إن منطقة شمال إفريقيا والمغرب العربي على وجه الخصوص، أصبحتا محط أنظار الأجهزة الأمنية لكثير من دول العالم، خصوصا بعد أن تأكد أن موجة الإرهاب الدوي تقتحم المنطقة بقوة، وهذا ما أكدته الكثير من التقارير الدولية، غير أن ما يلفت الانتباه في هذه التقارير، هو كونها تجمع على الدور الخطير الذي أصبحت تلعبه جبهة البوليساريو، باعتبارها المحور الأساسي لكل هذه الحركات الإرهابية التي تهدد المنطقة الإفريقية بأكملها، وكل المؤشرات توحي بأن المواجهة القادمة مع البوليساريو، ستكون مواجهة للإرهاب السلفي. إن تحول منطقة الساحل والصحراء إلى بؤرة توتر جديدة يشكل تحدياً جديداً للمجتمع الدول، خصوصا وأن اللاعب الأساسي فيه هي جبهة البوليساريو، التي استحالت إلى «رأس الرمح» القوي الذي يمكنه في أي لحظة أن يهدد الأمن والاستقرار في منطقة البحر الأبيض المتوسط ككل، بدعوى ضرب مصالح الدول المعارضة للأطروحة الانفصالية في الصحراء، وهو خطر تجاوز مستوى التهديد إلى مستوى تنفيذ عمليات هجومية على دول ذات سيادة. وبالتالي اتضح جليا أن جبهة البوليساريو ليست حركة تحرر وطني كما تدعي، وإنما هي ضمن صراع جيو- سياسي تنفذ مخططاته، ولذلك فهي مستعدة لركوب جميع الخيارات الإيديولوجية «الزائفة» لتحقيق هدف استمرارها كأداة فعالة لتنفيذ المخططات الاستعمارية والتوسعية على حساب الحقوق المشروعة للمغرب في امتداده الصحراوي. والشيء الذي يدعو للقلق والدهشة في آن واحد، هي حالة الإنتظارية والترقب التي تسود الجزائر إزاء التهديد الإرهابي في منطقة الساحل على خلفية الأزمة في مالي من خلال إصرارها على الحيلولة دون أي تدخل عسكري في شمال مالي الذي تحتله عناصر «القاعدة في بلاد الغرب الإسلامي» و «حركة التوحيد والجهاد» التي تواصل تجنيد شباب خاضعون للبوليساريو بتندوف على التراب الجزائري ، كان جُل ما وعدوا به هؤلاء الفتية هي «أمل العيش في الجنة الموعودة». إن السؤال الذي يطرح نفسه، هو : لماذا ترفض الجزائر، التي تمتلك أحد المفاتيح الأساسية للحل، ولا سيما الحل العسكري التدخل لصد التهديد الإرهابي في منطقة الصحراء؟، ولماذا تم بشكل غريب، شل لجنة الأركان المشتركة؟ تلك الآلية التي تم وضع تصور لها بالجزائر العاصمة لمواجهة خطر «البلقنة» في المنطقة، والمعروف أن هذه اللجنة المشتركة تجمع العديد من دول الساحل وهي الآن توجد في حالة سبات تام منذ بداية الأزمة في مالي. بعد قراءتنا للوضع الراهن ل«جبهة البوليساريو»، ندرك تماما أسباب ودواعي جنوحها في الأمد المنظور. فبالنظر إلى نضوب ينابيع مواردها المالية من فائض المساعدات الغذائية والإعانات المالية التي كان يدرها عليها نظام القذافي سابقا والجزائر وجنوب إفريقيا، نجد أن هذه العوامل تطرح تداعيات حقيقية حول ضرورة إعادة تدبير بوصلة الخط السياسي لجبهة البوليساريو قبل أن تنعطف في اتجاه راديكالي وإرهابي لمليشياته المسلحة.إن هذه المعطيات الجديدة، ذات المنحى الخطير تجعل من المفروض على الدول الإفريقية نفسها التحرك باستعجال لتطويق الخطر الداهم الذي يتشكل في هذه المنطقة، بدءا بالتصدي للأسباب المباشرة التي يستغلها الإرهابيون لممارسة وتوسيع نشاطهم، وفي مقدمتها الصراع حول الأقاليم الجنوبية الذي تخوضه الجزائر ضد المغرب بدعمها للبوليساريو، وما يترتب عن هذا الصراع من غياب التنسيق الأمني ومراقبة الحدود بين دول المنطقة، مما يخلق حالة فراغ أمني وعسكري تستغله تلك العصابات الإجرامية. إن التفكير في مستقبل تنظيم البوليساريو اليوم تفرضه المتغيرات الدولية والإقليمية وهي مؤشرات لا تبشر واقع المنطقة إقليمياً ومحلياً بالهدوء المنشود، لأن الجبهة وفي ظل تراكم نكساتها الدبلوماسية الدولية والمحلية، من شأنه أن يفجّر الوضع الداخلي للجبهة ولا سيما داخل جناحها العسكري، الأمر الذي يستحيل معه التحكم في الترسانة العسكرية لجبهة البوليساريو، وما يترتب عن ذلك من تحول أعضاء الجيش الصحراوي إلى فلول إرهابية غير منضبطة. أما عن حالة الجمود الذي تشهده مفاوضات حل النزاع في الصحراء، وانشغال الرأي العام الدولي عن قضية الصحراء بقضايا دولية راهنة، فمن المؤكد أنها ستذهب بهيبة البوليساريو وقيادتها التي باتت توصف ب«الفاشلة» في إدارة قضية الصحراء، يضاف إلى ذلك المطالب الاجتماعية المتنامية،تعتبر كلها أهم فتيل لانفجار البوليساريو من الداخل. وأمام هذا الواقع تتشابك خيوط العمل الدبلوماسي للبوليساريو، مما يعكس انحدار الأداء الدبلوماسي على المستوى الدولي أو المحلي لصالح أصوات باتت تدعو إلى الإسراع بحل النزاع في الصحراء والعيش في ظل نظام مدني وديمقراطي بعيداً عن حالة «اللا حرب واللا سلم» التي تقيم عليها البوليساريو وجودها. وأمام هذه الوقائع يجدر بنا أن نتساءل عن شرعية هذه المنظمة التي تدّعي تمثيلها للشعب الصحراوي،عن طريق طروحات زائفة مدعومة مسخّرة في خدمة بعض الأجندات التي تسعى لعرقلة التنمية في المغرب. أم أننا في حقيقة الأمر نشهد حالة إفلاس فكري إيديولوجي لأجندات بالية مهترئة ظلّت الجبهة تتمسك بها من منطلق الغاية تبرر الوسيلة. وأخيراً، الم يحن الوقت للعالم أن يؤمن بان النزاع في الصحراء مفتعل من شرذمة خارجة عن القانون؟ أليس الأدعى أن يتم وضع حد لهذه الخليّة «المارقة» لإرساء دعائم السلم والرخاء في ربوع دول الساحل وجنوب الصحراء؟.