية قد أفاضت في شرحها لكم لتفهموها، وتبلغوا الرسالة بالتالي الى سلطاتكم العليا، ولكن للأسف أنتم أنفسكم لا تدرون شيئاً عنها أو عن حقيقتها، وأقصد بذلك تفسيرك للأحداث الأخيرة التي حصلت لقوات حفظ السلام الأثيوبية عند إصابة جنود لهم في منطقة أبيي بلغم وعدم اخلائهم بالسرعة الممكنة كما يقولون، وأيضاً كيفية تحليل ردة الفعل العنيفة تجاه تجديد التفويض الخاص بالبعثة المشتركة للأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي في دارفور (اليوناميد)، والذي وضعت فيه دول ما يسمى بالأممالمتحدة إشارات سالبة بين بنوده حتى تستطيع إنجاز مهامها ضد السودان، وأيضاً لا ننسى العقبات المتزايدة كما تقول أنت والتي تضعها الخرطوم في طريق بعثات الأممالمتحدة ولا أدري أين هذه العقبات؟، ثم يأتي الرفض المستمر من الحكومة للسماح بوصول المساعدات الإنسانية الى جنوب كردفان، ومعه التحقيق المستقل في الإدعاءات المتعلقة بالإنتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان. وبصراحة سيدي السفير كل ما ذكرته في مقالك كتساؤل منك بما يحصل بالسودان نشكرك عليه لأننا نريد أن نعرف أنفسنا، بل أن نعرف أين نحن الآن؟ وقد كان الواجب أن تكون ملماً بكل ما قلته إلماماً تاماً، كما كان من الواجب أن تعمل وزارة الخارجية السودانية (إذا لم يكن من ذلك بد) إلي إشفاء غليلك من كل هذه التساؤلات المخفية، والتي أرجو أن لا تكون مخفية، لتساعدنا في تسريبها الى جهة اختصاصكم، أما ما تحدثت عنه سيدي السفير عن تعزيز المملكة المتحدة لجهودها للتعامل مع السودان بطريقة حضارية، نقول لك نحن نؤيده ونشد من أذره، ونرجو أن تكون علاقاتنا مع المملكة المتحدة قوية ومتينة وموجبة في جميع المجالات، ولا ننسي جهودكم في اعفاء ديوننا التي بلغت حتي الآن حوالي 38 بليون دولار .