هاهي نفحات شهر رمضان تودعنا ونحن لم نستطع تقييم أيامها بحقها الكامل.. ما بين السعي الدنيوي الضاغط واستلاب الثواني من حضن المسؤوليات والمشغوليات الكثيرة فتسللت بعض بسطة من زمانه من بعيد من أدرك جل أجره الكامل.. ورغم ذلك تشدنا عزامات الرجاء في عفو الله وغفرانه عن ذلك.. وفي خضم السرعة والإيقاع المتواتر أجد نفسي «ساهية» لم يفصل بيني وبين فرحة العيد والإعداد له إلا هذين اليومين.. من أين لي بغسل الملايات والستائر وتلبيسة الستة كراسي.. إذن هي «الصحيان» من الفجر والبدء في تلك المهام.. والناس من حولي في ذاك الفجر وقبيله يمارسون التهجد وأنا أحمل حبل الغسيل فوق طاقاته وحالة الغسيل من الاتساخ العادي توازيها حالة النظافة المحسوسة والمعنوية عند ذلك الميقات الواعد.. والخيط الأبيض تنسل تداخلاته الأسود وتستبين فواصل الإمساك عن الفطر... والنعاس يغالبني وأغالبه ولكن لابد من الاستمرار... فكم أحسست بحميمية زمانية لتفاصيل هذا الشهر المتميز.. والأصوات والمآذن تختلط على أطراف مسامعي فتعود بي إلى الوراء لتذكرني وأنا طفلة كم كان شهر رمضان مكاناً للاحتفاء والفرحة «حبوبتي السيدة بت يوسف» تعد عدتها لتفاصيله الطقوسية.. أذكر جداً تلك «القدرة الصغيرة» التي كانت تنضج عليها البلايل وتلك «الحلة.. تمبل باي» التي تسوط عليها العصيدة وأحياناً تتجاوزها «بلتخ العصيدة بالكنش على الصاج» وما بين تلك التفاصيل اللذيذة يعود بي الزمان إلى منظرها وهي الآن تغالب الكبر وتقدم العمر ليقول الزمن كلمته الحتمية ويحرمها القدرة على عمل أي من تلك النشاط التي كانت تقوم بها يعجبني إصرارها على الصيام وهي في هذه السن المتقدمة.. وشبكتها ما بين التجميع والخروج.. فجأة أعاود العودة للواقع.. للغسيل الذي يبدو أنه سوف يجف ويحتاج مني للمكواة وتلك التقليدية القديمة في رص الأواني و.. و.. و.. ذات التفاصيل التي كلما جاء عليها عام أضاف وخصم منها مقدار ما أحدثته الأيام من تداعيات وانفعال.. إن كانت تفاصيل اليوم الأخير لشهر رمضان في «حلتنا» في السابق يعلنها «الشفع» بضربهم لكل ما يصدر صوتاً ويردفها الراحل «حاج المر» بضربه للسلاح ابتهاجاً وفرحاً بقدوم العيد وإكمال الشهر الفضيل.. وها أنا اليوم أقابل العيد «بمساسكة» الملاحقة والتوسط مع الآخرين في إنجاز متطلبات الفرح. آخر الكلام: عزيزي رمضان.. أتيت وذهبت متعجلاً.. ما زلت احتاج لبعض صحو ومناجاة أبثك فيها ذنوبي وتهديني فيها السماح والتوبة... فيا شهري الفضيل دمت زماناً للعودة ومحاولة للتجديد والتغيير. مع محبتي للجميع وكل عام وأنتم بخير