يالها من مأساة... وظلم شديد... ويالها من حكاية تلك التي.. حكاها الزميلان أمين جانو وحنان الطيب... في تحقيقهما عن »سوق قورو... العالم القائم بذاته..!«.. وهو كذلك... فحكايته تطول فصولها... وتتمدد بقدر مقالب النفايات في عاصمة البلد... والحكاية هذه... تدفعني دفعاً لاجترار أفكار قديمة... بل أفكار معتقة تغرس في النفوس منذ لين الأظافر.. لكنها لا تدرس في معاهد .. ولا جامعات... وإذا افتقدها المجتمع... تكون نتيجتها الحتمية - وغير المرجوة - هي تلك الأكوام من الفوضى... بل التلال التي اسميها - احتراماً - غذاء مبعثر.. ويسمونها نفايات..!! وحينما ينظر من قرأ التحقيق بذهول ويتساءل عن كيف يحدث هذا...؟ وكيف يأكلون «بواقي» الطعام..؟ فهذا تساؤل مشروع.. ولكنني أتساءل عن من أين تأتي هذه «البواقي»..؟ من الذي يأكل الخبز بهذه الطريقة .. ويقضم من كل رغيفة قضمة.. ويرميها..؟ تربينا - بحمد الله - على نوع فريد من احترام غذائنا.. خبزاً كان أو «قراريص».. فلا نلمس خبزة... ولا «نهوب بناحيتها».. إن لم نتيقن من حاجتنا لالتهامها كاملة... دون ابقاء ذرة منها.. لسنا جشعين... ولا «شرفانين».. ولكنه النظام المفقود - كما كشف لنا التحقيق - فعرى لنا الحقيقة المؤلمة.. عندما أطلعنا على أكوام من فضلات الطعام... تعرضها أسواق داخل عاصمتنا القومية..!! الحضارية..!! بالله عليكم... كيف يمكن لأحدكم أن يبرر هذا الذي يحدث..؟.. وكيف نطالب بتخفيض أسعار السلع... والسلع ذاتها لا تبور أبداً... أبداً.. نعم لا ترجع منها مثقال ذرة.. فكلها يشتريها من يملكون المال... الذين لا يحتاجون منها إلا للقليل.. ولكنهم «يردمونها» .. والدليل ما جاء به جانو.. وحنان .. كثيرون بيننا لا يلقون بالاً على «خبزة» يقتطعون منها «لقيمة» .. ثم يركنونها على جنب.. واللقمة التالية... من رغيفة ثانية.. وثالثة.. حتى إذا شبع أحدهم... تجد ما خلفه اكثر بكثير مما التهمه.. مع فارق أنه غير صالح للاستهلاك... لماذا..؟ يبدو أن بعضاً منا يحتاج لإعادة صياغة في كيفية تناول الغذاء... حتى يأكل الفرد ما يكفيه.. ويشتري رب الأسرة ما يكفي حاجة أسرته... دونما اكثار أو زيادة..