في أيام هوجة هجيليج كلفتني إدارة الصحيفة بالسفر إلى المنطقة الساخنة ، لكن حسبت المسألة في دماغي وإعتذرت بلباقة ، ليس خوفا من الموت على ساحة العمليات من رصاصة متعمدة أو طائشة ، وإنما لأن السفر إلى تلك المنطقة في حد ذاته يشيب من هوله الولدان . المهم قبل أن تبحث الصحيفة عن كادر آخر لتغطية الفعل الحربي السخيف في تلك المنطقة إنتهت الحدوتة وخرج جنود الحركة من الأرض المحتلة ، وبقيت المنطقة موقعاً عسكرياً بحت . الآن بدون لف ولا دوران إعترف تماما إنني كنت مخطئا وفي نفس الوقت كنت عقلانيا لرفضي تغطية أحداث هجيليج ، بالنسبة للخطأ فإن الصحافي أو الإعلامي من المفترض أن يكون جاهزا دوما على سنجة عشرة لتغطية الأحداث الساخنة في أي موقع ، أما حكاية العقلانية ياجماعة الخير فتتمثل في أن السفر لتلك المنطقة من أساسه ربما تكتنفه عقبات ما أنزل الله بها من سلطان ، تتمثل في منغصات إجرائية وأخرى أمنية إلى غيرها من الأمور التي تجعل الشيطان الأزرق يتنطط أمام عيون الإنسان . لكن الشيء الغريب جدا يتمثل في أحلام كابوسية قصفت منصات منامي على مدى خمس ليالي بعد رفضي السفر إلى صاحبتنا المحررة هجيليج ، إذ أن محسوبكم ظلت تطارده كوابيس لعلعة الرصاص وهدير المدافع ، وكنت إستيقظ من نومي مثل الفأر المذعور ، والحمد لله بعدها عبرت المسألة بسلام وغابت الكوابيس إلى غير رجعة . المهم يا جماعة الخير الصحافي الذي يعمل في مناطق العمليات الساخنة عليه أن يحمل كفنه بين يديه ، وتشير الحيثيات إلى أن هناك عشرات من الصحافيين الذين لقوا حتفهم بين غمضة عين وإنتباهتها في مسارح العمليات .وشهدت ثورات الربيع العربي الذي ما زال يشتعل في سوريا مقتل العشرات من الصحافيين برصاص الشبيحة والبلطجية وأزلام الانظمة القمعية ، ففي تونس حيث إنطلقت الثورة العربية لقى مجموعة من الصحافيين حتفهم برصاص عتاولة المخلوع إبن علي وحدث نفس السيناريو في مصر ، أما في ليبيا فإن كتائب القذاقي قتلت العديد من الصحافيين والإعلاميين ، وفي سوريا تتم حاليا تصفية الصحافيين من قبل شبيحة بشار أسد قصدي بشار النعجة ، فمنذ مطلع العام الجاري أعلنت منظمة برس اومبلام كومباني المدافعة عن الصحافيين في تقريرها الفصلي من جنيف أن عدد الصحافيين الذين لقوا حتفهم في العالم منذ بداية العالم الجاري إرتفع بنسبة 50 في المائة مقارنة بالعام الماضي ، وفي سوريا قتل وحدها تسعة صحافيين خلال ثلاثة أشهر فقط ، ودقي يا مزيكا اللحن الجنائزي . ووفقا لتقارير منظمة اوبلام فإن هناك 31 صحافيا قتلوا منذ مطلع يناير الماضي في مناطق العمليات المشتعلة حول العالم . لكن بصراحة دعوني أفش غلي وأخرج ما في قلبي الحزين من كلام وهضربات ، وأقول وامري إلى الله أنه بالرغم من دحر جنود الحركة الشعبية وتطهير أرض هجيلج من دنسهم فإن الحقيقة كانت وما زالت هى الوحيدة التي تسجل غيابا في هذه الحرب القذرة أفهموها بقى .