بلا شك يسعد الإنسان أن يرى ثمرات جهوده وهي ترتفع إلى مدارج المجد، وتشق طريقها في الحياة، وتخضر وتثمر، وتؤدى أمانة التواصل بكل إخلاص ووفاء. في عام 2007م وقعت حوادث مؤسفة بين رعاة المسيرية، وجنود الجيش الشعبي للحركة في منطقة بحر العرب (نقطة محكمة القرنتي المقر التاريخي لمؤتمرات التعايش السلمي قبل مئات السنين بين المسيرية والدينكا). على إثر ذلك قفلت الطرق المؤدية إلى ولاية بحر الغزال لأكثر من ستة شهور وبالمقابل كان رد الفعل أن تم قفل جميع مناهل المياه والمراعي والفلوات على طول رقاب ورجول وبطاح بحر العرب. وتأزم الموقف وارتفعت اسعارالبضائع والمحاصيل في كل مدن بحر العزال وأصاب السعية الوهن والضعف والهم. ونظراً للعلاقات التاريخية التي تربط المجتمعات في هذه المنطقة، والتداخلات والتحالفات الأسرية وخاصة بين دينكا ملوال ودينكا أبيم ودينكا ونني. وبحكم معرفتنا الدقيقة واللصيقة بها.. تقدمت بمذكرة للاخ عمر سليمان آدم وقتها كان والياً لولاية جنوب كردفان.. اقترحت عليه فيها بضرورة التنسيق مع القيادات السياسية والتاريخية والرسمية والشعبية بولاية بحر الغزال.. وذلك بغرض قيام مؤتمرات فورية لإزالة حالة التوترات والإحتقان على طول خط التماس مع ولاية جنوب كردفان وعلى وجه الخصوص مع ولاية شمال بحر الغزال. تبنى الأخ الوالي هذه المبادرة وتحمس لها الأخ أحمد محمد هارون وقتها كان وزيراً للدولة بوزارة الشؤون الإنسانية ووفر كثيراً من التسهيلات لنجاح المبادرة. وجدت هذه المبادرة التعاطف والرعاية الكاملة من الاخ علي عثمان محمد طه- نائب رئيس الجمهورية- وكذلك مع الأخ باقان أموم وزير شؤون مجلس الوزراء الاتحادي ومن سلطات حكومة الجنوب. قام الولاة بإصدار قرارات فورية بتكوين لجنتين الأولى برئاسة السياسي الكبير المخضرم ألدو أجو دينق أكوي، الذي تربطنا معه أواصر علاقات أسرية وتحالفات منذ غابر الزمان، وتزاملنا معه بالبرلمان مجلس الشعب القومي إبان ثورة مايو منذ العام 1977م. واللجنة الثانية لولاية جنوب كردفان اسندت وأوكلت رئاستها لشخصي برعاية الاخ علي عثمان، اجتمعت لجان جنوب كردفان، وشمال بحر الغزال في قاعات مجلس الوزراء الاتحادي، بحضور كل المسؤولين من الولايتين وحضور فائق ومقدر من قيادات الدينكا ملوال والدينكا أبيم ومعظم السلاطين والأمراء من شمال بحر الغزال.. وكذلك حضر هذا المؤتمر وهذا الاجتماع كل أمراء وعمد المسيرية بالمنطقة بالإضافة إلى القيادات السياسية والاجتماعية بالعاصمة. اتخذ الاجتماع قرارات تاريخية هامة جداً وهي:- 1/ فتح الطرق، الى بحر الغزال فوراً. 2/ فتح جميع مناهل المياه وفلوات المراعي فوراً. 3/ قيام مؤتمر للتعايش السلمي بمدينة مدينق اويل حاضرة شمال بحر الغزال. تفاعل الاخ سلفاكير ميارديت النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب مع قرار هذه اللجان الشعبية واتخذ قراراً بإعفاء الحاكم الذي تدهورت في عهده الأوضاع الأمنية. وقام بتعيين اللواء بول ملونق أوان الناي حاكماً لشمال بحر الغزال وهو من دينكا أبيم أون ناي وابن سلطان هذه القبيلة التي تربطها علاقات جيرة ومصاهرة وتحالفات مع المسيرية في ذلك المرحال. كان لقرار تعيين الأخ بول ملونق التوفيق والأثر الفعال والعميق لنجاح هذه المبادرة. (أدب المرء خير من ذهبه) اللواء بول أون ناي هو ابن السلطان أون الناي، ووالده زعيم قبيلة دينكا ونني أقرب خشم بيت بالنسبة لجيرانهم المسيرية الفيارين وقد فقد والده من أجل وحدة هذا الوطن، وقامت بتصفيته مجموعة من قوات الأنانيا المتمردة في الستينات، وسوف نكتب عنه بتفاصيل أكثر وأدق فيما بعد. القائد بول ملونق قاد كثيراً من المعارك خاصة مع قوات الدفاع الشعبي وهو من القادة الشجعان الذين يعلمون متى يصول ويجول بالمعارك.. بالرغم من الحرب مستعرة لم ينس بول السلام خاصة مع أهله المسيرية، لأنه كما يقول هو يحارب من أجل الحقوق والعدالة وإرساء قيم المواطنة الصحيحة فقام بانشاء أسواق السلام (كسوق وار وار وغيرها. تسلم الأخ بول ملونق مقاليد الحكم والسلطة في ولاية شمال بحر الغزال وفي فترة وجيزة تبدلت الاشياء هنا وهناك. شجعتنا القيادة السياسية لإنجاز هذه المهمة وكذلك الأجهزة الأمنية على المستوى الاتحادي وفي حكومة الجنوب.. وخاصة بعد لقائي بالأخ محمد العطا وقتها كان نائباً لرئيس جهاز الامن الوطني. سيرت قبائل المسيرية قافلة تهنئة ومباركة قوامها اكثر من ثلثمائة عربة تحمل على ظهرها أكثر من ألف وسبعة أشخاص معظمهم من القيادات السياسية وقيادات الادارة الأهلية، والاتحادات والمنظمات والروابط الاجتماعية واتحادات الشباب والمرأة والمحامين واساتذة الجامعات من المسيرية. قامت هذه المسيرة الألفية من الميرم متجهة الى اويل وبواسطتها تم فتح الطريق وتبعت قافلة التهنئة أكثر من خمسمائة ناقلة وشاحنة كبيرة كانت محجوزة محملة بالمؤن والتموينات والبضائع المتنوعة والوقود وخلافه. ü قبل ان تصل القافلة حاضرة شمال بحر الغزال (اويل) طاف الخ بول ملونق على جميع الفرقان والدكوك وفتح كل المراعي ومناهل ورجول المياه لجميع رحل المسيرية، فهو العليم بتلك الارض وتضاريسها، وتخومها ودروبها ودواليها. فبينما القافلة تسير متجهة الى اويل كانت الظعائن تعاود رحلتها الطبيعية الى جنوب بحر العرب الى أعماق ولاية شمال بحر الغزال فالمنظر كان مهيباً ومفرحاً القافلة تسير والظعائن على يمين وشمال الطريق، وكان السحاب يموج ورزاز المطر يتقطر علينا قطرة قطرة والرعد يرسل هتافاته المدوية كأنه يستقبل مسيرة السلام. وكما قلنا أدب المرء خير من ذهبه قام الاخ الحاكم باستقبال القافلة على بعد أميال من مدينة أويلجنوب بحر الغزال والتي تبعد مئات الكيلومترات عن حاضرة الولاية. ü كانت أسعد اللحظات بالنسبة للمسيرية والدينكا، فبينما القافلة تسير كان جنود الحركة يلوحون ويبشرون ويهللون ويهتفون ويرحبون بقدوم اهلهم المسيرية، فمرت القافلة والظعائن في هدوء تام بمناطق دينكا البيم وونني وقرقنج ومكوج واجوانق وابوت وكوان جوك. تبدلت كل الاشياء والمفاهيم والاجندة من حرب وموت ودمار الى حفاوة وترحاب واكرام وتكريم وحميمية، كانت قد افتقدتها هذه المجتمعات ردحاً من الزمان. حطت قوافل المسيرية الى مدينة مدينق اويل، وكانت حرارة الاستقبال والكرم والحفاوة والذبائح، وضجيج الطبول والنقاقير، وتكاد لا تفرز وتتبين من هو المسيري والدينكاوي في حلبات الرقص المثير. أما التوصية الثانية من قرارات اجتماع اللجان بمجلس الوزراء فكانت:- قيام مؤتمر التعايش السلمي في مدينة أويل في اكتوبر 2008.. وبالفعل تم انعقاد المؤتمر بمساعدات من الحكومة الاتحادية، وحكومة الجنوب وولاية جنوب كردفان ووزارة الشؤون الانسانية وبعثة الاممالمتحدة بالسودان وباستضافة كاملة ومريحة من الاخ حاكم شمال بحر الغزال بول ملونق. حضر للمؤتمر كل فعاليات دينكا ملوال ودينكا أبيم، ودينكا أبيم هي القبائل التي ينتمي إليها السياسي المخضرم ألدو أجو دينق أكوي، والقائد اللواء بول ملونق والسلطان عبد الباقي أكول اقانج. وتتكون من قبيلة مكوج وزعيمها السلطان دينق أكومي والد السياسي المحترم ألدو أجو ودينكا ونني وزعيمها السلطان الناي تونق ودينكا أجوانق وزعيمها السلطان عبد الباقي أكول ودينكا أكان جوك وزعيمها السلطان دود دينج وينتمي اليها السياسي والمحافظ السابق بيو تيم. وشارك في هذا المؤتمر قبائل ملوال وهي في الجزء الغربي لولاية شمال بحر الغزال ودينكا ملوال زعيمها التاريخي السلطان المرحوم رينق ألوال وهو والد الدكتور كاستيلو رينق الوال، والسلطان جستن الجشن والسلطان كوال مكوج والسلطان المعروف الشك شك حليف الزبير باشا ومن ابنائها البارزين الزعيم ألوال دينق، كاستيلو قرنق ،ديو مطوك ابن الاخ السلطان ريج دينق وكليتو أكوت وابراهام البيو وآخرين. وللحقيقة والتاريخ أن ابناء دينكا ملوال ودينكا ابيم كلهم ودون تحيز من زعامات الجنوب المحترمة وهم من السياسيين الناضجين الذين يؤمنون بالوحدة الوطنية ويبحثون دائماً عن ممارسة العدل والمساواة في الحقوق حضروا وحضرت قبائلهم واثروا المؤتمر بالنقاش الجاد. حضر المؤتمر وفتح طريق الميرم/ أويل كل القيادات والامراء والشيوخ والشعراء من المسيرية وعلى رأسهم اكبر معمري المسيرية العمدة حمدين ايدام وكبير سياسيي المسيرية حاكم الحكام عبد الرسول النور، اسماعيل ورهط من المحامين من ابناء المسيرية وكل القيادات اللنافذة والتي تؤمن بالوحدة وضرورات السلام بهذه المنطقة. (ونواصل).. *نائب برلماني ومحافظ سابق