في مارس الماضي كتبت مقالاً عن المآلات المحتملة والمصير المتوقع للعقيد مُعمّر القذافي، وذكرت فيه أنه لن يغادر ليبيا ولن يتنازل عن صورته التي رسمها لنفسه، ولن يهرب وإن مصيره سيكون الموت اغتيالاً لا انتحاراً لأن نموذج شخصية العقيد القذافي، هو نموذج الشخصية النرجسية المريضة التي لا يمثل الموت نهاية متوقعة لها أو لأحلامها إذ إنّ مثل هذه الشخصيات تعيش في وهم الأهمية الزائفة والحب غير المحدود من قبل الآخرين. أذكر أنني أشرت إلى أن القذافي سيموت إما قتيلاً على أيدي الثوار، أو على إيدي عدد من أتباعه الذين لا يستطيعون مجاراته فيما يذهب إليه، وقد حدث ذلك كما توقعناه تماماً، ليس لقدرات ندعيها. بل بسبب فهم الحالة الليبية، وشخصية العقيد معمر القذافي، والأمر ليس صعباً لأن البعض ذهب إلى ما ذهبنا إليه. الزنقة في ليبيا وفي كل المغرب العربي. تعني «الزقاق» بلهجتنا السودانية المعروفة، والتي يقابلها اسم «الحارة» عند عدد من شعوب المشرق العربي، مثلما في مصر وبلاد الشام. أما «الزنقة» عندنا فتعني الورطة وكذلك تعني عند الكثيرين، لذلك تداولتها الشعوب العربية وكل النّاس عندما توعّد القذافي الثوار بالملاحقة «دار دار.. بيت بيت .. زنقة زنقة» وما كان يعلم المسكين أن الملك ليس بيده، بل بيد مالك الملك، القوي العزيز، الذي يؤتي الملك لمن يشاء، وينزعه ممن يشاء، ويُعز من يشاء ويُذل من يشاء. القذافي الذي حاول أن يتكبّر وأن يتجبّر، لم يقرأ القرآن جيداً، ولم يتدبّر معانيه، لأنه إن فعل، لم يتكبر ولم يتجبّر، لأن الذي آتاه الحكم والملك لقادر على نزعه منه نزعاً، وأرجو أن تلاحظ عزيزي القارئ قوة كلمة (نزع) ودلالاتها، وكذلك كلمة (يُذل) التي جاءت بعد (يُعز)، فالعزة لله ولرسوله وللمؤمنين. الدرس البليغ الذي لن يتعلم منه الطغاة - أبداً - هو أنّ الجيوش المُجيّشة، والجنود المجنّدة والأحزاب المسيطرة، لن تفيد إن أراد الله عزّ وجلّ نزع الملك من أحد جبابرة الأرض وطغاتها.. الدرس البليغ الذي يجب أن تتعلمه الشعوب - أيضاً - هو أن الكلمة ليست كلمتها، بل هي كلمة السماء، وليس الشعوب إلا وسيلة من الوسائل، وسبباً من أسباب التغيير. خاتمة خاصة تجيء ذكرى ثورة الحادي والعشرين من أكتوبر 1964م ونحيّ ذكرى شهدائنا الأبرار، أحمد القرشي طه، وبابكر عبدالحفيظ وحران وغيرهم.. ونحيّ أيضاً ذكرى الفريق إبراهيم عبود - رحمه الله - الذي تصرّف تصرّف الرجال الحكماء، عندما حرّك البعض الشارع ضده.. فاستقال، وأصبح شخصاً عظيماً يحتفي به الجميع في كل محفل.. بل كان البعض يهتف متحسراً أمامه: (ضيّعناك وضعنا وراك .. ياعبود).