إلى فقيد الشعر العربي محمد المهدي المجذوب في ذكرى رحيله عليه رحمة الله يأبى عليَّ جموحُ شعري أن أضنَّ بما يجيش ويصدُّني عنك الجلال كيفَ التَّغنِّي والحناجرُ لا تزال تقتاتُ أرغفةَ الجليد تتمرَّدُ الكلماتُ خوفَ الرَّكضِ خلفكَ خلفَ شعركَ يا أميرَ الشِّعرِ تجتازُ التَّلَعُّجَ والتَّلفُّجَ تلهثُ الرُّويا تشع ولا جديد جفَّ الخيال كيف اللَّحاقُ بركبِ نعيِك والشَّوامخُ لا تُطال؟! كيف التفاؤُل والمساءُ الموعدُ المضروب كان ولم نكنْ عزَّ اللَقاء البعدُ فرَّق بيننا في القربِ واليومَ الرَّثاءْ كيفَ التقاؤُكَ يا ربيعَ الشِّعر في صَهْدِ الشِّتاءْ والصَّيفُ فرَّقَ بيننا واليومُ جاء متلصِّصاً يمشي على منديلِ ماء! لم يلتفتْ حتَّى أعزُّ الأقربينَ إليكَ ما سمعوا النِّداء حتَّى حداة الشِّعر ما سمعوا تضرُّعَ شِعرِكَ المفجوء آخر من تسلَّلَ بعد صمتِكَ من يديك «كلُّ بنِ انثى..» وعجزُ البيتِ لا يُخفى عليكْ الناسُ في شغلٍ بشعرِكَ عنكَ ما ذكروك وما وفَّوْكَ حقَّكَ في الثَّناء كلاَّ وما دخلوكَ لم يحموكَ حينَ تسلَّلَ الدُّخلاءُ واغتالوا القصائد وتسرطنتْ هُزْلُ الحروفِ على هتافاتِ الموائد لم تحتملْ موتَ القصائد لم تحتملْ غزوَ الضَّجيجِ النَّثر أرصفةَ الجرائد واخترتَ يا ذَوْبَ الصَّفا صمتَ الغناء والعيشَ في صَحْوِ القصائد والشِّعرُ سيف والشِّعرُ قائد أرثيكَ كيف؟ وما مدحتُكَ بَعْدُ مهديَّ الغناءْ؟! جاءني نبأ رحيله ونحن في القاهرة.. وعندما عدت، وكان ذلك في بدايات الثمانينيات، تلقف الصديق الشاعر المسرحي عبد المنعم الجزولي القصيدة وحوَّلها إلى تكوين درامي وعرضها بجامعة الخرطوم، وكان من حسن حظنا أن شاهدها الراحل العلامة الدكتور عبد الله الطيب، فاثنى على العرض وعلى الإخراج وعلى الأداء ما دام هناك شباب يكتبون بهذه الطريقة، فالشعر لا يزال بخير.. لهما الرحمة.