مقدمة: كاتب هذه الذكريات والمعلومات الأستاذ حسين عثمان بيطري من الذين تلقوا العديد من الدورات التدريبية والعلمية في مجال عمله -البيطرة- في جمهورية ألمانيا وقد عاش ردحاً من زمانه هناك وحتى بعد انتهاء التدريب ظل يتردد كثيراً على ألمانيا، وقد بنى على مر الزمان علاقات واسعة هناك. وحسين عثمان بيطري من أعلام ود مدني واشتهر كعازف موسيقى ومرجع في فن الغناء والموسيقى بود مدني. شهد حكم الرئيس الراحل الفريق إبراهيم عبود 1958- 1964 والذي جاء بعد عامين فقط من استقلال السودان 1956م نجاحات عديدة في استقطاب العون الخارجي والمشاريع الكبيرة للسودان في ظل الجو السياسي العالمي السائد في كل بلدان العالم الثالث وسط حركات التحرر وتوالي استقلال كثير من الدول الأفريقية ودعم دول عدم الانحياز لهذه الدول والتي كان للسودان في مساندتها دور كبير عقب الاستقلال مباشرة بقيادة الرئيس الراحل إسماعيل الأزهري في مؤتمر باندونغ الشهير. نجحت حكومة الراحل الفريق عبود في بناء جسور قوية مستفيدة من هذا التجمع العالمي في الانفتاح على كثير من دول العالم والتي كانت هي بدورها على استعداد لمساندة الدول الناهضة أهم هذه الدول جمهورية ألمانيا الاتحادية ويوغسلافيا السابقة. بدأت أولى خطوات الانفتاح على جمهورية ألمانيا الاتحادية والتي سافر إليها الفريق الراحل إبراهيم عبود مع وفد عسكري رفيع المستوى أنجز خلالها اتفاقيات كبيرة وعديدة شملت المجال العسكري والاقتصادي والثقافي كما شملت مساعدات كبيرة لم تكن في حسبان الوفد السوداني الزائر. تم في الزيارة عقد اتفاقيات كبيرة شملت الجانب العسكري والاقتصادي. في المجال العسكري تم الاتفاق على إنشاء مصانع عسكرية بالسودان أهمها مصنع الذخيرة القائم الآن بمنطقة الشجرة بالخرطوم وبعض المصانع الأخرى في نفس المجال العسكري كما تم ابتعاث أعداد كبيرة من الضباط في شتى المجالات الفنية وكذلك في مجال الرياضة العسكرية وتسليح الجيش السوداني بأحدث الأسلحة لتحل محل الأسلحة العتيقة التي ورثناها من المستعمر البريطاني وخير شاهد كمثال بندقية ال ج3 التي أحدتث دوياً هائلاً وسط جنود الجيش السوداني في حينها. إلى جانب العديد من الآليات كعربات المجروس والتي كان يطلق اسمها على كل من هو قوي وقادر على تحمل المتاعب. وفي المجال التعليمي حدثت طفرة كبيرة في ابتعاث الأطباء والمهندسين والبياطرة والزراعيين للتخصص في مجالاتهم في الجامعات والمعاهد الألمانية العليا ومن المنشآت الهامة التي تم تنفيذها في ذلك الوقت. - بناء محطة كهرباء سنار على خزان سنار بواسطة جمهورية ألمانيا الاتحادية والتي بدأ تشغيلها وادخالها في الكهرباء القومية عام 1962م. - مصنع سكر الجنيد على النيل الأزرق بولاية الجزيرة 1962م. - مصنع سكر القرية 1964م. - إنشاء مصنع الغزل والنسيج في كل من مدني- بورتسودان- حاج عبد الله. - مراكز التدريب المهني في الخرطومود مدني والأبيض ونيالاوبورتسودان والمدن الأخرى في السودان والتي أدارها أساتذة ألمان حتى تم تسليمها للأساتذة السودانيين الذين ابتعثوا للدراسة في ألمانيا وجلهم كانوا من خريجي المدارس الصناعية الثانوية العليا والمعهد الفني. وتم تخريج أعداد هائلة من هذه المراكز يحتلون الآن مواقع هامة في المجال التقني والفني في المصانع السودانية كما أنهم ساهموا بقدر كبير في عجلة التنمية في المهجر في الخليج والسعودية وغيرها من البلدان استطاعوا من خلالها خدمة تلك البلاد ومساعدة أسرهم في السودان. وفي مجال الطرق ساهمت ألمانيا في إنشاء أجود الطرق بالسودان كطريق هيا بورتسودان والذي أنشأته شركة STRABAB الألمانية الشهيرة في منتصف سبعينات القرن الماضي وكذلك طريق نيالازالنجي وتعد هي من أفضل وأجود الطرق في السودان. كما قامت الشركات الألمانية بشق الترعة الرئيسية لمشروع المناقل من خزان سنار إلى المناقل إلى جانب الترع الرئيسية بالمشروع وكان ذلك في عام 1958م. إنشاء تلفزيون جمهورية السودان بأم درمان والذي قدم هدية للسودان إلى جانب تدريب كوادره من المهندسين والفنيين وبعثات طويلة بألمانيا في منتصف الستينيات من القرن الماضي. إنشاء تلفزيون الجزيرة بود مدني كهدية أيضاً من جمهورية ألمانيا عام 1973م إلى جانب إذاعة ود مدني، كما تم إنشاء تلفزيون عطبرة 1977م. لألمانيا صلات اقتصادية مع السودان بدأت عقب الاستقلال مباشرة وتطورت كما ذكرت في عهد الراحل الفريق إبراهيم عبود متمثلة في شركات وشخصيات سودانية لها وزنها في الاقتصاد السوداني أهمها: - شركة عبد المنعم محمد. - شركة أبو العلا. - شركة البرير. - شركة عثمان صالح. - شركة كونتو ميخالوص. - شركة مصطفى ساتي. - شركة الأقطان السودانية. تعمل هذه الشركات منذ سنوات طويلة في شتى الصادرات السودانية. - الأقطان. - الذرة بأنواعه. - السمسم. - الكركدي. - الجلود. - الصمغ العربي. - الفول السوداني. - الزيوت. وكثير من المنتجات والأعشاب الطبية التي تنقلها بواخر الخطوط البحرية السودانية التي تعمل في رحلات مكوكية بين ميناء بورتسودان والموانيء الألمانية في هامبورج وبريمن وكيل وروستوك تقوم بنقل هذه الصادرات وتعود للسودان بشتى آليات مشاريع التنمية والتي لألمانيا فيها ضلع كبير. العلاقات السودانية الألمانية تحكمها ثوابت راسخة في كل المجالات التي ذكرناها والتي ساعد في تطويرها شخصيات لها وزنها في البلدين على مر السنين. وبمناسبة الزيارة الموفقة التي قامت بها الأستاذ LILL KOBLER مديرة معهد جوته الألماني GOETHE INTITUT وكادرها المساعد لولاية الجزيرة في الشهر قبل الماضي بهدف توطيد الأطر الثقافية التي كانت سائدة بين المعهد ومعظم مدن السودان وذلك بعد عودة المعهد لمزاولة نشاطه بالسودان بعد توقف دام لأكثر من عشر سنوات بعد الوحدة الألمانية وذهاب معظم ميزانية المعهد للدول الاشتراكية بعد البروستوريكا وتغيير أنظمة تلك الدول خصوصاً الاتحاد السوفيتي السابق وبروز دول عديدة لم يكن لها ارتباط بمعهد جوته في السابق في روسيا وغيرها من البلدان الاشتراكية السابقة وقد جاء توقف المعهد في عدة بلدان عدا مصر والتي كان يشرف معهد جوته هناك على عمل المعهد بالسودان والذي كانت تديره جمعية الصداقة السودانية الألمانية تحت رعاية الملحقية الثقافية بالسفارة الألمانية بالخرطوم. لكن إدارة المعهد لم تتخل عن نشاط المعهد بالسودان وظل المعهد مفتوحاً في البناية القديمة بشارع المك نمر والذي زاول نشاطه في الأشهر الماضية ويعتبر ذلك عملاً استثنائياً للسودان. ويعتزم المعهد مباشرة نشاطة في تعلم اللغة الألمانية بواد مدني قريباً إن شاء الله، وبمناسبة زيارة مديرة المعهد ومساعديها للجزيرة أود أن اسلط الضوء على حياة الشاعر جوته المسمى باسمه المعهد. - ولد الشاعر JOANN WOLFGANG GOETHE في عام 1749 بمدينة فرانكفورت. - درس القانون في مدينة لايبرخ التي أحبها كثيراً وتخرج فيها في شهر نوفمبر 1775. - عمل بعد تخرجه في مدينة اشتراوس STRAUS BURG بجنوب فرنسا. - عاش جزءًا كبيراً من حياته في مدينة فايمر WEI MAR بالجنوب الشرقي من ألمانيا وتوفي ودفن في 22/3/1832م. أصبح منزله متحفاً يرتاده السواح في كل دول العالم وله تمثال أمام منزله وإلى جانبه تمثال آخر لصديقه عالم الموسيقى شيلر SHILER والذي يحمل اسمه أكبر معاهد الموسيقى في ألمانيا في مدينة فايمر «أكاديمية الموسيقى العليا» في WEIMAR ويعتبر جوته شاعر الشعب الأول رغم أنه من النبلاء ولكن انحيازه إلى شعبه خلده عبر التاريخ. وللشاعر جوته تمثال منصوب في معظم المدن الألمانية وهناك تمثال خاص في مدينة لايبزخ LEIPZG التي درس فيها أمام المقهى الذي كان يرتاده يومياً ولا زال متواجداً وكذلك المقهى وحسب إفاداتنا في المقالات السابقة فقد درس وتخرج في مدينة لايبزخ كثيراً من الإخوة السودانيين. وتقديراً لهذا الشاعر الفذ حمل معهد جوته اسمه تخليداً لذكراه العطرة وسط شعبه الألماني الذي يعتز به كثيراً. ود مدني