ü غداة رحيل العقيد القذافي إلى الدار الآخرة بأيدي أبناء شعبه وبمساعدة المجتمع الدولي وفي مقدمته مجلس الأمن الذي فوض حلف «الناتو» عبر القرار (1073) للاضطلاع بمهمة حماية المدنيين الذي نشر مظلته الجوية والبحرية التي منعت القذافي من إنفاذ إرادته بإبادة شعبه وشبابه الثائر وتطهير أرض ليبيا منهم «زنقة زنقة وداراً داراً» أو كما قال، وإذا به يواجههم «على الأرض» فينتصر الشعب والثوار ويرسلوه وبعض أبنائه إلى الدار الآخرة بعد أن طاردوه «حفرة حفرة» كما قال أحد الثوار. غداة هذا الرحيل المُدوي للقذافي اجتمع مجلس الأمن لينظر في أمر مُتجبّر آخر أدمى شعبه وليصدر قراراً بشأن الوضع في اليمن التي يتعرّض شعبها الثائر على مدى شهور عديدة للقتل والترويع على أيدي قوات صالح وحرسه الجمهوري وأبنائه وعشيرته الأقربين. ü ورغم أن القرار لم يشر صراحة الى البند السابع من مجلس الأمن الذي يخول المجتمع الدولي حق استخدام القوة أو فرض العقوبات، إلا أنه ومن خلال صياغته المحكمة وبنوده الواضحة التي يصب أغلبها في صالح الثورة اليمنية يعتبر بمثابة «إنذار أخير» للرئيس اليمني الذي راوق وداور وتهرّب حتى الآن بمختلف الذرائع من التوقيع على المبادرة الخليجية المدعومة من الغرب. وجاء القرار أيضاً بإجماع مجلس الأمن، على عكس ما حدث مع الرئيس بشار وسوريا في اجتماع مجلس الأمن الأخير عندما استخدمت كل من روسيا والصين حق النقض وأجهضت القرار. ü وينص القرار الذي تقدّمت به كل من الولاياتالمتحدة وفرنسا والبرتغال، وبريطانيا -التي قامت على صياغة مسودته- على إعراب مجلس الأمن «عن أسفه العميق لمقتل مئات الأشخاص، معظمهم من المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال» وعن إدانته الشديدة «لانتهاك السلطات اليمنية» لحقوق الإنسان، مثل الاستخدام المُفرط للقوة ضد «المتظاهرين المسالمين»، فضلاً عن العنف واستخدام القوة وانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الجهات الفاعلة الأخرى، ويشدد على إخضاع جميع المسؤولين عن العنف والانتهاكات لحقوق الإنسان «للمساءلة» ويطالب جميع الأطراف بالامتناع «فوراً» عن استخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية. كما يؤكد القرار في فقرته الرابعة من جديد رأيه بأن «التوقيع والتنفيذ في أقرب وقت ممكن» على اتفاق تسوية وفقاً لمبادرة دول مجلس التعاون الخليجي ضروري للدخول في عملية شاملة ومنظمة تقود نحو التحول السياسي، منوهاً بالتوقيع على المبادرة من قبل بعض أحزاب المعارضة والمؤتمر الشعبي العام، ويدعو جميع الأطراف الى الالتزام بتنفيذ التسوية السياسية على أساس هذه المبادرة على أن «يلتزم الرئيس اليمني بالتوقيع فوراً على مبادرة مجلس التعاون الخليجي» كما يشجعه هو أو من يفوضه أن يفعل ذلك ويدعو الى أن «يترجم هذا الالتزام الى أفعال» من أجل «انتقال سلمي للسلطة السياسية» كما جاء في المبادرة وقرار رئيس مجلس الأمن الصادر في 12 سبتمبر الماضي دون مزيد من التأخير. ü أما في فقرته الخامسة فيطالب القرار «السلطات اليمنية» الامتثال (فوراً) لالتزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والسماح للشعب اليمني «بممارسة حقوقه وحرياته الأساسية» بما في ذلك حقه في «التجمع السلمي للمطالبة برفع المظالم وحرية التعبير» بما في ذلك حرية وسائل الإعلام، واتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع حد للهجمات ضد المدنيين والأهداف المدنية «من جانب قوات الأمن». ü القرار أشار أيضاً في فقراته السابعة والثامنة والتاسعة إلى حث الجماعات المعارضة كافة الى لعب دور بناء في الاتفاق على تسوية سياسية على أساس المبادرة الخليجية وإلى مطالبة الجماعات المسلحة بإزالة جميع الأسلحة من مناطق المظاهرات السلمية والامتناع عن العنف، وأعرب عن قلق المجلس بشأن وجود تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وأكد عزمه على مواجهة هذا التهديد وفقاً لميثاق الأممالمتحدة. كما نص في فقرته العاشرة على تشجيع المجتمع الدولي على تقديم المساعدة الإنسانية إلى اليمن. وطلب في الفقرتين «11و12» من الأمين العام أن يواصل مساعيه الحميدة من خلال الزيارات التي يقوم بها المستشار الخاص وحث جميع أصحاب الشأن في اليمن لتنفيذ أحكام هذا القرار، كما طلب من الأمين العام تقديم تقرير عن تنفيذ هذا القرار في غضون 30 يوماً من تاريخ اعتماده، وكل 60 يوماً بعد ذلك، وفي فقرته الثالث عشرة والأخيرة ينص القرار على «الإبقاء على القضية قيد النظر». ü قرار مجلس الأمن من وجهة نظرنا، وكما نرى في الجمل التي وضعناها بين قوسين أعلاه، هو بمثابة «الإنذار الأخير» للرئيس اليمني علي صالح ويمكن اختصار ذلك كله في عبارة واحدة -كما ورد في العنوان أعلاه «وقِّع على المُبادرة الخليجية وتنحى وإلا..»- خصوصاً والقضية أصبحت قيد النّظر. ولكن اللافت في «الصياغة البريطانية»، وما أبرع الإنجليز في صياغة المسودات وكلكم يتذكر حكاية «أراضي محتلة» وليس «الأراضي» في القرار (242) في أعقاب حرب حزيران (يونيو) 1976، والتي رفعت عن إسرائيل حرج الالتزام بالانسحاب عن جميع الأراضي المحتلة، ففي آخر خطاب له كان قبل ثلاثة أيام كان الرئيس اليمني قد أبدى استعداده للتنحي -ولم تكن طبعاً تلك هي المرة الأولى- ولكنه طالب بالمزيد من «الضمانات»، وفي موضوع الضمانات هذا كانت «براعة الإنجليز» في صياغة المسودة التي نالت إجماع المجلس على غير العادة منذ انفجار الثورات العربية، فقد ورد في القرار أن المجلس «يشدد على إخضاع جميع المسؤولين عن العنف والانتهاكات لحقوق الإنسان للمساءلة» وعن «إدانته الشديدة لانتهاك السلطات اليمنية لحقوق الإنسان» مثلما يُطالب الرئيس صالح الالتزام «بالتوقيع فوراً على مبادرة مجلس التعاون.. وأن يترجم هذا الالتزام الى أفعال» من أجل «انتقال سلمي للسلطة» بإخضاع جميع المسؤولين عن العنف والانتهاكات يعني عملياً رفض مطالبة صالح بضمانات دولية حتى يستقيل، كما أنه في الوقت ذاته يجُب بهذا القرار الدولي المجمع عليه ما ورد في المبادرة الخليجية من ضمانات، فقرارات مجلس الأمن الدولي تعلو وتسود على كل القرارات الإقليمية أو المحلية. كما أن عبارة «فوراً» المتكررة في القرار سواء فيما يخص وقف العنف أو التوقيع تؤكد أن المجلس قد حزم أمره وقرر سلفاً ضرورة تنحي صالح في أقرب الآجال، والمدى الأقصى كما هو واضح في نهاية القرار هو شهر واحد عندما يحين موعد تقديم الأمين العام تقريره الأول لمجلس الأمن. ü الناشطة اليمنية توكل كرمان، جندت الثقل الذي أضافته لشخصيتها وزعامتها جائزة نوبل للسلام من أجل الحصول على أقوى قرار ممكن من مجلس الأمن لصالح الثورة اليمنية فطارت الى نيويورك لحضور اجتماعات مجلس الأمن بشأن اليمن، ومن هناك ناشدت الدول الكبرى ممارسة الضغط على صالح وقالت قبل الاجتماع إن «الأنظمة الاستبدادية في طريقها الى الزوال، لقد انتهى أمرها» وعقب تبني القرار اعتبرت أنه «يشكل بداية جيدة إلا أنه كان بالإمكان أن يكون أكثر شدة» وقالت كان عليهم أن يناقشوا كيفية إزاحة صالح و«والطريقة التي يمكن تسليمه فيها إلى المحكمة الجنائية الدولية» على رفض أي فكرة للعفو عن صالح، ولو تمعنت كرمان جيداً في نصوص القرار بالطريقة التي جاءت عليها في «المسودة الإنجليزية الصياغة» لأدركت أن مطلبها قد أجيب «من سكات».