كان خطاب السيد رئيس الجمهورية، المشير عمر حسن أحمد البشير. في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر التنشيطي الثالث للمؤتمر الوطني، صباح الخميس الأول من أمس، وبصفته رئيساً للحزب، كان خطاباً مهماً بالنسبة لنا نحن الذين نعد أنفسنا ويعدنا الآخرون مراقبين للشأن السياسي العام.. لماذا؟.. الخطاب يجئ في سياق سياسي متصل بالأوضاع المرتبكة في المنطقة والإقليم والعالم، ويجئ بعد أخطر قرار شعبي ناتج عن استفتاء أدى إلى انقسام السودان إلى دولتين، إحداهما حملت الأسم القديم وهي الدولة الأم، والثانية حملت ذات الاسم ولكنها رأت أن تقرنه بالموقع من حيث مركز الدولة الأم. خطاب السيد المشير البشير ، جاء في مرحلة دقيقة وحساسة تعيشها بلادنا بعد انفصال الجنوب، لها آثارها الاجتماعية التي يصعب تجاوزها، وآثارها الاقتصادية المنعكسة على حياة الناس في الدولتين، إضافة إلى أن ذات المرحلة تطل على أفق لم يشع منه النور الكافي الذي يحدد معالم الطريق، بعد الطرح الجرئ والشجاع لمبدأ المشاركة في الحكم، من خلال حكومة عريضة. ونحسب أن ذلك كان بلغة الشارع غير السياسي (ضربة معلم) تستحق التصفيق، لأن السياسي الناجح، هو ذلك الذي يسعى للتواصل مع عموم الناس أولاً من خلال التواصل مع منسوبي حزبه، ولا يمكن التواصل مع الآخرين - حتى وإن قل عددهم - إلا من خلال التواصل مع زعاماتهم وقياداتهم.. السياسي الذكي هو ذلك الذي يسعى للتعاون والتواصل مع غيره والاتفاق معهم على الحدود الأدنى لبرنامج يخدم الوطن والدولة والحزب. لا نرى خلافاً حول القضايا الكلية حتى وإن اختلفت البرامج، ولا نرى تباعداً، في قضايا الدين والدولة، ولا تنافراً في ما يتصل بحرية الرأي والتعبير، بل كان ومازال هناك إيمان قاطع لدى كل حزب أو جماعة، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، بأهمية البرنامج الاقتصادي وضرورة الإصلاح السياسي، وتنقية الخدمة المدنية من الفساد، ووضع القوانين والتشريعات التي تساوي بين الجميع وتعمل على تفعيل مصالح الشعب والدولة في محاربة العطالة وجذب الاستثمار والتأسيس لمشروعات ذات عائد ومردود يغذي الخزينة العامة بالموارد والعملات الخارجية. دعوة الرئيس البشير لإشراك الآخرين في السلطة وتمسكه بها هي دعوة ذكية نأمل أن تفتح الباب أمام مشاركات الأحزاب والمناطق ذات الخصوصية، وليت القاعدة اتسعت لتشمل وتضم أبناء جبال النوبة والنيل الأزرق، ودارفور الكبرى ونحن نتوقع ألا تجد الفكرة القبول لدى البعض، لكننا نثق في طريقة السيد الرئيس والجرأة التي يتمتع بها والقدرة التي يملكها لإقناع الآخرين.