ü سهرتُ الليلة قبل الماضية مع الفضائيات المصرية والعربية أتابع «دراما الاستبعاد». تلك الدراما التي أخرجت عشرة من مرشحي الرئاسة المصرية من السباق. فقد نظرت الهيئة العليا للجنة الانتخابات في التظلمات التي رفعها المستبعدون، وفي مقدمتهم الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل مرشح السلفيين (من غير حزب النور)، وخيرت الشاطر نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، والدكتور أيمن نور رئيس حزب «غد الثورة» واللواء عمر سليمان نائب الرئيس المخلوع ورئيس المخابرات العامة السابق. بالإضافة إلى ستة آخرين أقل أهمية، وأيدت قراراتها السابقة بالاستبعاد. ü جميع المرشحين التسعة المستبعدين سلموا واستسلموا لقرار اللجنة بتأييد قرارها السابق، إلا واحداً هو الشيخ حازم أبو إسماعيل الذي حشد أنصاره بالمئات وحاصروا مقر اللجنة بالهتافات الداوية وزحموا شارع صلاح سالم حيث مقر اللجنة، ونصبوا منصة خاطب فيها أبو إسماعيل أنصاره معارضاً قرارات اللجنة التي وصفها بالتآمر والخيانة، وأعلن أنه لن يغادر المكان وأنهم سيواصلون الاعتصام والاحتجاج حتى تغير اللجنة قرارها «المعيب». لكن الشيخ شخصياً قد غادر المكان بعد نصف ساعة فقط من تهديده، وترك عدداً من أنصاره الذين افترشوا الأرض وباتوا ليلتهم هناك، بحسب أنباء القاهرة ظهر أمس، دون أن يقدموا على أعمال تخريب أو مصادمات مع الأجهزة الأمنية. ü رفض أبو إسماعيل لقرار اللجنة يقوم على حجتين، الأولى أن والدته لم تحمل الجنسية الأمريكية «وربما تكون قد تقدمت لنيلها». وفقاً لإفاداته، ويعزز أبو إسماعيل هذه الحجة بحكم لإحدى المحاكم بناء على إفادات وزارة الداخلية استناداً إلى سجلاتها بأن والدته مسجلة مصرية ولم يثبت لديها أنها تحمل جنسية أخرى، أما الحجة الأخرى فيوجهها إلى طريقة عمل اللجنة المحصنة من الطعن والتعقيب بنص المادة (28) من الإعلان الدستوري الصادر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة بناءً على التعديلات الدستورية المُستفتى عليها شعبياً، والتي صاغها رئيس لجنة التعديلات المستشار طارق البشرى والتي وقفت جميع التيارات الإسلامية خلفها وأيدتها بقوة وطلبت من جموع المصريين التصويت عليها ب«نعم»، وصورت الأمر خلال الاستفتاء بأن من يقول «نَعَم» لتلك التعديلات التي تنص في بعض موادها على اعتبار الشريعة مصدراً للتشريع فقد دخل الجنة، وأن من يقول «لا» فقد باء بإثم عظيم ومصيره النار. ü رجال القانون المصريون فندوا حجة الشيخ في الاستناد على حكم المحكمة، وأوضحوا أن حكم القاضي في تلك المحكمة قد بُني على إفادة وزارةالداخلية من واقع مستنداتها التي تقول إن السيدة والدة أبو إسماعيل تحمل الجنسية المصرية، ولكن هذا في نظرهم لا يكفي، ولا ينفي أن والدته حملت الجنسية الأمريكية لاحقاً، وفي العادة لا تخطر الدولة المانحة للجنسية- وهي هنا الولاياتالمتحدة- الدول الأخرى أو وزارات الداخلية فيها بحصول شخص ما على جنسيتها. وأهم من ذلك أن وزارة الخارجية المصرية قد خاطبت الولاياتالمتحدة عبر سفارتها في واشنطن وردت إدارة الهجرة والجوازات بأن السيدة المذكورة قد حصلت على جنسية وجواز سفر الولاياتالمتحدة وذكرت التاريخ (2006م) ورقم الجواز، الذي أثبتت إدارة الجوازات المصرية إنها زارت مصر ودخلت وخرجت به ثلاث مرات. ü إصرار الشيخ أبو إسماعيل على النفي و «بطبطته» هي على ما يبدو أنها نتيجة «الكذبة» التي اقترفها منذ البداية، تحت إغراء الترشح لمنصب الرئاسة، بعد أن اعتقد أنه سيكون من أكثر المرشحين حظاً لدخول انتخابات الإعادة، إن لم يكن من الفائزين به. لذلك لم وافق ابتداءً على المادة (28) التي تحصن أعمال اللجنة ولم يتحسب لإمكانية اكتشاف جنسية والدته الأمريكية الكفيلة باستبعاده من السباق، بالرغم من أن جزاً كبيراً من عائلته يعيشون في الولاياتالمتحدة، وأن أمه التحقت بهم في سنوات عمرها الأخيرة قبل أن تنتقل إلى جوار ربها. وبما أن الشيخ رجلٌ سلفي ولديه أتباع كُثر يعتقدون بصدقه وصلاحه، فقد أدخله قرار اللجنة، وهي لجنة قضائية عليا، يترأسها رئيس المحكمة الدستورية وتضم في عضويتها رئيس المحكمة الإدارية العليا وثلة من أرفع قضاة مصر ومستشاريها القانونيين، أدخله في خانة «الكذب» والتدليس، وتلك مشكلة ما بعدها مشكلة لرجل بنى سمعته وهيبته على التدين والدعوة للإسلام. وإثبات الكذب في حقه يعني تدميراً كاملاً لتلك السمعة والهيبة، فالإسلام والسنة النبوية قد وضعا الكذب باعتباره أكبر الآثام لا يتفوق عليه إلا الشرك بالله والإضرار بالناس كما هو معلوم بالضرورة. ü أما نائب المرشد المرشح المستبعد خيرت الشاطر، فقد ألقى خطبة جماهيرية عصماء عقب تيقنه من استبعاده، وطلب فيها من أنصاره من الإخوان المسلمين ومن جميع الوطنيين والأقباط تأييد مرشح الجماعة الاحتياطي د. محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة، وألمح من طرف خفي أن الانتخابات الرئاسية قد لاتتم، ولكنها إذا تمت فيجب على كل هؤلاء تأييد مرشحهم البديل د. مرسي «حماية للثورة» كما قال. ما يعني إصرار «الجماعة» على مواصلة نهج الانفراد والاستحواذ على كل مفاصل الدولة المصرية. ورأى كثير من المحللين الموضوعيين أن استبعاد الشاطر كان يمثل فرصة أمام الجماعة لمراجعة موقعها بعد أن أثار ترشيحه خلافاً لوعد الجماعة السابق بعدم الترشيح للرئاسة الذي لقي كثيراً من الاستهجان والشكوك حول سلوكها السياسي في هذه «المرحلة الانتقالية» من حياة مصر، التي تتطلب الوحدة الوطنية من أجل إعادة بناء الدولة المدنية الديمقراطية دون انفراد أو إقصاء. وعندما تستقر الأمور وفي الظروف الطبيعية لن يكون هناك مانع من انفراد حزب- أي حزب- بمقدرات السلطة طالما انتخبه الشعب في ظل دستور دائم يحكم قواعد اللعبة السياسية والتبادل السلمي للسلطة. فالاستحواذ والإقصاء خلال الفترة الانتقالية، سيقود على الأغلب إلى إفراز دكتاتورية جديدة. ü أما عمر سليمان وأعضاء حملته الانتخابية فقد التزموا الصمت المطبق عقب صدور قرارات اللجنة المؤيدة للاستبعاد. وربما رأى الرجل في الاستبعاد خيراً كفاه شر القتال، خصوصاً بعد الزوابع والأعاصير التي رافقت ترشيحه. واستبعد بعض المراقبين فكرة أن عمر سليمان قد دخل الانتخابات بناءً على تنسيق مع المجلس العسكري الأعلى والمشير طنطاوي، وأكد العارفون لعلاقة الرجلين- سليمان وطنطاوي- بأنها كانت علاقة يشوبها التوتر والنفور خلال حكم الرئيس مبارك. كما رأوا في ترشيح الشاطر تعبيراً عن أزمة لحقت بالعلاقة بين «الإخوان» والمجلس الأعلى بعد شهور العسل الأولى أيام التعديلات الدستورية. وبالنسبة لأيمن نور، فهو زاهد أصلاً في منصب الرئاسة، برغم أنه الأب الفعلي والحقيقي للثورة المصرية ودفع الكثير من حريته وصحته في سبيل التغيير من خلال نشاطه السياسي السابق وترشحه في مواجهة الدكتاتور حسني مبارك (2005). فقد كان حزب الغد وحركة كفاية هما المحركان الأساسيان للشعب المصري وساهما بنصيب وافر في تعبئة الشارع وإحداث التراكم الذي قاد لانفجار ثورة 25 يناير. وقد اكتفى نور بالاحتجاج على قرارات اللجنة التي وصفها بأنها معيبة. ü من الإفادات المهمة التي تابعتها الليلة قبل الماضية هي ما ذهب إليه المفكر الإسلامي والقائد البارز في الجماعة الإسلامية د. ناجح إبراهيم، الذي استنكر على التيارات الإسلامية جميعها السعي للانفراد بالسلطة تحت دعوى المشروع الإسلامي وحكم الشريعة، التي صنف مساعيها جميعاً بأنها تدخل في إطار «الدعوات الحزبية» وليس «الدعوة الإسلامية العامة»، واستنكر لجوء هذه التيارات للمساجد وقت التعديلات الدستورية ليطلبوا من الناس التصويت ب«نعم» لتلك التعديلات ومن بينها المادة (28) التي تُحصن قرارات اللجنة العليا للانتخابات. ودلّل على خطل تلك «الدعوات الحزبية» بأن ذات الدعاة يستنكرون اليوم ذلك التحصين لقرارات لجنة إدارية، كان يجب أن يقولوا منذ البداية إنه لا يجوز ومخالف لروح العدالة، لكنْ لأنه كان لمصلحتهم فلم يروا مانعاً في ذلك الوقت، وإذا بهم يشربون من نفس الكأس. وقال ناجح إن منابر المساجد مخصصة للدعوة الشاملة القائمة على درء المفاسد وإعلاء المصالح، وليس للدعوات الحزبية، مستشهداً بالأية «و إن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً». ü وبهذا تم استبعاد عشرة من المرشحين للرئاسة المصرية ليبقى 13 يخوضون السباق، لكنها استبعدت عملياً أقوى مُرشحين إسلاميين هما خيرت الشاطر وحازم أبو اسماعيل، مؤكدة بذلك قول الحقوقيين المصريين: «من حفر قانوناً لأخيه وقع فيه»!