كان التصريح الذي أعلنه زعيم حماس خالد مشعل في أن حماس ستقتص للسودان من إسرائيل جراء فعلتها اللئيمة في قصف مصنع اليرموك.. كان تصريحاً عابراً قد يكون الكثيرون لم يلقوا له بالاً، بل الكثيرون حسبوه أحد مساحيق البروتوكولات وكلمات المجاملة التي تغلف عالمنا اليوم، في أن الحديث ينتهي بانتهاء الحدث، لهذا عده الكثيرون أحد تلك الهرطقات التي تعود أن يطلقها السياسيون، وكلام يُباع للقنوات والمؤسسات الصحفية، وحتى تلك ما عادت تحتفي بما يجئ على لسان المسؤولين.. ليقينها أنه حديث لا صدى له، ولكن حديث خالد مشعل كان له ما بعده، فلم تنقضي ليلة وضحاها إلا وأتبع القول بالعمل، وجاءت الأخبار تترى أن صواريخ حماس تتخطى الضعف والعجز العربي والإسلامي، وتضرب قلب إسرائيل خطوة ما كان يحسبها حتى أكثر المتفائلين في أن يجئ الوعد بتلك السرعة، وكان الأمر الذي أربك الحياة في إسرائيل وتعالى من أحشائها الصراخ والعويل، وأبواق الإنذار وهرعت الأقدام قبل الأفئدة ملتاعة الى المخابيء، وقامت الدنيا ولم تقعد، ولم تفلح سبعة أيام نفذ فيها العدو الإسرائيلي طلعات انتقامية تجاه غزة الصامدة، استهدفت النساء والأطفال والمواطنين العُزّل دون أن تصيب هدفاً واحداً استراتيجياً.. نعم قد يكون هناك شهداء جراء هذا القصف الإسرائيلي اللئيم ما يفوق المائة قتيل، وأضعافهم جرحى، ولكن الذعر الذي خلفته صواريخ حماس في أفئدة الإسرائيليين يساوي أضعاف أضعاف هذه الخسائر.. ويكفي أن الحكومة الإسرائيلية بكل صولجانها وهيبتها الوهمية تستنجد بالحكومتين الأمريكية والمصرية، بحثاً عن النجاة وطلباً لوقف هجمات حماس على مدنها ومواطنيها.. يا سبحان الله، عدد محدود يفعل كل تلك الأفاعيل بفرعون العصر إسرائيل ومن خلفها فراعنة.. أين هي القوات والقدرات المزعومة وإسرائيل التي ما ملت، تدعي قدرتها على الوصول لأي بقعة مهما كانت متاريسها، وتتجرأ لتحذر إيران، وهي تعجز عن ضرب قطاع لا يملك أهله إلا الإيمان والعزيمة والجهاد في سبيل الله. إن حماس والمقاتلين بالكتائب، كل يوم يكشفون لنا الزيف والخداع الذي ترقد عليه إسرائيل، وضعف قدراتها العسكرية والنفسية.. حتى وإن تجاسرت على النفاذ الى السودان وضربت بعض منشآته. إن ما تقوم به حماس يشكل حافزاً كبيراً للدول العربية والإسلامية التي تعيش أضعف حالاتها، بأن تستيقظ من ثباتها وتغير استراتيجيتها وتدرك قطار العزة الذي كاد أن يتجاوزها.. فها هو المد الإسلامي يفوح نداه، وها هي الروح بدأت تدب في أوصال كثير من أمتنا العربية بعد أن شكل الربيع العربي دفقاً كبيراً في شرايين تلك الأمة الموعودة بالنصر، ومهما تجاسرت قدرات الأعداء وقوتهم.. يبقى وعد الله قائماً، بأن الأرض يرثها عباده الصالحين. إن حماس رغم صغر عددها وعتادها فهي تقدم لنا كل يوم درساً جديداً بأن الانتصار لا يجئ بكثير عتاد أو عدد، وإنما باليقين والإيمان بالقضية، وها هم بعزيمتهم وإيمانهم يحرسون تلك الثغرة الإسلامية التي تشكل وجدان هذه الأمة، والتي لا تقف حمايتها على أهل فلسطين وحماس، بل هي مسؤولية كل مسلم يردد الشهادتين، بأن ينتصر لدينه ويقدم حتى نفسه وماله للذود عن تلك البقعة المباركة، والله يحذر (أرضيتم بالحياة الدنيا). إن مؤتمر الحركة الإسلامية السودانية الذي أهابه الكثيرون من قادة الحركات الإسلامية والذين صاروا على رأس حكومات بلادهم، كان قدم خير وبادرة لتوحيد المسلمين بكافة أرجاء المعمورة وإيقاظ تلك الأشواق التي تربض داخل أفئدة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.. الذين ما فتئت أشواقهم تهفو لذاك اليوم الذي يكتمل فيه بدر الدين، ويشع نوره، ليغمر كافة الدياجر.. فالمطلوب من هذه الأمة العربية والإسلامية التي يفوق عددها وقدراتها أضعاف أضعاف عدد قدرات العدو، أن يلتفتوا الى هذه الحقيقة وينفضوا عنهم هذا الوهن والعجز ويصطفون صفاً واحداً يصدون به كل متجاسرٍ على الدين.. ووقتها لن نجد من يتجرأ ليهين ديننا أو يستهزيء برسولنا الكريم، والله تعالى يحرضنا (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون) نعم إن وعد حماس كان حقاً، وها هم مواطنوها يرفعون جباههم عزةً لما أذاقوه لليهود من علقمٍ، جعلهم يعترفون بهزيمتهم.