قبل نحو عامين حضرت احتفالاً لجامعة الخرطوم بافتتاح قاعة ودعة.. لفت نظري في ذاك الاحتفال اللواء طبيب عبدالله حسن أحمد البشير.. الجنرال الجراح جاء بملابسه العسكرية ليشارك الحاج صديق ودعة فرحته بافتتاح القاعة التي حملت اسمه.. تقدمت نحو شقيق الرئيس ببعض الاستغراب.. قدمت بطاقتي الصحفية ودون تردد منحني رقم هاتفه الجوال.. ولكنه لم يرد أبداً على اتصالاتي بخصوص حوار صحفي. لقاء آخر لم يكن ودياً بالجراح عبدالله.. كنت وقتها مع زميلة لي في صحيفة التيار نطارد المعلومات في تحقيق صحفي حول وقائع دخول سيدة محترمة إلى المصحة.. تلك السيدة كانت جزءاً من خلاف عائلي طرفه وزير سابق.. واحدة من الفرضيات أن ذاك الوزير استغل نفوذه وأدخل السيدة إلى عنبر المجانين.. من الشخصيات التي كنا نبحث عنها زوجة اللواء عبدالله البشير.. نور الهدى الشفيع.. أيضاً تحمل رتبة لواء في الشرطة وتشرف إدارياً على مصحة كوبر.. احتد النقاش بيننا واللواء نور الهدى في احتفال نظمه خريجو جامعة الأسكندرية..استمع زوجها باهتمام إلى النقاش العاصف ثم مضى إلى سيارته دون أن يتدخل ولو بكلمة. اللواء عبدالله كان دائماً مادة دسمة يتناولها المجتمع الصحفي.. حيناً تصل الجراءة حد الكتابة.. وكثيراً ما تنتهي إلى مجرد همس..اللواء عبدالله اعترف ذات يوم إلى الزميلة السوداني أنه فقير معدم رغم أنه يعمل في عدد من الوظائف.. عدّدها مابين الجيش وحمله مشرط الجراح في مشفى القلب ووظيفة في الهيئة الخيرية وأخرى في شيكان.. كانت سانحة طيبة لنا أن نرسل سهام النقد لشقيق الرئيس لاحتفاظه بعدد من الوظائف في بلد يشكل حزب العطالة الأغلبية بين سكانه. أمس الأول صدر قرار يحيل اللواء طبيب عبدالله البشير إلى المعاش .. القرار الجريء يخفف من القيود الصارمة المفروضة على شقيق الرئيس.. ذات القرار انتقى ثلة من الضباط الذين لعبوا دوراً كبيراً في سنوات الإنقاذ وأحالهم إلى التقاعد.. من بين هؤلاء صاحب الحديث السياسي اللواء يونس محمود واللواء صديق فضل أحد الذين سهروا الليالي على تأمين الإنقاذ منذ ليلتها الأولى. في تقديري رغم أن الجيش السوداني يستعين على قضاء حوائجه بالكتمان.. إلا أن هذا القرار يؤكد أن مؤسسة القوات المسلحة مازالت على العهد بها في اللجوء إلى قواعدها القانونية وأعرافها المتوارثة من لدن قوات دفاع السودان.. ظل الجيش دائماً يجدد من خلاياها كل حين .. عندما يأتي دور استراحة محارب يشمل ذلك شقيق الرئيس وأصحاب السبق.. يتقبل الجميع تقاليد المؤسسة العريقة بكل احترام. مطلوب مننا قبيلة الصحفيين أن نشد على يد القائد الأعلى المشير البشير وهو يمهر هذا الكشف التاريخي.. ليس من اليسير على أي شخص أن يتجرد من العواطف ويرسل شقيقه إلى المعاش. ليت السياسيين يتعلمون من رجال الجيش منهج المحاسبة والمكافأة.. ليتهم يجعلون الحكم دولة بينهم فيستقيل وزير الدفاع بعد طول إقامة.. ويترجل وزير المالية بعد كثرة الإخفاقات. على العموم شكراً جيش بلادي الذي يهبنا كل يوم درساً.