إن المتابع لما يجري في أروقة حزب المؤتمر الوطني الحاكم يحس بأن الأحزاب التي تحلم بالوصول لسدة الحكم قد انسدت نفسها أو ضيعت سنين العمر تنفخ في قربة مقدودة، وقد طرح الزعماء الكبار على النظام شرطاً لا يحتمل التأجيل ولا المساومة، وهو العمل على تشكيل حكومة قومية عريضة تشارك فيها الأحزاب الأربعة المعتمدة لدى النظام، والتي لا تمثل إرادة شعب السودان الشمالي، وهي الاتحادي الديمقراطي، والأمة، والمؤتمر الشعبي، وحليفهم الحزب الشيوعي، وإلا سيواجه النظام بحرب شعواء لا تبقي ولا تذر، ولن يتورع الثالوث الخطير المكون من الشيخ والزعيم والإمام من تدويل القضية، وتأليب قوى الشر علينا ليحتلوا أرضنا (علي وعلى أعدائي)، وفي كل مرة يلجأ النظام لسياسة تطييب الخواطر ليهدئ من ثورة خصومه ويخدرهم ليقتل حماسهم، ليعلن على الملأ بأنه عازم على تشكيل مثل هذه الحكومة العريضة، وتسعى كل الأحزاب بما فيها أحزاب الفكة والكنه أي النظام يتلكأ ويظل متردداً في أن ينفذ ما وعد به، ربما بسبب خلافات داخل أجهزته التي غالباً ما يسيطرعليها المشاترون واللا مبالون والعنصريون والمتشبثون بالسلطة، وآخرهم من يبرم الاتفاقيات ويتنصل عنها بعد التوقيع عليها،، وأما ما يحير العقول فهي تلك الصراعات الضارية والتناحر والتسابق على حكم شعب لم يفوض أحداً لينوب عنه مدافعاً أو مطالباً برد حقوقه المسلوبة عمداً، فلماذا يصرون على حكم شعب لا يحترمونه ويطأوونه بالأقدام، يأمرونه ولا يأتمرون له، شعب تركوه في أحرج الظروف يعاني قسوة الحياة وجحيمها يستغيث ولا يغاث، شعب ظل مهملاً ومغيباً لا يذكر اسمه إلا في برقيات التهاني والتعازي وبدون علمه،، شعب تحاك ضده المؤامرات وتدوَّل قضاياه، ويفرض عليه الحصار وهو غائب عن الوعي يعيش هائماً بلا أمل، وبلا طموح، جل همه أن يحصل على لقيمات يقمن صلبه، ويسكتن صراخ معدته الخاوية، وبرغم ذلك يتصارعون على حكمه بالقوة، وهو لا حول له ولا قوة،، شعب مغلوب على أمره متعب مرهق ومعذب، ينظر للأشياء دونما تمييز وإذا سئل عن رأيه يجيب بصوته الواهن المبحوح.. الله يولي من يصلح، وكأنما الأمر خارج عن إرادته، ولم يتبق لهذا الشعب غير خياران.. إما أن ينتحر ليريح المتصارعين عليه.. وإما أن ينتفض ويزيح غبار السنين، ويرفع الظلم عن نفسه، ويتحرر من كل قيود الطائفية والتبعية العمياء، ليزال مجده وعزته وكرامته، ثم يختار من يحكمه بإرادته وبرضاه، وبهذا يكون قد سد الطريق أمام الانتهازيين العازفين على وتر الوطنية المفقودة أصلاً، وعلى من يحلمون بالرقص في ردهات القصر يتبخترون في حدائقه الفسيحة، ويسرحون بخيالهم الواسع يحلمون بالسفر حول العالم، ليبرموا الصفقات، ويقبضوا العمولات، وتتوالى التنازلات، ويتوسع المزاد ليشمل كل ما في باطن الأرض من ثروات، ومن ثم يمد لنا دعاة الوطنية ألسنتهم ناعين لنا موت الحرية والوطنية لينتهي العزاء بانتهاء مراسم الدفن ولا عزاء للسيدات. إنه حلم بددته حكومة الإنقاذ التي أشكر لها هذا الصنيع، ولقد تعلمنا من التجارب المريرة بأن من يصارع لأجل الحكم ويسعى لنيل السلطة بأسلوب القهر والقمع والقتل وترويع الآمنين لا يخاف الله، ولا يرجى منه نفع إلا لأهله وعشيرته والمنافقين من زمرة حاشيته، هذه هي مصيبة هذا الشعب الذي لابد أن يعود الى رشده ليقف على حقيقة من يتصارعون عليه، وأن يأخذ حذره ويتقي شر من يريدون طمس هويته، وأن ينتبه لتلك الأحزاب الموالية لدول الغرب والمطيعة لأوامرها، ولعبدة الدولار واليورو أذناب الاستعمار، فاقدي الولاء والوطنية يظهرون عكس ما يبطنون، ويتقنون فن اللعب على كل الحبال، كما وأذكر الشعب بالابتعاد عن من يتدثرون بثوب الإسلام وهم أبعد منه خلقاً وقيماً وسلوكاً، ويكفي أننا مدرجون في قائمة الدول الإرهابية بلا ذنب جنيناه، فجردونا من كبريائنا وعزتنا وأساءوا لطيب معشرنا، فسخرنا من أنفسنا وفينا من تنكر عن انتمائه لهذا الوطن حرصاً منه بألاَّ يعامل معاملة لا تليق بإنسانيته، أتمنى أن لا يتبع هذا الشعب أهواء من يضمرون له السوء، وتمكنوا منه بسنة التمكين، فجثموا على الصدور غير مبالين، بقروا البطون، ونهشوا الأبدان، وكسروا العظام، ونهبوا الأموال، وبنوا القصور والأمة تصرخ وتئن وتردد بأعلى صوتها (في حماك ربنا)، فأصابها من الجماعة ما أصابها ولكن الله ليس بغافل عن عباده، فعليك أيها الشعب أن تستجمع قواك وأن تستفيد من الدروس التي دفعت ثمنها فقراً وبؤساً وشقاء وأن لا تزاود في مزاد يعرض فيه الوطن.