لماذا نكتب؟ سؤال «بايخ» ربما على طريقة «المزاجاتي» الذي سمع في السبعينيات الظاهرة العينة المسماة أبوعبيدة حسن.. وكان يغني من كلمات ذوالنون بشرى..( ياسواقو ليه شلتو.. من البيت لمدرستو).. فقال له ببساطة: ماعشان .. يتعلم!!.. هل تجدي الكتابة؟ سؤال «بايخ» لكن في السودان الكتابة قد تقودك إلى حتفك مرات.. قد تقودك إلى مجد أو إلى بوابات السجون.. قد تطيح بك.. وقد (تأكلك عيش).. القلم قد تقبض عليه كجمرة تحرقك على مدار الساعة.. وقد تمسكه كوردة يفيض رومانسية وينسال عاطفة.. وقد يكون تفاحة تقضم منها.. قد تكون حلوة.. وقد تكون مُرة.. وقد تكون فَخَة.. أن تكتب في السودان يعني أن تتعرى أمام قارئ حصيف يعرف كيف يقرأ خلف السطور، فيعرف تماماً أي دثار ترتدي وأي قناع تضعه على وجهك.. قال عبقرينا الطيب صالح: كل أنواع الكتابة بغيضة إلى نفسي.. لكنه مع ذلك كتب كلاماً جميلاً وخالداً.. في الصحافة بالذات يجب أن تكون كتابتي «حبيبة» إلى نفسك وإلا سقطت في الإمتحان الناس لا تحب الكلام الناقد ليس في السودان فحسب، بل في العالم كله ليس في ميدان السياسة فحسب، بل حتى في مجال الفنون.. فكل منقود يرى في الناقد عدواً يستحق ضرب النار.. الفريد هتشكوك بكل شهرته قال: لا يمكنك أن تذهب إلى البنك لتصرف نقداً.. بعض الصحف والمجلات تختار نقاداً لا يهتمون بالأفلام لكنهم قادرون على الكتابة عنها بطريقة متعالية تعجب بعض القراء.. وقال «فلليني» المخرج الإيطالي الشهير بمجرد أن يصيح الناقد «أنا ناقد» فإنه ينتفخ غروراً ولا يصبح قادراً على رؤية ماهو معروض أمام عينيه، بل يرى مايعتقد إنه من الواجب أن يكون موجوداً. أما المخرج والممثل «أورسون ويلز» فقد صرخ: يامن تكتبون عن الأفلام بحواجب مرفوعة أنتم «مجانيين».. لكى تكتبوا عن الأفلام يجب أن تقوموا بصناعتها أولاً.. - والصحافي المصري الراحل «مصطفى أمين» قضى سنوات في السجن بسبب مودته لأمريكا.. وفي السجن كتب عن «صاحبة الجلالة في الزنزانة..» وفي فصول الكتاب آثر أن يعِنون كل فصل بمقولة.. هذه المقولة تفعل فعل السحر في الصحافي وتجعله يستعذب لفح صاحبة الجلالة.. آثرت أن أعتبر مقولاته هتافات منفردة صرخ بها مودعاً إياها بين دفتي كتاب ثم مات.. هتاف أول الصحافة الحرة تمنع قيام الآلهة والأصنام، فلا يعبد الشعب إلا إلهاً واحداً.. ولا يخاف إلا من إله واحد.. ولا يحاسبه إلا إله واحد هتاف ثان إن الصحف العظيمة لا تموت.. وإنما يموت كل من يحاول أن يقتل صحافة عظيمة هتاف ثالث وقال محمد محمود باشا للملك: إنني جئت إليك لأطلب منك أن تصدر أمراً ملكياً بتجريد النبيل من لقب الإمارة لأنه أهان المصريين!! هتاف رابع وأصر الملك على تعطيل جريدة المصري.. وقدم «النقراشي» استقالته وقيل للنقراشي: كيف تحمي الجريدة التى تهاجمك فقال: إنني أحمي جريدة مصرية هتاف خامس ونفدت جميع النسخ لأن القراء أرادوا أن يروا الجريدة التي تنقض الوضوء هتاف سادس وزادت المصيبة أن سيدات الأسر كن يزرن أم المصريين وأمي ويقدمن لهن العزاء في المصاب الفادح الذي حل بالأسرة لإشتغال أحد أفراد أسرة «سعد زغلول» بالصحافة! هتاف سابع لو جعلنا «الأوبرا» إجبارية لسد الناس آذانهم هتاف ثامن ولكن هذا هو ثمن الشهرة.. وهو ضريبة النجاح وأنا شخصياً تعودت أن أدفع ضرائبي المستحقة بلذة هتاف تاسع وذهبت أنا وعلي أمين إلى «أم كلثوم» وطلبنا منها أن تتزوج من التابعي.. انقاذاً للصحافة!! هتاف أخير وأنت تعرف اسم الصحفي الذي رفض المائة ألف جنيه واسم الكبير الذي عرض عليه المائة ألف جنيه!!