بعد أن قطعت قيادة الحزب الشيوعي بالسودان دراستنا بمعهد الماركسية اللينيني العالمي بموسكو بعد قيام ثورة 25 مايو 69 ببضع أسابيع عدنا إلي السودان ونزل كل واحد منا في تشكيلته الحزبية التي كان بها ... وكان الصراع الداخلي حول (مايو ثورة أم إنقلاب) بلغ ذروته إلا إن الحزب ما زال موحداً في ظاهره. نزلت أنا في موقعي الحزبي المسئول السياسي للجنة الحزب الشيوعي بأمدرمان وبما أن صحيفة الميدان أوقفت مع الصحف الحزبية الأخرى نزلت محرراً متعاوناً بصحيفة أخبار الأسبوع المستقلة التي كان يملكها الأستاذ عوض برير ويرأس تحريرها الأستاذ عمر مصطفي المكي وسكرتارية التحرير الأستاذ ميرغني حسن علي ومجموعة من الزملاء المتعاونين اذكر منهم علي سبيل المثال د. عبد الله علي إبراهيم والعبد لله عبد الله عبيد وآخرون. إكتشاف سلاح وذخيرة بمزرعة بالخرطوم: بينما قيادة الحزب الشيوعي وقاعدته منشغلون بالصراع الداخلي (مايو ثورة أم إنقلاب) ضبطت قوات الأمن كميات من الأسلحة والذخيرة بمزرعة قائد سياسي كبير لم يعلن إسمه حينها وانطلقت الإشاعات في الشارع ناس يتهمون الحزب الشيوعي بملكية هذه الأسلحة وآخرون يتهمون حزب الأمة وظل الناس علي هذا الحال أياماً ولا حديث لمجالس العاصمة غير الحديث عن السلاح المضبوط وتخمينات متضاربة عن الجهة التي تملكه الإشاعات تملأ البلد محصورة في الحزب الشيوعي وحزب الأمة ... الشيوعيون يرمونها في حزب الأمة وحزب الأمة ... يرميها في الشيوعيين وأصبحت القصة (مثل قصة الفأس مين سرقو؟!). القصة مثل قصة الفاس مين سرقو: ذات صباح دخل علي مكتبنا بأخبار الأسبوع شاب مهذب بعد أن حيانا وردينا التحية بأحسن منها وقلنا له تفضل بالجلوس ... شكرنا وقال مستعجل عندي طلب حضور للأستاذ عمر مصطفي المكي والأستاذ عبد الله عبيد لمقابلة السيد وزير الداخلية الرائد فاروق حمد الله ... فقلت له أنا عبد الله عبيد وهذا هو عمر مصطفي المكي ووقع كل منا بإستلام الطلب وشكرناه وذهب. كانت تفاصيله كالآتي: الحضور في نفس يوم إستلام الطلب الموافق 18/9/1969م الساعة السادسة مساء لمقابلة السيد وزير الداخلية عضو مجلس قيادة الثورة ولم يوضح لنا في طلب الحضور موضوع المقابلة !!. تخمينات عن أسباب طلب الحضور: أخذنا نخمن أسباب طلب حضورنا وبهذه السرعة!! هل نشرنا مادة مست الحكومة في شيء!! أم خرجنا عن الخط الإعلامي العام المهم! لم نصل إلي أي تفسير عن أسباب المقابلة. في الوقت المحدد ذهبت والأستاذ عمر مصطفي المكي لوزارة الداخلية في مدخل الإستقبال قابلنا زملاء قياديين من الفصيل المناوى للثورة يبرزون نفس طلب الحضور الذي بأيدينا اذا دعوتنا لمقابلة وزير الداخلية لا علاقة لها بما نشر في صحيفة أخبار الأسبوع. أخذنا نتجمع في فناء وزارة الداخلية ومن وقت لآخر يصل بعض الزملاء في جماعات أو فرادى إلي أن بلغ عددنا حوالي عشرين - خمسة شيوعيين اغلبهم أعضاء لجنة مركزية وقلة من كوادر المكاتب المركزية. من الذي يتحدث:الملاحظة اللافتة إن المدعوين من التيارين المتصارعين داخل الحزب الشيوعي رغم تصاعد الصراع الداخلي إلا إن الحزب كان موحداً شكلاً ولم يحدث الانقسام بعد. المهم ونحن بفناء وزارة الداخلية تحدث إلينا الدكتور عز الدين علي عامر قائلاً بصوت منخفض (فللحيطان أدان)بالذات في وزارة الداخلية قائلاً(بما أننا مدعيين لهذا الاجتماع مع السيد وزير الداخلية ولا نعلم الموضوع الذي سيطرحه علينا ... توجيه الحزب أن نستمع لما سيقوله الوزير .. وألا يعقب إي واحد منا... سيعقب الزميل عبد الخالق محجوب إذا حضر وإن لم يحضر سيعقب الشفيع احمد الشيخ وهو موجود بيننا وفيما بعد اللقاء لكل زميل الحق في التعقيب في تشكيلته الحزبية وإبداء وجهة نظره في نتائج المقابلة... فأمن الجميع علي توجيه الحزب بقناعة تامة. وزير الداخلية وجهاً لوجه: بعد دقائق قليلة من اكتمال تجمعنا وصل الرائد فاروق حمد الله عضو مجلس الثورة وزير الداخلية محيياً من علي البعد جمعنا مسرعاً نحو مكتبه. بعد دقائق بسيطة أتي أحد حراس الوزير طالبناً منا أن نتفضل فأخذنا مواقعنا بمكتب السيد الوزير وجميعنا في حيرة ... تفرست في وجه الوزير الذي أعرفه هاشاً باشاً منذ أن كان ضابطاً في بلدية أمدرمان بعد الاستيداع من القوات المسلحة وأصبح ضابطاً إدارياً مسئولاً عن دائرة الثورة الشرقية أيام حكومة الفريق إبراهيم عبود رحمه الله ففاروق الذي أمامي الآن وجهه صارم حاسم جاد بعد أن كنا في حيرة (بين بينة) تأكدت شخصياً أن أمراً خطيراً حدث أو سوف يحدث وبينما أنا سارح احدث نفسي فجأة قطع حبل تفكيري صوت الوزير يحي الاجتماع فرد الجميع التحية. الوزير يفجر حقائق مذهلة!!: دخل الوزير في الموضوع مباشرة ( طبعاً الدعوة جاتكم مستعجلة وجميعكم ما عارفين الموضوع إلا قلة قليلة جداً عارفة سبب الدعوة ... دعيتكم باعتباركم اللجنة المركزية للحزب الشيوعي لأطرح الموضوع أمامكم بصراحة ووضوح لتتحملوا مسئوليتكم الجماعية ). قبل أيام ضبط رجال الأمن ( أسلحة وذخائر بأحدي مزارع شرق الخرطوم وانطلقت الشائعات في العاصمة يقولوا دا سلاح حزب الأمة ... وآخرون يقولون سلاح الشيوعيين !! والشينة دائماً منكورة في الحال وضعنا حراسة علي المزرعة وبدأ التحري وتصاعدت الإشاعات واتجهت نحو حزب الأمة عديل بالذات حينما تأكد إن المزرعة يملكها احد قادة حزب الأمة مولانا القانوني الكبير عبد الرحمن النور قاضي المحكمة العليا سابقاً والمحامي الطليع وأحد قادة ثورة أكتوبر 64.