نشرت صحيفتنا (آخر لحظة) أخباراً وتقارير تذهب إلى تأكيد ممارستنا للكيد السياسي.. وقد أفضت بنا الى تمليك (العدو) معلومات تضر بأمن الوطن القومي.. وقد جرى نقاش حول الموضوع اعتقد إنه أفرغه من مضمونه.. إذ أصبح السؤال.. ومَن يمارس الكيد؟ والإجابه طبعاً كل طرف يبرئ نفسه من تهمة الكيد.. المعارضة تصر على إنها كانت موضوعية في معارضتها وقد إتخذت مواقف ضد أي عدوان على السودان، وأوضحت ذلك منذ ضرب الشفاء وحتى ضرب اليرموك.. والحكومة والوطني يعمدان الى أخبار نشرت في صحف معارضة «رأى الشعب» كانت بسبب الكيد السياسي وربما كانت غماز النور الذي كشف المصنع فضرب بنفس طويل.. ونفس طويل هذه بسبب أن الخبر نشر قبل أكثر من عامين.. أذكر إن زميلاً لا يطيق صبراً على الاحتفاظ بالأسرار وتغلبه نزعة الوشاية نقل رأياً حاداً في زميله، فأجج صراعات نائمة.. وثأرات مكبوتة.. فعاتب زميلنا ناقل الخبر الواشي.. قائلاً: (الكلام القلتو ليك ده سر يافلان.. فما كان منه إلا أن قال: سرك إنت ماقدرت تمسكو امسكو ليك أنا).. بهذه الرواية نكون قد علقنا على الموضوع.. لكن هل الكيد هو كيد سياسي، فقط هل هو علة سياسية وسط السياسيين وحدهم أم هي ظاهرة عامة اكتنفت الجميع.. النخبة الأكاديمية والثقافية والفكرية.. والطبقة المتوسطة.. وتسللت الى مجتمعات الشباب، الى الطلبة في المدارس وغيرهم في الأندية والمناشط في الحلة.. وسط الأطباء.. والمعلمين.. ووسط العسكريين والمدنيين.. المتدينون والعلمانيون.. هنالك «كيد» للآخر .. لنضرب مثلاً في الرياضة وفي كرة القدم.. لنأخذ حكاية «دقسة» اتحاد كرة القدم واشراك لاعب موقوف لأنه لم يصل للاتحاد السوداني مايفيد بذلك من الاتحاد الافريقي .. أكاد أجزم بأن هذا الموضوع أبرزته الأخبار التي نشرناها على شاكلة هو خطأ الاتحاد، ولكن ربنا ستر ومر على الاتحاد الافريقي.. والآن الخبر يطير بأجنحة خفاف الى كل الدنيا فانتبه الاتحاد الافريقي الى دقسته وقام بالاجراء بأثر رجعي هكذا اتصور.. ربما تصوري لا يكون هو بالظبط ما حدث، لكنه يمكن أن يكون فاحتمال ذلك وارد وربما بنسبة أكثر من 50% كنت قد كتبت قبل أيام معلقاً على كلام مدرب الفريق الكنغولي لقناة الجزيرة بعد مباراتهم مع المريخ الذي بدأ يائساً، وتوقع صعوبة المباراة في الخرطوم، وقلت للمريخاب لا تنخدعوا بهذه الحيلة فهذا ليجعلكم (تنوموا في العسل) لكن بعث لي قارئ متابع برسالة اعتقد أنها خطيرة وأنها من إفرازات(الكيد الرياضي) قال فيها :(ياخوي حكاية المدرب يائس والنتيجة سيئة هذه لعبة) «قردية»، لأن ناس المريخ تفاوضوا معه هل يعقل أن تتفاوض مع منافسك إن لم تكن النية مبيتة للاستفادة من هذا التفاوض )الكلام خطير متجاوب مع الكيد الرياضي الذي اجتاح الساحة وفي الكيد الفني حدث ولا حرج أحكي لكم موقفاً، ظل واحد من المشتغلين بالفنون يطاردني حين كنت رئيساً لتحرير صحيفة اجتماعية تهتم بأخبار القضايا والحوادث لنشر خبر عن عازف ضبط مخموراً، وتم جلده وصوروه بالموبايل.. لما اعتذرت له عن عدم اتفاقي مع الفكرة انصرف عني الى غيري لينشر الخبر، أليس ذلك كيداً.. انتشرت في الدواوين خاصة الحكومية ظاهرة اسموها «الحفر» وهو أن تعمل براحه براحه على حفر حفرة لأخيك حتى يقع فيها ضارباً بالمثل المحذر من ذلك عرض الحائط، ليس الكيد السياسي وحده آفتنا.. الكيد المهني الكيد الرياضي.. الكيد الاجتماعي.. الفني.. الثقافي.. في زمن مثل هذا تختلط فيه الأشياء وتلوح بعض مظاهر قيام الساعة من تطاول في البنيان، وظهور من لا يكادون يفقهون قولاً بضراوة.. في مثل هذه الاجواء يصبح «الكيد» هو الأول.