لقد تطرقت في الجزء الأول من هذا المقال إلى التقرير الذي أصدره المركز الأوروبي للدراسات الاستراتيجية الموجود مقره ببروكسل، والذي كان يتمحور حول رؤية هذا المركز للطرح الانفصالي لجبهة بوليساريو، وتآكلها الناتج عن طول هذا النزاع من جهة، وتصلب مواقف قيادتها من جهة أخرى. وفي هذه الحلقة، سأركز على تلك الفقرات من التقرير التي تعتبر بأن جبهة بوليساريو قد تحولت إلى أكبر داعم لحركات الإرهاب في منطقة الساحل، حيث يرى الباحثون الذين أشرفوا على إعداد هذا التقرير أنه، منذ 35 سنة، والنزاع حول الصحراء يشغل منطقة شمال إفريقيا، ويتسبب في توتر كبير في العلاقات المغربية الجزائرية، مشيرين إلى أنه رغم أن الجهود الدولية المدعومة خاصة من قبل منظمة الأممالمتحدة، قد أدت إلى الاتفاق على وقف إطلاق النار منذ 1991، فإن تلك الجهود الدولية لم تؤد إلى التوصل إلى حل نهائي لهذا النزاع، في نفس الوقت الذي شهد فيه الوضع الأمني في منطقة شمال إفريقيا، ومعها منطقة الساحل والصحراء بعض التدهور، إثر هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 على الولاياتالمتحدة، حيث وجدت بعض الجماعات الإرهابية، وفي مقدمتها الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية، ضالتها في تلك المنطقة الشاسعة، مما عرَّض دول المنطقة لما يعرف بالعنف الذي تقف وراءه جماعات إسلامية متطرفة، حيث أشار تقرير من إعداد كاتبة الدولة الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت، والجنرال ويسلي كلارك، القائد السابق للقوات المتحالفة في أوربا، إلى أن أعداد العمليات الإرهابية قد تضاعف أربع مرات خلال الفترة ما بين 2001 و2007، وشهدت سنة 2007، أيضاً، انضمام جماعة السلفية للدعوة والقتال إلى تنظيم القاعدة، وتشكيل حركة القاعدة في المغرب الإسلامي، والتي قامت بعدة عمليات إرهابية ونوعية في الجزائر على الخصوص. وقد استند المعهد الأوروبي للدراسات الإستراتيجية، في إعداد هذا التقرير، على دراسة معمقة لعدة مصادر مفتوحة، مثل مقالات لصحافة إقليمية ودولية، وتقارير لمنظمات غير حكومية ومنظمات دولية ومراكز أبحاث مستقلة، إضافة إلى لقاءات مع شهود على تطور حركة بوليساريو، وفاعلين في مجال الأمن الإقليمي في منطقة شمال إفريقيا. ويسلط التقرير الأضواء على العلاقات المحتملة بين بوليساريو وتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، ويحاول تقديم صورة عن تطور بوليساريو ومآلاته، وإعطاء نظرة عن تنامي ظاهرة الإرهاب في المنطقة، إضافة إلى دراسة المؤشرات الدالة على الترابط بين بوليساريو وتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، مما يمكن من تقييم ما مدى إسهام هذه الحركة (بوليساريو)، التي كانت تدعي بأنها حركة تحررية، في دعم القاعدة بحيث أصبحت أكبر داعم للإرهاب في منطقة الساحل. ويضيف التقرير أنه رغم كون تلك العمليات الإرهابية قد شهدت انخفاضاً خلال سنتي 2008 و2009، فإن التهديد الإرهابي بقي قائماً، حيث انتقل نشاط هذه الجماعات الإرهابية إلى منطقة الساحل مستفيدة من شساعة المنطقة وصعوبة مراقبتها من قبل دول المنطقة، إضافة إلى عدم وجود تعاون بين تلك الدول في هذا الخصوص، مما أدى إلى تصاعد عمليات اختطاف بعض الرعايا الغربيين. وقد أشار المركز الأوروبي للدراسات الإستراتيجية، في تقريره، إلى أن هذا التحول في التهديد الإرهابي في شمال إفريقيا أعطى النزاع حول الصحراء بعداً خاصاً، مما يجعل منه مجازفة أمنية في غاية الأهمية.. وهو ما دفع، حسب التقرير الذي تم إعداده تحت إشراف السيد كلود مونيكيه رئيس المركز المذكور بأربعة وخمسين عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي في مارس الماضي إلى دعوة كاتبة الدولة في الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، إلى مضاعفة الجهود لإيجاد حل لنزاع الصحراء، في بادرة اعتبرت على أنها أولوية بالنسبة للسياسة الأمريكية في منطقة شمال إفريقيا، مع الإشارة إلى ما قد يمثله استمرار حالة عدم الاستقرار في المنطقة من تنامي التوجهات الداعمة للإرهاب وتجدر الإشارة إلى أنه سبق لزعيم انفصاليي البوليساريو محمد عبد العزيز أن اعترف سنة 2005 بهذا الأمر، معتبراً أن حركته لا تعيش في جزيرة، وأن ما يمس إفريقيا والعالم العربي والمغرب العربي يمسهم أيضاً، وأن طول الانتظار وخيبة الأمل، وبعض الأفكار الرائجة في منطقة المغرب العربي- حسب قوله- يمكن أن تؤثر بعض الشيء على شريحة الشباب، على وجه الخصوص، وقد تدفع بعضاً من هؤلاء نحو الإسلام المتطرف.