وقفت على قارعة الطريق.. في ذات النقطة التي تستهل بها سهرتها اليومية.. جعلت ثوبها الأحمر الجذاب الشفاف يكشف عن سوق مملتئة.. ويخفي في ذات الوقت بعضاً من وجهها.. كانت في انتظار رجلٍ ما.. شخص لا تعرفه.. ربما يكون كهلاً بخيلاً.. أو شاباً مسرفاً.. أو مراهقاً يمتليء حيوية.. فكرت في أكثر من سيناريو يبعد عنها شبهة احتراف المهنة.. ويقنع صائدها أنها مجرد هاوية.. هؤلاء الناس لديهم تقاليد مهنية راسخة.. هي عليها أن تقف في مكان معزول.. وألاّ تلوح بيدها ابتغاء فضل ظهر.. على أن تسمر أعينها على كل سيارة.. عليه أن يقف بعيداً على جانب الطريق.. أول دقيقتين في الخلوة تحددان مسار الليلة. توقفت سيارة فارهة بجانبها تماماً على غير العادة.. ترددت ربما شرك نصبته المباحث التي لا تنام.. قائد السيارة المتعجل فتح لها الباب.. داهمها جو رطب مخلوط برائحة دخان كثيف.. ابتسامته المترفة جعلتها تقدر أنها ستكون ليلة مفعمة بالعطاء.. تحركت السيارة بسرعة كأنها تسابق الزمن.. كشفت عن شعرها الجميل.. نظر إليها برغبة لا تعرف الانتظار.. حاول ان يمد يده.. برفق.. إنه أفضل وقت لابتزاز الخصم.. هاتفه الجوال يصرخ كأنه يطلب منه التريث.. حاول أن يسكته.. ولكن الهاتف يلح في طلبه..أخيراً استجاب.. خرجت من فيه كلمة «يا زول انت متأكد».. ثم أعقب ذلك بكلمة رمضان كريم.. عاد إليها معتذراً.. أوضح لها أنه لن يفعلها اليوم وأنه سيمضي إلى صلاة التراويح.. التمس منها أن تنتظر انتهاء الشهر الكريم.. لم يستمع إلى ردها.. ورمى إليها بورقة نقدية من فئة العشرة جنيهات.. ثم جنب سيارته آذناً لها بالرحيل.. غضبت منه.. ثارت في وجهه بكل كلمات أسفل الجسد.. ثم رمت إليه بنقوده. تابعت بغضب مسار السيارة التي لم ترجع إلى الشارع المعبد.. بل سارت إلى أقرب مسجد.. مضت من ورائه.. وأرادت أن تلقنه درساً لن ينساه.. فضيحة تصحبه في الحياة والممات، وقفت أمام المسجد الذي أخذ زبونها المحترم... سمعت تلاوة القرآن بجزع.. كأنها لأول مرة تسمع آيات تتلى.. بدأت تتمعن الكلمات أكثر وأكثر.. نوبة بكاء داهمتها .. صوت نحيبها بدأ يرتفع.. أرادت أن تدخل إلى المسجد الفخيم.. خشيت ألا تكون طاهرة اكتفت بالبكاء بالقرب من الباب.. خرج أحدهم قبل أن يكمل تراويحه شده منظر السيدة التي تبكي من خشية الله.. وضع برفق في يدها مائة جنيه تبعه آخر وآخر وآخرون.. عادت إلى صغارها لأول مرة وهي تضحك.. ومن قبل كانت تأتيهم منهكة وكسيرة وحزينة.