هبت علينا ريح عاتية أضلتنا الطريق بإحدى صحاري السودان، وكنا بالعربة أنا ومعي شخصان وقد توغلنا داخل الصحراء وتوقفت العربة تماماً بعد أن غاصت في الرمال الكثيفة لدرجة أن عجزنا عن تحريكها للخلف أو الأمام. وكنا بعيدين جداً من الطريق ولم نكن نتحسب لذلك ولم يكن معنا طعام ولا ماء ولا أجهزة اتصال، عليه لم يكن أمامنا إلا الاستسلام لمشيئة الله، وقال لي صاحبي «أين المخرج يا شيخ» قلت «إن ربي لطيف لما يشاء وإنه علا شأنه وعظم سلطانه إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون» ولو أراد النجاة لأنجاك فكم أنجى من نار النمروذ بن كنعان وأنجى من غياهب الجب وأنجى من بطن الحوت وأنجى موسى من فرعون وأنجى محمد صلى الله عليه وسلم من كيد الكافرين ولا زال ينجي من بطش وظلم أعتى الظالمين «قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين»، ربي أنه لا حول لنا ولا قوة وأنك وعدت المؤمنين المخرج مما يكرهون ربي أرنا عجائب فضلك وسريع لطفك ورحمتك وطاعة جنودك اللهم إن المخرج عندك ليس بعسير وإن العسير عندك يسير. فما هي إلا لحظات ورغم انعدام الرؤيا من شدة الريح إلا وقد أقبل علينا نفر يهللون الله وقاموا بحمل العربة والسير بها حتى وضعوها في الأرض الثابتة وأشاروا لنا بالسير خلفهم حتى أوصلونا إلى الطريق الصحيح وأشاروا لنا على وجهتنا التي نقصدها ونحن في أشد العجب ولم نسمع منهم أي كلام غير التهليل ولكن أحدهم أشار إلى أحد أصحابي وقال له «دع هذا الشيخ يدعو لنا». الحمد لله والشكر لله على ذلك المخرج (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً) «الطلاق 2».