اتصلت عليّ سيدة أمريكية تخبرني بأنني حظيت بوظيفة مؤقتة في بريد الولاياتالمتحدة.. المتحدثة الرقيقة أكدت أن مزيداً من التفاصيل سوف تصلني عبر البريد الالكتروني.. جذبت نفساً عميقاً.. أحد الأحلام يتحقق في الدنيا الجديدة.. سأكون واحداً من نصف مليون مواطن يعملون في بريد الولاياتالمتحدة.. البريد من المؤسسات الحكومية النادرة التي ما زالت تعمل وتقاوم هجمة القطاع الخاص.. تخلفت عن حضور اليوم التعريفي الأول باعتباره عملاً مراسمياً.. حضرت في يوم العمل الأول واكتشفت أن الحلم ضاع.. السيد المشرف أخبرني أن غياب الأمس يعني مؤشراً لعدم الجاهزية والقدرة على الانضباط. تذكرت تلك الواقعة التي حدثت قبل سنوات وأنا أدلف إلى مبنى شركة (سودابوست).. بداية لفت نظري أن شركة البريد اختارت موقعاً قصياً في شرق الخرطوم.. كل رئاسة بريد السودان يحتويها مبنى من ستة طوابق في شارع بشير النفيدي في حي الرياض.. من قبل كان البريد يزاحم رئاسة الجمهورية بمبناه الأثري في شارع الجامعة. أقل من خمسمائة شاب سوداني يقدمون ملحمة جديدة.. الآن بإمكانك أن ترسل رسالة إلى الفاشر عبر البريد المسجل.. لن تقلق حيث بإمكانك أن تتبع رسالتك عبر الانترنت.. شبكة (سودابوست) ستخبرك أن الرسالة الآن في المكاتب الرئيسة.. ثم بعد قليل تفيدك بأنها وصلت مطار الخرطوم.. وعندما تصل إلى مستقرها في الفاشر ويغيب المستلم سيخبرك (السيستم) أن الرسالة تنتظر حاملها على أحر من الجمر. (عنونة السودان) مشروع لا يفصله عن الكمال إلا مائة وعشرون يوماً.. بعد ذلك سيصبح لكل بيت رقم متسلسل من اثنتي عشرة خانة.. بوسعك أن تكتب الرقم الطويل على الظرف الخارجي.. لا تحتاج لمزيد من التفاصيل مثل شارع الصحافة جوار طلمبة الغالي.. الرقم يرشد رجل البريد لأن يطرق بأدب على باب بيتك. مشروع العنونة الذي أنفقت عليه الشركة من حر مالها استفادت فيه من تجربة المملكة العربية السعودية.. ذات الشركة التي جعلت لكل مدن المملكة معالم بريدية تشارك(سودابوست) في مشروعها السوداني.. بعد اكتمال هذا المشروع يمكن لأصحاب السيارات شراء أجهزة (جي بي اس).. الجهاز يربط الأرض بالسماء ويقودك صورة وصوتاً إلى مقصدك دون أن تضطر للتوقف للسؤال عن معالم الطريق. في سابق الزمان الذي يعود للعام 2009 كان بريد السودان يمتلك واحد جهاز حاسوب في مكتب المدير العام.. من بين 2700 عامل كان تسعة وسبعون موظفاً يعملون في قسم البريد السريع.. هذا القسم يعمل عليه الآن تسعة موظفين مع كلٍ جهاز حاسوب.. العالم الذي يبغض حكومة السودان بسبب سوء السلوك.. يهدي بريد السودان أكثر من ثلاثين حاسوب متطور تقديراً لحسن الأداء. في هذه اللحظة يتفاوض بريد السودان لشراء طائرة روسية.. هذه الطائرة سيكون منوطاً بها خدمة بريد دارفور تحسباً للمفاجآت.. الطائرة ستكون إضافة لأكثر من مائة متحرك يعمل في خدمة البريد. تجربة بريد السودان تؤكد أن الخصخصة يمكن أن تقدم حلاً ناجعاً.. في ظرف عامين من الآن سيتضاعف عدد العاملين في البريد ويصل إلى خمسة آلاف مواطن.. قبل عامين من الخصخصة كانوا نصف ذلك. على الذين يستنشقون (بمبان) الشرطة ألا يفقدوا الأمل.. بلدنا بخير إن وجدت المنهج والدليل.