الطريق إلى ضاحية الصبابي في تلك الليلة لا ينبيء بنهايات محتملة لقيادات الحركة الإسلامية الذين توافدوا باكراً كعادتهم في كل اجتماع يُدعون إليه من الأمين العام الدكتور الترابي، فلا بد أن يكون الأمر تنظيمياً لشأن الحركة الإسلامية وهي في أولى سنواتها في الحكم والإنقاذ تمضي بشعاراتها. منزل القيادي بشير حسين بشير بضاحية الصبابي وبجواره المسجد يبدو ملاذاً آمناً تطمئن إليه النفوس وهو شاخص بطوابقه الثلاثة وحديقته الخضراء التي أشرعت أبوابها في ترحاب سوداني بشيوخ الحركة الإسلامية وأذان المغرب ينادي بأن حي على الصلاة وحى على الفلاح والقيادي يستقبل القيادات الإسلامية فرادى وجماعات في انتظار تفاصيل الدعوة التي وجهت إليهم للاجتماع الذي لم يعلم أحد منهم أجندته.. والجميع بعد صلاة المغرب آذان صاغية لما يقول الشيخ الترابي الذي بدأ هادي الملامح مبتسماً مرحباً بالزملاء في الحركة الإسلامية.ويحكي ل«آخر لحظة» تفاصيل ليلة 4/12/1990م القيادي بشير حسين صاحب المنزل «الصورة أعلاه» والذي اجتمع فيه شيوخ الحر كة الإسلامية قائلاً: تحدث إلينا الشيخ يس عمر الإمام شاكراً مجهوداتنا كقيادات كبرى ساهمت في إرساء دعائم الحركة وتثبيت أركانها وكذلك تحدث الترابي عن تلك المجاهدات للقيادات، وقال إن الوقت قد حان لتسليم الراية للشباب ومن ثم أهدانا مصاحف في إشارة إلى تنحينا وحل الحركة الإسلامية، لم يحدث نقاش كبير ولكن دار حوار هادئ بيننا في تلك الليلة حتى الساعة الواحدة صباحاً ومن حينها دخلت الحركة الإسلامية في نزاعات واختلافات أدت إلى المفاصلة الشهيرة، والآن تحاول لملمة أطرافها بهذا المؤتمر الذي نأمل فيه الكثير منذ تلك الليلة. قد يكون هذا لسان حال كل الشيوخ بالحركة الإسلامية الذين اختاروا الصمت والعمل الدعوي بعيداً عن السياسة بعد تلك الليلة، ومحدثنا القيادي بشير حسين بشير يتذكر ليلة المصاحف والوداع الأخير وفي صوته أمل برجوع الحركة الإسلامية عبر مؤتمرها الذي رفع شعار«واعتصموا». بينما قال لنا شاهد عصر آخر من شيوخ الحركة الإسلامية من الذين كانوا حضوراً في تلك الليلة، وهو القيادي عبد الرحمن البخيت الذي قال إن الجميع لم يدروا ما هي أجندة ذلك الاجتماع في ليلة 4/12/1990م صلى فيها الجميع المغرب والعشاء وتناولوا فيها الشاي وتحدثوا كإخوان في أمر الحركة الإسلامية حتى تحدث لنا الشيخ يس عمر الإمام قائلاً بأنهم يثمنون عمل القيادات ودعمهم للحركة الإسلامية طوال سنواتها في كلمات أشبه بالتأبين، داعياً بتسليم الراية للشباب في حين ردد الترابي ذات الكلمات الشاكرة والحامدة لدور الشيوخ وسلم كلا منا مصحفاً، ووقع عليه بكلمات هي «اهدي اليك كتاب الله الذي تواثقنا عليه أمس عهداً للحق ونحقق به اليوم وعد الصدق ونرجو به غداً عافية الخير والحمد لله اولاً واخيراً.. عن اخوانك حسن الترابي» في إشارة لجلوسنا وبداية حقبة جديدة للحركة الإسلامية.. وأضاف عبد الرحيم البخيت البعض منا تحدث معقباً منهم الأخ محمد عوض عمر من حلفاية الملوك الذي قال لشيخ يس عمر الإمام «كأنك نعيتنا»!! ومن ثم تناول أكثر من «150» قيادياً من الحركة الإسلامية مصحفاً موقعاً بإمضاء الدكتور الترابي مع كلمات ثناء وشكر وتفرقوا في سبل الحياة كل في طريقه لتعلن تلك الليلة بداية لتداعيات كثيرة حدثت بعدها منها المفاصلة الشهيرة التي أطاحت بتماسك الحركة الإسلامية وشطرتها إلى وطني وشعبي، بعد أن ذوّب الترابي الحركة الإسلامية في المؤتمر الوطني بغرض جعلها كياناً جامعاً وعلى ذكر تلك الليلة في ضاحية الصبابي إلى مؤتمر قاعة الصداقة للحركة الإسلامية مياه كثيرة جرت تحت الجسر وهي تعود بدستور أجازته في مايو 2012م لتثبت فيه المادة «32» التي تقول بعدم جواز حل الحركة الإسلامية إلا بموجب قرار يجيزه ما لا يقل عن 75% من عضوية المؤتمر العام في اجتماع قانوني لا يقل حضوره عن 80% من عضوية المؤتمر العام. فهل تعيد الحركة الإسلامية بناء نفسها وتنسى أحداث تلك الليلة ويتواصل جيل الرواد مع جيل الشباب.. الأيام سوف تحدثنا عن ذلك قريباً.