اتخذ الصادق المهدي ثلاثة مواقف كرست للتناقض في شخصية الإمام كما يراها مخالفيه الرأي داخل النظام الحاكم أو المعارضة بتياراتها، والمواقف هي تلاقي الأمة والشعبي وقطاع الشمال، إعفاء نصر الدين الهادي من منصب نائب الرئيس في الحزب ، ودعوة الجماهير للخروج للميادين والسفارات من أجل التغيير، هذه المواقف رفعت أسهم الرجل في بورصة التناول الإعلامي، كالعادة تعرضت مواقفه لدعوات مستنكرة وأخرى مستهزئة مستندةً علي مواقفه من لدن مصالحة نميري، رئاسته في الديمقراطية الثالثة، التجمع الوطني، تهتدون، تفلحون، وأخريات شكلن فيه المراوغ في عقلية المعارض، خاصةً اليساري الذي يرى في الصادق هادم الثورة وهازم التغيير والإسقاط. وإذا نظرنا لتلك المواقف الثلاثة نجدها بعضها من بعض ودعونا نسرج خيل الكلم ونكتب بحوافرها لعلنا نذكر الإمام بما حوله رغم أني أري فيه السياسي الوحيد الذي يفهم ويقرأ معلب الواقع السوداني، ولكنه لايجيد النهايات والتهديف في المرمي، وهو مشخص جيد لأمراض السودان، ولكن يصعب عليه وصف الدواء، وله رؤى جيدة رغم الجدل حولها مثل الأجندة الوطنية والتغيير وغيرها. إن العلاقة بين حزب الأمة وقطاع الشمال متوترة ومبنية علي الشك والهواجس ! فيساريو القطاع وإعلامه يكنون للإمام وافر العداء من مواقفه الداعمة للنظام في لحظات الصفاء والوفاء، وأيضاً مواقفه الدينية ورؤاه عن الدولة المدنية بمنظور مخالف للعلمانية، وكمتابع لمحاولات التحالف بين القطاع والأمة، وهو تحالف البندقية، ودخول الحزب لدائرة العنف السياسي مجددًا بعد فشل تجربة جيش الأمة. رغم الفارق بين الأمة صاحب التاريخ والجماهير التي تحب مسيرة الأنصار، ومابين قطاع الشمال الذي يتكيء على دماء ومعاناة أهلنا في جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق، واستخدامهم في حرب الإستنزاف والاسترزاق والإسقاط كخطوة أولى، ليتفرغ بعدها لتصفية ما مضى مع حزب الأمة ، وهنالك تباعد المسافات بين الكيانين تتحكم فيهما الديمقراطية والسلاح رؤى الحكم وقيادة الشعب. إن قطاع الشمال يبحث عن(زردية) يضغط بها أصابع النظام ليستجيب عاجلاً بالتفاوض، وتحقيق ما حققته نيفاشا للحركة الأم، بعد تمنع الحكومة في الجلوس معهم ، وفشل الكاتيوشا في الإزاحة ، وتحقيق أهدافهم على الأرض، لذلك فرحت قيادات الشمال بحزب الأمة لاعتبارات أن كوادره موجودة بالداخل ولها مساحات تتحرك عبر الإعلام والدار التي أصبحت قبلة لمهرجانات المعارضة في الخرطوم ، ولكن رغم ذلك يعيش الأمة حالة من الضعف من صراع الكيانات والمصالح بداخله غير متناغمة وخلافاتها متجددة، مجموعات (الأمين العام، التيار العام، بقايا مبارك الفاضل، مجموعة صديق وغيرها). إن علاقة حزب الأمة بقطاع الشمال هي تحالف البندقية الذي لا يتحاور ولا يقبل التفاوض إلا باستصحاب البندقية فهي عصاه التي يتكيء عليها وله فيها مآرب أخرى، وهذا التحالف لا يقبل النظام إلا التحاور معه بالسلاح، وبذلك تتسع دائرة العنف التي لا تنتهي إلا بعد الإغتسال بالدماء والتوقيع علي السلام بمداد الكراهية. أما دعوة الصادق للخروج وتوحيد كل فعاليات المعارضة السلمية والمسلحة وجمع المتناقض ألا ينظر الإمام إلي حزبه الذي تتخطفه الطير وتهوي به في سحيق الأمكنة والأزمنة ، حزب لا يستطيع تشكيل أمانة عامة هل يقوى على وراثة حكم وقيادة دولة؟ ألا ينظر الإمام إلي اهتزاز الأرض من حوله، ودخول الحركات المسلحة في اللعبة السياسة، وتوالدها السرطاني لا تعرف وطناً إلا القبيلة والعشيرة وأخري الدولار. بمن يقاوم الإمام بأهل السلاح في زمن تعدد الفصائل، واختلاف المقاصد؟ واختلاف المقاصد في معارضة السلم والعنف بالله كيف يلتقيان؟ حافر وصهيل إن تحالف البندقية الآتي من لقاء الشعبي والشعبية والأمة نسخة مكررة من تجربة التجمع ،ومذكرة التفاهم الشعبي والشعبية وتحالف النقيض والبغيض بين القوى السياسية والمسلحة، ودخول الصادق المهدي ورعايته محكومة بمدي قابلية الرجل عند أهل السلاح، وقوي اليسار المتحكم عبر إعلامه في دعم العمل المسلح . ان قطاع الشمال يدير حرب بقاء في جنوب كردفان، ويسعي لخلق تحالفات لإعادته للخارطة السياسية، بعد رفض النظام للقبول به وتوهم إعلامه أن هارون خارت قواه ورفع الراية البيضاء فأرسلوا له رسائل الشوق عبر الكاتيوشا فبادلهم الحب بالحب وزاد عليها(أمسح وأكسح) وأخافتهم وهاج إعلامهم ونادى في المدائن يا(جنائية). ان هارون الثالث موصول بهارون الأول لا يريد أن يقول فرق بين أهله ولكن أهل اليسار وحمالة السلاح لا يفقهون، فظنوا إن تلك بشريات النصر، لذلك كله يريد قطاع الشمال حليف يصعد على ظهره كما صعدوا من قبل في أسمرا وتركوا التجمع واقتسموا السلطة مع النظام، وهم الآن يسعون لذلك والصادق يدري، ولكنه يريد الهروب من الحقيقة وتجريب المجرب في حلف أهل البندقية إن العمل المسلح لا يعرف لغة غير السلاح وشريعة الغاب ، البقاء فيها للقوي ، ولا يقبل المصطلحات الزاعمة. ويبقى القول الراسخ إن الصادق المهدي من أعقل قيادات المعارضة له سهم وافر في السياسة السودانية، له مواقف أرهقت سيرته ومسيرته، يطرح أفكار لا يصبر على حصادها، ورغم توضيحاته في شأن نائبه نصر الدين المهدي وعلاقته بالجبهة الثورية ورفض الحزب الإقرار بالعمل المسلح ،يقترب إمام الأنصار من وكر الشيطان المسلح ومصافحة من صافحهم نائبه.